من رحم الواقع المأزوم الذي يعيشه المسرح اللبناني ومقاومة المشتغلين فيه بهدف البقاء على الرغم من قلّة الإمكانات المادية والدعم الرسمي، وُلد «مسرح أبراج». مغامرة ثقافية جديدة، انطلقت في 20 كانون الثاني (يناير) الماضي في الطابق الثاني السفلي من «سنتر أبراج» في فرن الشبّاك (قضاء بعبدا)، مع عرض افتتاحي لمسرحية «درس عمومي» للمخرج هشام زين الدين.
عُرض العمل مجدّداً في الأوّل من شباط (فبراير) الحالي، وهو مقتبس عن «طرطوف» لموليير و«الدرس» ليوجين يونيسكو.
بعد عامين على إغلاق السينما، قرّر الفنان والمسرحي اللبناني، سليمان زيدان، أن يبدأ هذه التجربة بتشجيع من صديق كان شريكاً في المراحل الأولى، إلا أنّه لم يُكمل الطريق.
صباح الثلاثاء الماضي، قصدنا المكان لمعاينة المشروع عن قرب والتعرّف إلى عرّابه. بالقليل من الإمكانات والكثير من المجهود الفردي، أبصر «مسرح أبراج» النور، بتفاصيله المتواضعة وكراسيه الحمر الـ 138 وخشبته المقبولة الحجم. «الهدف الأساسي هو أن يكون هناك فن من نوع جديد، ورفع مستوى الإمكانات المتوافرة للشباب، على أمل أن يشكّل هذا المكان أيضاً مقصداً لفنانين ّمكرّسين»، يقول زيدان لـ «الأخبار». ويضيف: «كلفة المسارح في لبنان مرتفعة جداً، لا سيّما بالنسبة للفنانين الذي لا يزالون في بداية طريقهم المهنية. أسعى ليكون «مسرح أبراج» متاحاً ومناسباً للجميع». يركّز الفنان الذي درس المسرح في «الجامعة اللبنانية» والموسيقى الشرقية في «الكونسرفتوار» على عنصر الشباب كثيراً، خصوصاً «أنّني واجهت هذه المشكلة أيّام الدراسة، كما أنّها تنتشر كثيراً في صفوف طلاب الجامعة الوطنية الفقيرة، التي تشكّل ركيزة للفن اللبناني. للأسف، إنّها مهملة ومترهّلة وقسم المسرح فيها تحديداً يحارَب ويناضل».

يحتضن الفضاء هذا الشهر
أمسية لـ «كورال الفيحاء» الآتي من طرابلس بقيادة المايسترو باركيف تاسلكيان

يقرّ سليمان زيدان بأنّ التمويل ضروري وكذلك الدعم الرسمي، إلا أنّه مؤمن بأنّ «الثقافة لا يمكن أن تكون تجارة... يجب ألا يصل بنا الأمر إلى درجة عبادة التمويل وتفصيل الأعمال الفنية على أساسه، وهذا ما يحصل كثيراً اليوم للأسف». هكذا، يأمل صاحب مسرحية «يقطع الكلب وعيشته» (2010) أن يحتضن «مسرح أبراج» أعمالاً «ذات مستوى»، ويلفت إلى أنّ عدداً من الممثلين والمخرجين المعروفين أبدوا إعجابهم بالمكان ورغبته في العمل فيه: «قد يظنّ بعضهم أن المساحة صغيرة لكنّها معقولة جداً، وقد تخدم الأعمال الهادفة إلى بناء علاقة مع الجمهور، خصوصاً تلك التفاعلية منها».
ترجع خبرة زيدان إلى سنوات مضت. إنّه ممثل ومخرج وموسيقي، يعمل أيضاً على تأليف الموسيقى والنصوص المسرحية التي يحرص على تطعيمها بالأنغام والغناء، وقد شارك في أعمال مع طلاب، ومع أسماء بارزة مثل نضال الأشقر ومنير كسرواني وغيرهما.
ونظراً إلى تململه من طريقة تدريس الفنون (خصوصاً التمثيل والإخراج) في «الجامعة اللبنانية» تحديداً، عمد صاحب مسرحية «أنا مبسوط إنّي ميّت» (2014 ــ مقتبسة عن «كرنفال الأشباح» للكاتب الفرنسي موريس دوكوبرا) بمشاركة عدد من المتخصصين في مجالات مختلفة، من بينها علما النفس والاجتماع (منهم مروى دندن)، إلى البحث في تطوير طريقة تدريس التمثيل، الأمر الذي تخصّصه دول متطوّرة بميزانيات كبيرة، فـ «المسرح بالنتيجة مختبر حي». لكن، بما أنّ الأمر لا ينسحب على لبنان طبعاً، «نحاول فعل شيء ما بمجهود فردي جبّار». أما النتيجة، فكانت «التوصّل إلى منهج من خمس مراحل (مع رقص وغناء وتأهيل صوتي...)، تستمر كلّ منها على مدى أربعة أشهر، بمعدّل ست ساعات تمثيل أسبوعياً. وهذا أقصى ما نستطيع تقديمه لأنّ الطلاب غير مستعدين لتكبّد أعباء مالية كبيرة».
المرحلتان الأولى والثانية، مخصّصتان للمدرسة الروسية (ستانسلافسكي...)، وتركّز الثالثة والرابعة على المدرسة الألمانية (بريخت)، فيما تتمحور الخامسة للحداثة وما بعدها، على أن يقدر الطالب في النهاية على «الوصول بأسرع وقت ممكن لتأدية أفعال مسرحية بكل ما للكلمة من معنى». يعدّ عمل هذا المحترف امتداداً طبيعياً لما كان يقوم به مركز ZArtZone الذي شارك زيدان في تأسيسه، وكان قد انتقل قبل عام من الحمرا إلى فرن الشبّاك، مقدّماً دروساً في الفنون عموماً، على رأسها الموسيقى والتمثيل.
إضافة إلى العروض المسرحية والنشاط الأكاديمي، ستحتضن خشبة «أبراج» مواعيد فنية «راقية»، أوّلها في 24 شباط مع «كورال الفيحاء» الآتي من طرابلس بقيادة المايسترو باركيف تاسلكيان، يليه الأستاذ في «الكونسرفتوار» جوزف عيسى في 3 آذار (مارس) المقبل الذي سيحيي حفلة تضم أغنيات من الفن الأصيل، قبل أن تطلّ نسرين حميدان في الثامن والتاسع من الشهر نفسه في سهرة طربية مميّزة.

«مسرح أبراج»: سنتر «أبراج» (فرن الشبّاك ــ الطابق الثاني السفلي ــ قضاء بعبدا). للاستعلام: 01/288760