يوم السبت الماضي، احتفلت بلدة المتين في المتن الشمالي باستعادة جزء من مشاعها الذي كان قد سطا عليه النائب ميشال المر منذ أربعين عاماً بتواطؤ سياسي ــ قضائي من أجل ضمه الى بلدته بتغرين والسيطرة على منابع مياهها لتسخيرها لمصلحة مشروع «الزعرور» للتزلج. فقد أصدر مجلس شورى الدولة، يوم الخميس الماضي، قراراً مبرماً يقضي بإعادة الأرض المسلوخة الى بلدية المتين، لينهي بذلك فصلاً من فصول سطوة دولة المر.
ففعلياً، لطالما كان أحد أهم إنجازات «أبو الياس» التي يمكن لأهالي المتن الشمالي تعداها، هو الطريقة التي تمكن فيها من توسيع نطاق بلدته التي يحكم قبضته عليها على حساب أراضي البلدات المجاورة، مخالفاً كل الأعراف والقوانين. قد يبدو الأمر سوريالياً وأقرب الى السينما الهوليودية للوهلة الأولى، ولكن لأنها «دولة المر» يصبح الخيال واقعاً.
في عام 1978، طلب ميشال المر من قائمقام المتن آنذاك سلخ منطقة شاسعة من بلدة المتين تتجاوز مساحتها عشرة ملايين متر مربع من نطاق المتين الى نطاق بتغرين. وفي غضون ساعات، كان له ما أراد، فأتته موافقة وزارة الداخلية على الطلب. في المقابل، فشلت كل الشكاوى القضائية اللاحقة في إعادة الأرض الى أصحابها.
حصل ذلك بعدما اشترت «شركة التلة البيضاء» المملوكة من ميشال المر وشقيقه غبريال (أصبحت اليوم مملوكة من الشقيقين وأولادهما أيضاً) جزءاً من هذه الأرض لتنفذ عليها مشروعها السياحي المعروف بـ»مركز الزعرور للتزلج». لم يستسلم المتينيون وتقدموا في عام 1980 بشخص رئيس البلدية جوزيف أبو سليمان بدعوى أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار وزير الداخلية غير القانوني، وخصوصاً أن طلب السلخ جاء بواسطة شركة خاصة لا تتمتع بصفة رسمية تخوّلها التقدم بطلبات مماثلة. وبالفعل، أبطل مجلس شورى الدولة قرار وزير الداخلية، ولكن ما لبثت أن تغيرت هيئة المجلس واستطاع المر، عبر الهيئة الجديدة، نقض القرار السابق لمصلحته. وفي عام 2007، طلب رئيس البلدية الحالي زهير أبي نادر مراجعة المحاكمة السابقة، مستفيداً من بداية أفول نفوذ آل المر، وخصوصاً بعد عودة ميشال عون من منفاه الفرنسي. قبِل «شورى الدولة» الدعوى الجديدة آنذاك، ولكن تأخر بتّها، فاستغل المر ذلك للانقضاض على رئيس البلدية وسوقه الى القضاء في عام 2012 عبر رفعه دعوى مضادة يتهمه فيها بالتزوير وتضليل القضاء.
لكن بعد 11 عاماً على طلب أبي نادر إعادة المحاكمة، بتّ مجلس شورى الدولة يوم الخميس الماضي الدعوى مصدراً «قراره المبرم والنهائي وغير القابل للاستئناف بإبطال قرار وزير الداخلية الرقم 152/5 الذي سمح لأحد نواب المتن الشمالي بقضم أراضي أهالي القضاء في وضح النهار»، يقول رئيس بلدية المتين زهير أبي نادر لـ»الأخبار»... أما الخطوات المفترض أن تعقب القرار الصادر فهي «إبلاغ مجلس شورى الدولة القرار لبلدية بتغرين وإصدار قرار آخر بتنفيذه فوراً، ثم إبلاغ كل الدوائر الرسمية أن بلدية المتين استعادت مشاعها المسلوخ». وعما إذا كانت بلدية بتغرين تتقاضى ضرائب من مشروع الزعرور للتزلج وأصحاب الشاليهات، أشار أبي نادر الى أن «المعلومات تفيد بأن بتغرين لا تتقاضى رسوماً ضريبية نهائياً من المشروع ولا رسوم سكن من أصحاب الشاليهات».
يجدر التذكير هنا بأن بلدية بتغرين ترأسها ابنة النائب ميشال المر، ميرنا، ومشروع مركز التزلج مملوك من شركة المر وشقيقه وأولادهما. لكن كل ذلك سيتغير وفقاً لأبي نادر، فالبلدية لن تتهاون في تحصيل الرسوم من الشركات التي تستثمر داخل نطاقها العقاري فور تطبيق القرار، علماً بأن وقف دروز المتين يمتلك أرضاً تقارب مساحتها نحو 600 ألف متر مربع في منطقة الزعرور، كان المر، الذي أباح لنفسه التصرف بأرضها، قد منع أصحابها من الاستثمار فيها بأي شكل من الأشكال سوى بالزراعة فقط.
ولا شكّ أن قرار إعادة خراج المتين الى البلدة يعدّ ضربة سياسية موجعة لنائب بتغرين عشية الانتخابات وغداة زيارته الأخيرة للرئيس ميشال عون للحديث بشأن إمكانية التحالف في الانتخابات النيابية المقبلة. وفي هذا السياق، يعتبر التيار الوطني الحر في بلدة المتين نفسه شريكاً في «الإنجاز»، لأن «الرئيس عون يحكم أولاً وأخيراً بالحق وليس بالسياسة، إذ إن الانتخابات القريبة كانت تحتّم في ما إذا أردنا وضع أولوية التيار السياسية في المقدمة أن يؤجل قراراً مماثلاً لما بعد الاستحقاق، وخصوصاً أنه لم يتضح شكل التحالفات بعد». ولكن «لأنه ميشال عون، كانت الأولوية لنزاهة القضاء وسيف الحق»، يقول أحد أعضاء المجلس البلدي وعضو هيئة تيار المتن فادي الحاج.