■ بدايةً في ما يخص الانتخابات البلدية المرتقبة، هل ستدخل «الجبهة» بقائمات في كل الدوائر؟هناك طموح لدخول الجبهة الشعبية بقوائم انتخابية في كل الدوائر الانتخابية البالغ عددها 350 دائرة، ولكن عملياً في ضوء المساعي التي قمنا بها، لا أعتقد أننا سنشارك في كل الدوائر. الهدف حالياً هو في الدخول بقوائم باسم «الجبهة» في أكثر من 150 دائرة انتخابية، فيما سندعم في بعض الدوائر الأخرى قوائم تضم مناضلينا ومستقلين لكنها لن تكون باسم «الجبهة».

■ في الأصل، هل تعتقد أنّ كلّ الظروف مهيّأة لإجراء انتخابات بلدية؟
المناخ السياسي والتشريعي بصفة عامة غير مهيّأ لإجراء انتخابات ديموقراطية نزيهة وشفافة تعكس إرادة الناخب المحلي لإفراز سلطة محلية وجهوية.
من الناحية السياسية، البلاد تعيش أزمة حادة، خاصة على مستوى منظومة الحكم وضبابية الأفق، كذلك إن الضمانات لعدم تدخل المال الفاسد في الانتخابات غير موجودة، شأنها في ذلك شأن ضمان عدم التأثير في توجّه الناخبين من طرف مؤسسات سبر الآراء (استطلاع الرأي). إضافة إلى أنّ حياد الإدارة غير متوافر.
من الناحية القانونية، فحتى الساعة لم تُقَرّ مجلة الجماعات المحلية التي تنظم صلاحيات المجالس البلدية، وثمة تخوّف من عدم بلوغ التصديق عليها قبل الانتخابات البلدية المزمع إجراؤها في أيار/ماي المقبل. (برغم ذلك) العمل حثيث داخل اللجنة التشريعية المكلفة مناقشة تلك المجلة، وأتمنى أن نمررها في الجلسة العامة للتصديق عليها في أقرب وقت، ولكن إذا لم نستطع فسيكون الأمر خطيراً. بالتالي الظروف غير مهيّأة.
في المقابل، يوجد ضغط سياسي يستوجب تفعيل الباب السابع من الدستور والانطلاق في مسار اللامركزية من خلال إجراء الانتخابات البلدية التي لم تُقَم منذ عام 2010، وبالتالي حتى إذا كانت الشروط منقوصة، يجب الذهاب نحو إجراء تلك الانتخابات نظراً إلى الوضع المحلي الكارثي (من ناحية النظافة وحركة المرور والرخص ومصالح المواطنين، إلخ)

■ ثمة جوانب إيجابية للامركزية، لكن هناك تخوّف من أن تؤدي إلى «تفتّت الدولة»؟
التخوف لا موجب له، إذ إنّ التجارب والمقارنة أثبتت أنّ اللامركزية والديموقراطية المحلية تفسح مجالاً للمواطن للمساهمة في تسيير شؤونه اليومية والحياتية، ما يخفّف الضغط والمهمات على السلطة المركزية. كذلك إنّ مشروع مجلة الجماعات المحلية يأخذ بالاعتبار «تهديد تفتّت الدولة» (ويطرح) ضبط مجموعة من الإجراءات وتوزيع الصلاحيات لتفادي الذهاب باللامركزية إلى انفلات الجهات وتهديد وحدة الشعب والدولة.

■ في الأيام السابقة، عاد المطلب بسنّ قانون لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، وانطلق البرلمان في المناقشات، ولكن ذلك توقف. ما السبب؟

أعتقد أنّ ضغوطا أجنبية وخليجية تمنع حدوث سابقة «تُجرِّم التطبيع» وتُحرِج الأنظمة العربية


