في تشرين الأول الماضي، «طبّلت» الصحف ووسائل الإعلام بخبر احتلال الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) المرتبة الأولى بين ألف جامعة في تصنيف «كيو إس» العالمي لجامعات المنطقة العربية. قبل ذلك، صنفت الجامعة نفسها من بين أفضل الجامعات عالمياً، في تصنيف «كيو اس» (كواكواريلّي سيموندس) العالمي للعام 2018، اجتذاباً لأصحاب العمل لتوظيف متخرجيها.
الخبر «سار» لإدارة الجامعة والأساتذة والطلاب. الرقم وحده يقول شيئاً للناس. «بيضوي». ما هي هذه التصنيفات التي ترتب جامعات العالم في البحث العلمي والتوظيف والعلاقات الدوليّة والسمعة الأكاديمية؟ هل هي تصنيفات تقيس فعلاً نوعية التعليم أم أنها مجرد مشروع تجاري يصنّف سوق المعرفة للقطاع الخاص ويوفر الأدوات اللازمة لذلك، لا سيما وأنّه جرى تطوير هذه التصنيفات استناداً إلى مؤشرات مثل: عدد الطلاب والأساتذة الحائزين على جوائز نوبل، عدد الباحثين البارزين في الجامعة، عدد المقالات المنشورة في كبريات الدوريات العلمية، استطلاع آراء جهات التوظيف عن متخرجي الجامعة، نسبة عدد الطلاب إلى عدد الاساتذه، نسبة عدد أعضاء هيئة التدريس الأجانب للعدد الكلي، ونسبة الطلاب الأجانب للمجموع الكلي للطلاب؟

شراء الباحثين

غلبة هذه المقاييس «الكمية» تدفع أستاذ علم الاجتماع في الجامعة الأميركية في بيروت، ساري حنفي، ليقول إن من يرجح هذه التصنيفات للتميّز هو من يشجع الخصخصة والحد من تدخل الدولة في الاقتصاد. فالدول العربية، وخصوصاً في منطقة الخليج، روّجت، بحسب حنفي، الجامعات التجارية سواء العامة أو الخاصة، على مقربة من هذا السوق العالمي من الكفاءات العلمية، فعمدت بعض الجامعات إلى توظيف «أساتذة ظل» لا ينفقون إلاّ وقتاً قصيراً في هذه الجامعات مقابل ثمن باهظ، بحيث تحسب منشوراتهم وأبحاثهم ضمن منشورات الجامعات الخليجية، ما يعني أن المال يشتري القيمة، وعوائد النفط تشتري التميز. يقر حنفي بأنّ الحجم الفعلي لهذه الظاهرة لا يزال غير معروف وربما يؤثر بشكل هامشي على المستوى الفعلي في البحث العلمي، إلاّ أنّه يؤثر في صورة الجامعات والدول في التصنيف العالمي التي تنتجها تقارير التنافسية، وتقييم البنك الدولي للاقتصاد القائم على المعرفة.

التصنيف أمر واقع

لكن مسؤولين أكاديميين كثراً في الجامعات اللبنانية يجزمون بأنّ الـ«ranking» بات أمراً واقعاً، وأي محاولة لانكار وجوده هي كدفن الرأس في الرمل. كيف؟ يجيب الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتور معين حمزة، أنّ «التصنيف له قيمة عامة ومتابعتنا لتطوره عبر السنوات العشرين الماضية، تظهر لنا أنّ المؤشرات ليست اعتباطية، بدليل أنّ التصنيف لم يأت يوماً مجحفاً بحق المؤسسات التي لها مصداقية أكاديمية، ولم تكن هناك محاباة لمؤسسات لا قيمة لبرامجها التعليمية، بدليل أن نتائج تقارير مؤسسات التصنيف لم تشكل مفاجأة للرأي العام العلمي والأكاديمي».
برأي حمزة، «رفض التصنيف لكونه يركز على البحث أكثر من التعليم غير عادل، فإذا لم يكن البحث مؤشراً للتدريس لا نستطيع أن نضمن الانعكاسات الإيجابية على خدمة المجتمع، وأهم خدمة للمجتمع تقوم بها الجامعات هي خلق فرص عمل مجدية».

داتا للمقارنات

أهمية التصنيف بالنسبة إلى الدكتورة ديان نوفل، مساعدة رئيس الجامعة اللبنانية الأميركية للبحث المؤسساتي والتقييم، أنّه يخلق «داتا» للمقارنات بين الجامعات على المستوى العالمي، مشيرة إلى أن نظام التصنيف العالمي يقود الجامعات أكثر إلى أن تكون مؤسسات بحثية، لكونه «يركز على الأبحاث العلمية في المؤسسة ويغفل باقي جوانب عملية التعليم».

