ابتداءً من اليوم، سيجد 350 ألف منتسب ومستفيد من تعاونية موظفي الدولة أنفسهم بلا طبابة واستشفاء. لن تصل أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية التي تستعمل خارج المستشفى إلى نحو 1000 مريض. ستتوقف كل معاملات ومراجعات الأساتذة والمعلمين في التعليم الرسمي وموظفي الوزارات والإدارات الرسمية وعائلاتهم في المركز الرئيسي للتعاونية في بيروت وفي ثمانية فروع وسبعة مكاتب في كل لبنان.
أما السبب فهو الإضراب المفتوح الذي ينفذه موظفو التعاونية، احتجاجاً على حرمانهم من الدرجات الثلاث المعطاة لموظفي الإدارة العامة بموجب مطالعة من مجلس الخدمة المدنية، سلطة الوصاية على التعاونية. هذه الدرجات كانت في غضون الأشهر الستة الماضية مثار أخذ ورد، منذ صدور قانون سلسلة الرتب والرواتب في 21 آب الماضي. وبحجة هذه الدرجات، لم يصدر حتى الآن مرسوم تطبيقي يجيز للموظفين قبض رواتبهم على أساس السلسلة الجديدة.
ماذا في تفاصيل القضية؟ تشرح مصادر لجنة متابعة الملف أن تعاونية الموظفين هي مؤسسة عامة غير خاضعة لقانون العمل، وبالتالي فإن تحويل الراتب على أساس السلسلة الجديدة مستحق لهم، بحسب المادة 14 من القانون الجديد 46/2017، التي تنص على إعطاء المستخدمين والمتعاقدين والأجراء الدائمين والمؤقتين والأجراء بالفاتورة في المؤسسات العامة غير الخاضعة لقانون العمل زيادة غلاء معيشة، تضاف إلى أساس الراتب الشهري الذي يتقاضاه كل منهم وتحتسب وفق الشطور. إلا أن البند الرابع من المادة نفسها ينص على أنّه «لا يجوز أن يتدنى أساس الراتب الشهري للمستخدمين والتعويض الشهري للمتعاقدين بنتيجة زيادته عن راتب الدرجة الموازية أو الأقرب في سلسلة رواتب الوظيفة المماثلة أو المشابهة في الملاك الإداري العام».

مجلس الخدمة:
كيف يلجأ الموظفون إلى الإضراب لمجرد صدور رأي لا يعجبهم؟


تقر اللجنة بأن القانون 46 لم ينص صراحة على إعطائهم الدرجات الثلاث، لكن إعطاءها لموظفي الإدارات الرسمية والوزارات وحجبها عن موظفي التعاونية، يجعل «رواتبنا أقل من رواتب من يوازينا في الرتبة في الإدارة العامة، وهو ما يتناقض مع البند الرابع المذكور، باعتبار أن رواتبنا كانت مماثلة تماماً لرواتبهم قبل إقرار القانون، وليس لدينا أي حوافز إضافية».
المصادر توضح أن التعاونية تختلف عن المؤسسات العامة الأخرى مثل الضمان الاجتماعي ومؤسسة كهرباء لبنان والمصالح المستقلة ومجلس الإنماء والإعمار وغيرها، فموظفو التعاونية لا يتقاضون مخصصات استثنائية ولا الشهر 13 ولا بدلات لجان ولا بدلات اجتماعات وما شابه. إلى ذلك، تشير إلى «أننا بتنا منذ 2014 كموظفين دائمين في التعاونية نخضع لنظام التقاعد والصرف من الخدمة، فيما تغطيتنا الصحية والاجتماعية على حساب التعاونية وليست على حساب الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي».
وتلفت اللجنة إلى «أننا نملك وثائق تثبت مساواتنا بموظفي الإدارة العامة؛ منها قرار صادر عن مجلس إدارة تعاونية الموظفين ومصادق عليه من مجلس الخدمة المدنية يؤكد معاملتنا بالمثل. وكل ما ينطبق على موظفي الإدارات ينطبق علينا، وهناك رأي مجلس شورى الدولة الذي يقول إننا موظفون ولسنا مستخدمين».
وكان مجلس إدارة التعاونية قد رفع، بحسب اللجنة، الملف إلى مجلس الخدمة المدنية لإبداء الرأي فيه، فأتى الجواب ضبابياً، قبل أن يتحول الملف إلى وزارة المال التي لم تقر بالدرجات ولم ترفضها، كما تقول المصادر، ومن ثم تحوّل الملف مجدداً إلى مجلس الخدمة، الذي رفعه بدوره إلى رئاسة مجلس الوزراء الذي أعاده إلى مجلس الخدمة مرة جديدة لعدم وضوح الموقف. ومنذ يومين، أصدر الأخير مطالعة رفض فيها الدرجات، فيما بات الملف اليوم في عهدة مجلس شورى الدولة لاتخاذ الموقف النهائي.
عن خلفية الرفض، يوضح رئيس دائرة الموظفين في مجلس الخدمة المدنية أنطوان جبران لـ«الأخبار» أن المجلس لا يعطي الحق ولا يحجبه، إنما يعدّ مطالعة وفقاً لأحكام القانون بعد أن يدرس الملف بكل تفاصيله وعلى «الميكروسكوب»، وهناك مراجع قضائية، مثل مجلس الشورى، تستطيع أن تغيّر هذا الرأي إذا وجدت أنه غير قانوني. جبران يسأل: «لماذا كل هذه الضجة، وكيف يلجأ الموظفون إلى الإضراب لمجرد صدور رأي لا يعجبهم قبل صدور قرار المرجع القضائي والإداري المناسب؟»، داعياً إلى العودة إلى ثقافة المؤسسات.
وكان الموظفون قد انتزعوا في تحرك سابق القانون الرقم 256 بتاريخ 15/4/2014 والخاص بإخضاع الموظفين الدائمين في تعاونية موظفي الدولة لنظام التقاعد والصرف من الخدمة. التحرك بدأ في العام 2012 بإضرابات تحذيرية توجت بإضراب مفتوح دام 27 يوماً ابتداءً من الأول من حزيران، إلاّ أن القانون لم يقر في المجلس النيابي إلا في نيسان 2014 بسبب إقفال أبواب المجلس في ذلك الحين. يومها، توقفت المعاملات والمراجعات باستثناء الاستشفاء وتسليم أدوية الأمراض السرطانية. اللافت، بحسب مصادر اللجنة، أن نظام التقاعد لم يكن طرح الموظفين قبل التحرك بقدر ما كان طرح الدولة على خلفية مساواتهم بالإدارات العامة، في حين أنّ الموظفين كانوا يطالبون في بداية الأمر بانصافهم اسوة بموظفي المؤسسات العامة.