«الجبهة الشعبية» تقدّمت منذ كانون الأول/ديسمبر 2015 بمبادرة تشريعية لتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، لكن غُضَّ النظر عنه برغم ضغوطنا لإحالته على اللجنة المختصة بغية مناقشته. لكن بعد قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، عاد طرح الملف بقوّة، وأصبح الائتلاف الحاكم في حرج أمام الضغط الشعبي والسياسي. (في هذا السياق) أقرّ مكتب البرلمان تاريخ 20 شباط/فيفري الجاري لعقد جلسة عامة لنقاش مشروع القانون والتصويت عليه (وبطبيعة الحال، قبل ذلك مناقشته داخل اللجنة المختصة، وهو ما حصل إذ انطلقت اللجنة بعملها).
لكن بعد ذلك، بادر عدد من نواب الائتلاف الحاكم، أي من «حركة النهضة» وحركة «نداء تونس»، بتقديم مشروع قانون لتجريم التطبيع، وجاء موازياً لمبادرتنا في محاولة لافتعال إشكال قانوني (من خلال التساؤل بشأن كيفية التنسيق بين المبادرتين). ولم تتوقف التعطيلات إلى ذلك الحدّ، إذ إنّ مكتب البرلمان لم يكن يوجّه دعوات إلى النواب لحضور أشغال اللجنة، ولم يوجّه دعوة إلى وزارة الخارجية ورئاسة الجمهورية، باعتبار أنّها الجهة المكلّفة جزءاً من العلاقات الخارجية، للحضور في جلسة استماع امام اللجنة كما هو معتمد.
أيضاً، خلال اجتماعات اللجنة التي تنظر في مشروع قانون تجريم التطبيع، يجري افتعال نقاش جانبي لتعطيل تقدّمها في مناقشة المشروع، واستمرّ ذلك حتى حدود الأسبوع الماضي حين حصل توتّر كبير وتعطّلت بعده نهائياً مناقشة المشروع.
■ كجهة مُبادرة إلى طرح مشروع القانون، لماذا يحصل برأيكم كلّ هذا التعطيل بخصوصه، وهو أمر يعود إلى أيام صياغة الدستور الحالي (قبل 2014)؟
كما قلتَ، إنّ تعطيل تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني يعود إلى نقاشات صياغة الدستور الحالي للبلاد داخل المجلس التأسيسي في حينه. كان تجريم التطبيع بنداً في مشروع الدستور، ومن ثم وقعت إحالته على «توطئة الدستور»، وبعد ذلك حُذف من نصّ الدستور نهائياً. اليوم نحن أمام نفس المسار: الائتلاف الحاكم بين «النهضة» و«النداء» يسعون جاهدين لعدم سنّ قانون يُجرّم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وأعتقد أنّ هناك ضغوطاً أجنبية من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ومن بلدان الخليج، بغية منع حدوث سابقة تُجرِّم التطبيع مع الكيان الصهيوني وتُحرِج الأنظمة العربية التي تتسابق للتطبيع مع هذا الكيان بصفة مباشرة أو غير مباشرة. كذلك، يحاول الاتحاد الأوروبي الذي تربطه علاقات قوية مع الكيان الصهيوني، دفن مشروع القانون قبل أن يتحوّل إلى سابقة تُغذّي طموحات الشعوب والقوى الديموقراطية وآمالَها، وتُعتمد في تجريم التطبيع كأداة للضغط على حكامها وبرلماناتها.
إذاً، إنّ التشويش على مبادرة «الجبهة» وتعطيل تجريم التطبيع في تونس، يندرجان في إطار أجندة إقليمية ودولية كبرى عبر استعمال الائتلاف الحاكم في تونس ونوابهم في البرلمان، وتهدف إلى صرف النظر عن الموضوع نهائياً.

■ هل هذا يعني أنّكم تخليتم عن مشروع القانون؟
لا، بطبيعة الحال. نحن متمسكون بمبادرتنا، وبجلسة يوم 20 شباط/فيفري... ونريد أن يعترف نواب «النهضة» و«النداء» علناً بأنهم ضدّ تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني والتوقف عن السمسرة بالقضية الفلسطينية واستعمالها لتلميع صورتهم أمام التونسيين في حين أنّهم يضرّون بالقضية ومتخلون عنها.

■ ما رأيك بالتطورات الفلسطينية حالياً؟
القضية الفلسطينية دخلت في مسار صعب ومعقّد، وهناك تكالبٌ رجعي إمبريالي، ليس فقط على القضية الفلسطينية، بل على كل ما هو تقدمي في المنطقة العربية، حيث تسعى القوى الإمبريالية إلى تفتيتها وخلق حالة وهن عام فيها لتكون الطريق مفتوحة لاستغلال الثروات وفسح المجال أمام الكيان الصهيوني للتوسع أكثر وتثبيت أقدامه.
إنّ التقلبات في المنطقة عقب مراجعة إدارة ترامب لخيار باراك أوباما التعويل على الإسلام السياسي، والعودة للأنظمة القديمة والتقليدية في المنطقة، وهي أكثر الأنظمة عمالةً، إضافة إلى الصراع بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا على المنطقة، ومن جهة أخرى الصراع بين القوى الإقليمية للتموقع... وأيضاً تخريب الثورات العربية وتحويلها إلى حروب أهلية، وتفتيت الحركات التقدمية التي مثّلت أملاً للقضية الفلسطينية، في ظلّ كلّ تلك الظروف القاتمة: إنّ القضية الفلسطينية أكبر خاسر.

■ أخيراً، ما رأيك بالتعاطي الرسمي التونسي مع الأزمة الخليجية؟
في مثل تلك الأزمات، تونس ليست صاحبة القرار، خاصة أنّها مرتبطة بعلاقات ومصالح مع الطرفين، سواء قطر من جهة أو السعودية والإمارات من جهة أخرى. وبما أنّ الدبلوماسية التونسية كان لها نوع من التبعية لمركز القرار العربي في السعودية، وبمنطقة الخليج بصفة عامة، فإنّ موقفها لن يكون مبنياً على هامش كبير من الحرية والاستقلالية.
في نهاية المطاف، الصراع في الخليج ليس صراعاً من أجل مبادئ أو قضايا عادلة، بل هو صراع من أجل النفوذ في المنطقة. فالسعودية التي تتهم قطر بتمويل الجماعات الإرهابية، هي من موّلت الجماعات الجهادية في أفغانستان وسوريا بعد 2011، وبالتالي وجه الخلاف المعلن مفتعل بين أنظمة رجعيّة متخلّفة ومنغلقة على نفسها. كذلك إنّ الأطراف المتصارعة تتشارك في كونها أنظمة عميلة، وهو موقف لا يُمكن أن تُعبِّر عنه تونس صراحة.