كشفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن خطة طموحة لتجديد البنية التحتية الأميركية، ضمن موازنة تلحظ زيادة الدين، واقتطاعات بمئات مليارات الدولارات لبرامج رعاية اجتماعية ونفقات أخرى.
ويتخلى مشروع موازنة السنة المالية 2019 عن هدف قديم لـ«الجمهوريين» يتعلق بـ«سدّ عجز الميزانية الفدرالية في غضون عقد»، مع توقّع ارتفاع العجز في عام 2020 واستمراره في المستقبل القريب، وسط زيادة النفقات العسكرية بشكل قوي ومكلف.
وفي ما يعكس رغبة في إعطاء الأولية للمشاريع الداخلية، رصدت خطة ترامب تحديث طرق وجسور ومطارات متداعية، ما يزيد على 200 مليار دولار من الأموال الفدرالية.
ويقول البيت الأبيض إن هذه المشاريع ستحقق عائدات بنحو 1.3 ترليون دولار من استثمارات حكومات الولايات والقطاع الخاص. كذلك يروّج مسؤولو الإدارة الأميركية لخطة البنية التحتية بوصفها عودة إلى سكة الأولويات الوطنية، مع تخصيص 50 مليار دولار لمشاريع في مناطق ريفية، العديد منها صوتت لترامب في انتخابات الرئاسة.
وفيما أثارت المسودة المقدّمة جدلاً بين المشرّعين في الكونغرس، تجاه الكثير من الأبواب المرتبطة بالإنفاق الداخلي، وتأثيره في البرامج الاجتماعية، فإنّ التخفيضات المقترحة من الإدارة الأميركية على الموازنات الخاصة بالسياسة الخارجية، احتلت حيّزاً كبيراً في الجدل القائم.
واقترحت إدارة ترامب 39.3 مليار دولار لوزارة الخارجية والوكالة الأميركية للتنمية الدولية للسنة المالية 2019، مقارنةً مع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، التي كانت قد حددت عام 2017 نفقات الخارجية بـ 55.6 مليار دولار.
وأثار الاقتراح جدلاً في الصحف الأميركية، التي رأت أن اقترح ميزانية ترامب لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية، يعد سبباً كافياً لنشوب النزاعات لأنها ستقلص الجهود الأميركية لحل النزاعات بدبلوماسية. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن في الوقت الذي قلصت فيه الإدارة الأميركية ميزانية العمل الدبلوماسي الخارجي، رفعت من ميزانية وزارة الدفاع 54 مليار دولار زيادة عن العام المنصرم، ومن المتوقع الموافقة على اقتراح جون ماكين بدعم الدفاع والنشاطات الدفاعية بمبلغ 640 مليار دولار. أما صحيفة «واشنطن بوست»، فقالت إن المسار العسكري الأميركي مقلق، بعد مساعي ترامب لتقويض لغة الدبلوماسية الدولية.

الزيادة في النفقات العسكرية ستتضمن الترسانة النووية

وفي وقتٍ قال فيه ترامب إن هذا التحوّل يأتي بعد الإنفاق العسكري المسرف في أعقاب هجمات «11 أيلول 2001»، أشار أيضاً إلى أن «زيادة في النفقات العسكرية تشمل ترسانة نووية محدّثة يمكن أن تجعل القوات الأميركية تمتلك أكثر من غيرها بكثير»، مضيفاً: «أنفقنا سبعة تريليونات دولار في الشرق الأوسط... يا له من خطأ... نسعى إلى بناء طرق وإصلاح جسور متداعية ونواجه صعوبة في الحصول على الأموال...هذا جنون!».
ويسعى مشروع موازنة البيت الأبيض على مدى عشر سنوات، إلى خفض الإنفاق بتريليونات الدولارات، في معظم قطاعات الحكومة الفدرالية، وخصوصاً في الإنفاق على الصحة والفقر. ومن شأن مشروع الموازنة المطروح، أن يلغي برنامج أوباما للتأمين الصحي، واقتطاع أكثر من 200 مليار دولار من مساعدات الأغذية للفقراء، مع تقليص برامج طبية مخصصة للفقراء والأميركيين الأكبر سناً.