عمد بعض الجامعات إلى توظيف «أساتذة ظل» في مقابل
ثمن باهظ

وفيما تعترف نوفل بأن التصنيف المبني على أرقام يجذب الطلاب والأساتذة، وأن جامعتها باتت تركز أكثر على البحث العلمي، لتحسين ترتيبها في هذه التصنيفات، ترى أن الجامعة بصورة عامة يجب أن تصوغ سياساتها وبرامجها بحسب رؤيتها ورسالتها، وليس فقط تبعاً لهذه التصنيفات.

بيع المنتج العلمي ليس تجارة

«نزعة الرقم ضرورية لنا كأشخاص علميين لإعطاء قيمة حقيقية لأي مفهوم من مفاهيم جودة التعليم»، هذا ما يعتقده عميد كلية الهندسة في الجامعة اللبنانية الدكتور رفيق يونس. يبدو مقتنعاً بأنّ تصنيف الجامعات هو وسيلة مهمة يجب أن تشكل جزءاً من استراتيجية أي مؤسسة جامعية لمساعدتها في تطوير نفسها وبناء خططها بشكل سليم. برأي يونس، محاولة تقييم المؤسسات بأرقام هي مسألة اعتبارية وهي في حد ذاتها تعبير عن نوعيّة.
يونس يستغرب محاولة البعض نسف نظام التصنيف برمته لمجرد أنّ هناك خروقاً من بعض الجامعات التي تستخدم أساليب ملتوية كدفع الأموال أو شراء أفضل الباحثين بهدف تبوؤ مراتب متقدمة عالمياً «فخرق القانون يعالج بالفضح والمعاقبة وليس بإلغاء القانون». يستوقفه الكلام على البعد التجاري للتصنيف فيقول إنه من المنطقي أن يكون التصنيف جزءاً من السياسة التسويقية والإعلامية للجامعة، ويسأل: «هل الجهد العلمي تجاري؟ هل يمكن أن نصف المخترع الذي يبيع انتاجه تاجراً؟».

الحذر من التصنيف

ماذا يقدم التصنيف للجامعة؟ هل يجلب طلاباً أكثر؟ هل يستقطب طلاباً أجانب؟ هل يغري القطاع الخاص للاستثمار في البحث العلمي في الجامعة؟
بحسب أمين المكتبات في الجامعة الأميركية الدكتور لقمان محّو، ليس هناك طريقة علمية، أو هذا على الأقل في الجامعة الأميركية، لقياس مدى تأثير التصنيف في استقطاب طلاب أجانب أو باحثين أفضل أو جذب القطاع الخاص لشراء المنتج البحثي. فالتصنيف نشأ، كما يقول، لمساعدة الأهل والتلامذة في اختيار الجامعات التي سيقصدونها، ثم بات له بعد ذلك، على مر السنوات، بعد تجاري، إذ إنّه لا يدخل في تفاصيل العمل البحثي ومن ينتج هذا البحث وأهمية الانتاج البحثي للجامعة في البلد الذي تعمل فيه، إنما يمكن أن يعطي فكرة جيدة عن نقاط الضعف والقوة لدى كل جامعة، وكيف تستطيع أن تجري مقارنة مع جامعة تشبهها، «فالتصنيفات تجعلنا كجامعة أميركية نتساءل عن السبب الذي يجعل جامعة تشبهنا من حيث حجمها تتفوق علينا، وهذه التساؤلات تساعدنا على التخطيط للمستقبل وتحسين نقاط الضعف». يؤكد محّو «أننا نستخدم التصنيف كأداة للتركيز على أمور أغفلناها في سياسة الجامعة». إلاّ أنه يعتقد أنّ مؤشر التصنيف حقيقي، وإلاّ لما ورد اسم أكثر من ثلثي الجامعات المهمة في أول 100 جامعة في كل تصنيف.
يعرب محّو عن اعتقاده بأنّ الجامعة الذكية والتلميذ الذكي يجب أن يتعاملا بحذر شديد مع تفسير نتائج هذه التصنيفات والانتباه إلى الأهداف والرسالة والرؤية التي تملكها الجامعة.

