كلّ شيء مساء أمس في بهو الفندق الدمشقي كان يوحي بأن أحد نجوم الرومانسية سيحضر بعد قليل. البيانو المغطّى بالورد الأحمر، والمحاط بشموع عملاقة، والإضاءة الحمراء، وعبارات الترحيب بيوم خاص بالحب، حتى هيئة الجمهور وتحديداً النساء منهن تشي بأنّ سهرة «من العمر» في طريقها إليهن.
منظمتا الحفلة، غنى خير وربا صايمة، ما زالتا ترتديان الجينز، وسط حالة ارتباك واضحة. فقد تجاوزت الساعة التاسعة مساء ولم يصل النجم اللبناني مروان خوري (1968 ــ الصورة) بعد إلى العاصمة السورية، ليحيي الحفلة التي ملأت إعلاناتها وسائل الإعلام المحلية. وكان خوري قد اشترط أن تصطحبه صديقته الكاتبة نور الشيشكلي إلى الشام، وتتولى تقديمه على المسرح. لكن حتى كاتبة «علاقات خاصة» (إخراج رشا شربتجي) ألمّ بها عارض صحي، فكانت على وشك الاعتذار، قبل أن تغيّر رأيها في اللحظات الأخيرة! كلّ ذلك إضافة إلى بعض العثرات التنظيمية، جعلت الجمهور يتأخر قليلاً قبل أن يغزو الصالة، ويملأها عن بكرة أبيها، من دون اعتراض على سعر البطاقة الذي تراوح بين مئة ومئتي دولار أميركي. فالسعر الغالي قياساً لدمشق، لم يكن عقبة أمام لقاء مميز لصاحب «كل القصايد» مع جمهوره.
في البداية، مهّد المغني زكريا رضوان السهرة، وعلى الرغم من خامة صوته المميزة وأدائه الخاص، إلا أن الجمهور لم يكن بأفضل أحواله في التفاعل معه، بل كانت عينه على الساعة في انتظار صعود خوري إلى المسرح. وبالفعل، انتهى رضوان من الغناء واعتلت نور الشيشكلي المنصة لترحّب بابن مدينة جبيل الساحلية في «مدينة الياسمين»، قبل أن تشتعل الصالة بالتصفيق.
وما هي إلا دقائق حتى صارت غالبية النساء من الحضور على خشبة المسرح في رغبة لالتقاط الصور التذكارية! لم يمتعض المغني والملحّن المعروف، ولم يرفض طلباً لجمهوره ومحبيه. كلّ ما قاله: «أحلى عيون هي عيون سوريا». وكأنه في عفويته وتواضعه الساطعين يسدّ فجوة الفوضى البسيطة التي حصلت بسبب حماس الجمهور الزائد له. بعد قليل، طلب خوري من الجمهور التزام مقاعدهم، والابتعاد عن الخروقات الأمنية لأنه سيجلس وراء البيانو. وهو ما فعله ليؤدي مجموعة من أغنياته المعروفة، وسط تفاعل المعجبين وبكاء بعضهم، فيما كانت فلاشات الكاميرات تضيء المكان طوال الوقت.
استمر صاحب «قلبي دق» بالغناء لأكثر من ساعتين، ولولا تدخّل مرافقيه لتنبيهه من أنّه تجاوز الوقت المحدد، ربما كان يرغب في البقاء على المسرح حتى ساعات الفجر. في حديثه السريع مع «الأخبار»، يقول مروان خوري: «هذه دمشق التي أحبّ وأحترم جمهورها بكلّ انتماءاته وتوجهاته. صحيح لم تتح لي فرصة زيارة طويلة بسبب ارتباطات عمل واسعة لا ترحم، لكنني أخذت طاقة إيجابية وجرعة أمل كافية. لا أبالغ إطلاقاً إذا قلت إنّها من أجمل الحفلات التي أحييها في حياتي. لم يسبق لي أن شعرت بكل هذا الحب والحماس والتفاعل الخلّاق من الجمهور. كما أنّ جهد المنظمين واضح بطريقة تجبرك على التعاطف واحترام هذه الجهود». يقاطعنا أحدهم ليخبر خوري بأنّ السيارة التي ستقله إلى بيروت أصبحت جاهزة. يهم بالرحيل، فيطلب منه أحد الموجودين توجيه شكر مصوّر لماركة مجوهرات كونها الراعي الماسي للموعد! لا يتردد خوري، ويسجّل شكره، ويعيده ثانية، من دون أي إيحاء بالاستياء! وكأنّه يقول لجيل كامل من مغني هذه الأيّام: هذه صيغة نموذجية لأخلاق وتواضع الفنان فلا تتجاوزها لتنالوا المحبة!