ورغم الاقتطاعات، فإن مشروع الموازنة الإجمالية البالغة 4.4 تريليونات دولار، لا يزال يرصد زيادة في الإنفاق بنسبة 10 في المئة مقارنةً بعام 2017. وطبقاً للأرقام التي نشرتها وزارة المالية الأميركية، اتسع العجز في الميزانية الفدرالية في الأشهر الأربعة الأولى من العام المالي، الذي بدأ في الأول من تشرين الأول الماضي، ليتخطى النمو في الإنفاق الإيرادات، فقد ازدادت الفجوة بنسبة 11 في المئة لتصل إلى 175.7 مليار دولار، مقارنة بالفترة ذاتها من العام المالي السابق، فيما ارتفعت النفقات بنسبة 5 في المئة لتصل إلى 1.3 تريليون دولار، فيما ارتفعت الإيرادات بنسبة 4 في المئة لتصل إلى 1.1 تريليون دولار.
ويرى محللون اقتصاديون أن العجز في الميزانية للعام المالي الأخير هو الأكبر منذ عام 2013، ويتوقع أن تستمر الفجوة في الاتساع مع زيادة عدد السكان المسنين والإنفاق على الرعاية الصحية وبرامج التقاعد ومن التخفيضات الضريبية التي أقرت هذا العام والتي من المتوقع أن تقلل الإيرادات بما يصل إلى 1.5 تريليون دولار على مدى العقد المقبل.
من جهته، قال مدير الميزانية في البيت الأبيض مايك مالفاني، إن عجز الميزانية سيزداد هذا العام، ولكنه قد يتضاءل مع مرور الوقت مع النمو الاقتصادي.
وتشير الميزانية التي اقترحها ترامب إلى اتساع العجز في ميزانية عام 2019 ليصل إلى نحو 984 مليار دولار، ويبلغ مجموعها 7.1 تريليونات دولار على مدى العقد المقبل، وهذا الأمر يفترض أن الكونغرس يعتمد كل مقترحات ترامب، بما في ذلك خفض الإنفاق، وألا يعاني الاقتصاد من الانكماش.
وأضاف مالفاني، العضو الجمهوري السابق في الكونغرس، والمؤيد لمطلب «حزب الشاي» بفرض قيود مالية، تقيّد إمكانية إطلاق برنامج استثمارات للبنية التحتية خلال فترة الركود، «أنها وثيقة تنطوي على رسالة»، مقرّاً، في الوقت ذاته، بأنّ البيت الأبيض لا يتوقع أن تصبح الوثيقة قانوناً، بل أن تحدد مساراً للعمل بين أعضاء الكونغرس.
وطبقاً لبيان وزارة المالية، فقد حققت الولايات المتحدة فائضاً قدره 49.2 مليار دولار في شهر كانون الثاني الماضي، أي أقل بنحو 2 مليار دولار عن الفائض في العام السابق.
ومن المرجح ألا يكون لخطة الإدارة المالية تأثير حقيقي، عندما يبدأ النقاش بشأنها في الكونغرس، إذ يمكن أن يحاجج المشرّعون بصعوبة تطبيق بعض برامج الاقتطاعات الكبيرة.
لكن مقترحات موازنة البيت الأبيض تعدّ مؤشراً مهماً على أولويات إدارة ترامب، وسط توقع ارتفاع العجز إلى نحو تريليون دولار في عام 2020 وزيادة الدين الفيدرالي بنسبة 61 في المئة مقارنة بعام 2017 بحلول عام 2028.
في السياق، قال مصرف الاستثمارات «جي بي مورغان» إنّ من المتوقع أن «يرتفع العجز في موازنة ترامب إلى 5.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2019»، وهي أعلى نسبة في فترة عدم ركود.
وتستند الخطة إلى تقديرات بأن الاقتصاد الأميركي سينمو بنسبة 3 في المئة سنوياً في السنوات الست المقبلة، وهو معدل نمو يقول العديد من خبراء الاقتصاد إنه غير واقعي حتى مع الزيادة المحدودة الناجمة عن الاقتطاعات الضريبية الكبيرة التي أقرت في كانون الأول الماضي.
واتهم رئيس المعارضة الديموقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، البيت الأبيض بالطلب من الطبقة الوسطى والأطفال والعمال أن يتحملوا عبء «هدايا» الضرائب المقدمة للشركات، قائلاً إنه سيكون من الأفضل للكونغرس أن يناقش بمفرده مستويات الإنفاق وأن «يتجاهل الرئيس».