محاور لا يغطيها التصنيف

تتعاطى الجامعة اليسوعية مع التصنيف على أنه واقع يجب أخذه في الاعتبار لأسباب عدة منها أن الشركات أصبحت تستخدم هذه التصنيفات على نحو متزايد من أجل التوظيف. كما أنّ التصنيف يساعد الطلاب وسوق العمل على إجراء مقارنات مستنيرة بين الجامعات في كل أنحاء العالم، وبالتالي فإنّ التعلّم في جامعة مصنفة بين أفضل 500 جامعة عالمياً، يساهم في إيجاد فرص عمل في سوق تنافسيّ.
إلاّ أن الجامعة لا تغفل العمل، بحسب الدكتورة ندى مغيزل، مندوبة رئيس الجامعة لضمان الجودة والتربية الجامعية، على تحقيق رسالتها. تقول: «الجودة في مفهومنا هي الجودة للجميع وهذا هو التحدي الأكبر، فاعتماد طرائق ناشطة في التعليم ومواكبة الطلاّب الأشدّ حاجة وتأمين منح جامعيّة، محاور أخرى تُعنى بها جامعتنا ولا يغطيها التصنيف». تشير إلى أنّ فریق عمل ضمان الجودة في الجامعة يستخدم موارد عدة لتحلیل وضع الجامعة بشكل موضوعيّ وتحدید مواقع تحسین أدائها من أجل تطوّرها المستمرّ. من هذه الأمور نتائج التقییم الذاتيّ المبني على المعاییر الدولیة ومنها ما هو مرتبط بمؤشرات التصنیفات الدولیة.




أبرز مؤسسات التصنيف

بدأ التصنيف العالمي للجامعات عام 2003 مع جامعة جياو تونغ شنغهاي الصينية، ويعرف بالتصنيف الأكاديمي للجامعات العالمية (Academic Ranking of World Universities ARWU ) بهدف معرفة موقع الجامعات الصينية بين الجامعات العالمية من حيث الأداء الأكاديمي والبحث العلمي، وكرّت بعدها سبحة التصنيفات من مؤسسات أميركية وأوروبية، ولعل أهم مؤسسات التصنيف هي:
* تصنيف شنغهاي: يفحص هذا التصنيف 2000 جامعة في العالم من أصل نحو 10000 مؤسسة مسجلة في اليونسكو امتلكت المؤهلات الأولية للمنافسة. أما معايير التصنيف فهي: مرور الحائزين على جوائز نوبل سواء من خلال الدراسة أو التدريس (20 في المئة من العلامة الممنوحة)، نجاح الخريجين (10 في المئة)، حجم الدراسات والأبحاث المنشورة في مجلتي «ناتشر» و«ساينس» البريطانيتين (20 في المئة)، نسبة الإشارة إلى تلك البحوث والجامعات في وسائل الإعلام والمجلات العلمية (20 في المئة)، نسبة الإشارة إلى الباحثين في السنوات الخمس الأخيرة (20 في المئة)، الأداء الأكاديمي (10 في المئة). هذا التصنيف يرتّب فقط أول 500 جامعة على مستوى العالم.
* تصنيف مجلة «تايمز» للتعليم العالي: تصنف المجلة أفضل 100 جامعة في العالم لم يمر على نشأتها 50 عاماً، وذلك وفق للمعايير التي تعتمدها المجلة. ويعتبر هذا من أكثر التصنيفات المعتمدة عالمياً.
* تصنيف كواكواريلي سيموندس QS: مؤسسة غير ربحية مقرها الرئيسي لندن ولها فروع منتشرة حول العالم. تأسست عام 1990، وبدأت منذ 2004 في تصنيف أفضل 800 جامعة في العالم، وفقا للمعايير الآتية: السمعة الأكاديمية (40%)، نسبة الطلاب لأعضاء هيئة التدريس (20%)، الأبحاث المنشورة لأعضاء هيئة التدريس ومعدل النشر واستشهادات الباحثين في العالم بالأبحاث المقدمة من الباحثين والأكاديميين في الجامعة (20%)، استطلاع آراء جهات التوظيف من مؤسسات وشركات حول أداء وجاهزية متخرجي الجامعة (10%) النسبة التي تتيحها الجامعة للطلاب الأجانب حول العالم (5%)، نسبة أعضاء هيئة التدريس الاجانب في الجامعة (5%).
* تصنيف الويبومتركس: يصدر عن المركز الأسباني لتقييم الجامعات والمعاهد CSIC وهو ترتيب يغطي أكثر من 12000 جامعة ومعهد عال، ويعتمد على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الالكترونية، ويمكن اعتباره تصنيفاً لموقع الجامعة الالكتروني.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]