أنْ يَفْتَحَ صاحبُ الأرض فَمَه
منذ أنْ أشعلَ الشّاب التّونسيّ محمّد البوعزيزي النّار في نفسه والثّورة تشتعل في كلّ مكان. يقول الفلسطيني الثّوري الرّائع غسّان كنفاني «الصّراخ عدوى، إذا صرخ واحدٌ، صرخ معه الجميع دُفعة واحدة». إنّها بالفعل عدوى: تونس، مصر، ليبيا، البحرين، اليمن، سوريا، اسبانيا، أميركا وحتّى «إسرائيل». نعم، اليهود المُحتلّون لأرضنا وجدوا هم أيضاً سبباً وجيهاً ليحتلّوا ساحات تلّ الرّبيع والقدس. إنّهم يطالبون بحلول ناجعة لأزمة السّكن!

وهنا خَطَرَ ببالي أمر. ماذا لو يثور العربُ منْ مُواطِني «إسرائيل»، أصحابُ البلاد الأصليون والحقيقيون؟ همْ أيضاً لهم من أسباب الثّورة ودوافعها ما يَمْلأ آلاف الصّفحات من عنصريّةِ الدّولة وفسادها وإجرامها الى تخريبها وانتهاكاتها للحرمات الشّخصيّة والتّاريخيّة، الخ...
أتخيّل الآن آلاف الفلسطينيين يرفعون رايات البلاد بسوادها الحزين وبياضها المُتفائل وأخضرها الحيّ وأحمرها النّابض. أتخيّلهم على سفوح جبل الكرمل وفي سهول الجليل وصحراء النّقب وأزقّة القدس وشوارع تلّ الرّبيع وميادين يافا وشواطئ عكّا. يهتفون كُلّ يومٍ بأصواتهم الهادرة: الشَّعْب يُريد إسقاط العنصريّة، الشّعب يُريد إسقاط المُعْتَقَلاتْ، الشَّعب يُريد إسقاط المُستوطنات، الشَّعب يُريدْ إسقاط الجدار، الشّعب يُريد إسقاط الاحتلال، الشَّعب يُريد عودة اللاّجئين ، الشّعب يُريد الصّلاة في القدس. 
كان الفلسطينيّون القدامى أي الكنعانيون يقومون بدقِّ الطُّبول كَطَقْسٍ تَطْهيريّ الغرضُ منه طرد الأرواحِ الشرّيرة. فَلتُدَقُّ الطبول إذاً. فَلْتُدَقُّ بكلّ ما أوتينا من ذاكرةٍ ووعي وقوة جماعيين.
لكنّي أتخيّل مشهداً مقابلاً. أتخيل ردّاً على كلّ هذا. ردّاً على أنْ يفتح العربيّ الفلسطينيّ فمَه. رَدّاً يليقُ جيّداً بدولة غارقة في دمِه المُستباح ولا تقتاتُ إلّا منه.
جَرَّبْنا هذا الكيان الغاصب. لا شَيْء يُثير حنقه أكثر من انتفاضة/ثورة أو عَمَليّةٍ سياسيّة. هذان مأزَقان فعليّان بالنسبة إليه ولا يلجأ في الحالتين سوى إلى جرائم الحرب.

نوال عبد الله ــــــ فلسطينية تونسيّة

■ ■ ■

ثورة الجياع والمظلومين

منذ أن اشتعلت تونس بلهيب الثورة وتبعتها باقي الدول العربية، وأنا أفكر ما الذي دفع ملايين الناس ليثوروا حقا رغم كل الخوف من الأنظمة المعشش في زوايا أحلامهم. لا بد أن يكون الظلم قد وصل كل بيت من بيوت أولائك الذين ملأوا الشوارع غضبا، أو ربما انه ما عاد هناك ما يخسرونه، فتساوت الحياة وعدمها، ربما! هناك مقولة سمعتها ذات يوم مفادها أن السجين يصير أقوى من سجانه حين يتجرد من خوفه، هل هذا ما حدث مع شعوبنا أمام أنظمتها السابقة، هل تجردت الشعوب من خوفها لأنها لم تجد شيئاً أخيراً تخاف عليه بعدما خسرت كل شيء؟ ربما!
انظر إلى حال فلسطينيي الـ48 (وأنا منهم)، اشتعل الوطن العربي احتجاجاً فتضامنا معه، وتأملنا خيراً في تونس ومصر وليبيا، وانقسمنا في سوريا ما بين مؤيد للثورة وداعم للنظام (اسوة بإخوتنا العرب)، وتساءلنا عن أمل يلوح في اليمن والبحرين وغيرهما.
وحين اكتظت الساحات بالآلاف في تل أبيب والقدس تطالب بحلول لأزمة السكن والأزمات الاجتماعية الأخرى، وقفنا نشاهدهم ونراجع حساباتنا (إلا القليل القليل منا شاركهم الهتاف – فيما اعترض الباقون على مشاركتهم هذا الهتاف)؛ لماذا لا نخرج نحن أيضاً بآلافنا، نطالب بإسقاط العنصرية، نطالب بحلول لأزمة السكن والعمل والتعليم وأي أزمة أخرى قد تخطر على بال احد نعاني منها، هل كان صمتنا لأننا لم نعرف من أين نبدأ؟
أقف مذهولة، فاغرة ألفم أمام الكم الهائل من الإهمال والظلم الذي نحياه، ومن الصمت والخنوع الذي نمارسه بحق أنفسنا، هل يمكن أن نُظلم أكثر مما نحن الآن ونظل صامتين؟ هل يُعقل ان تثور الدنيا وتقعد حتى نيويورك، فيما نصفق نحن لهم دون أن نحرّك ساكناً لتحسين أوضاعنا؟
الإجابة مؤلمة؛ فكل أولئك الناس لهم وطن وأحلام، يشعرون بانتماء ما لأرض ما، جميعهم كانوا مظلومين، جائعين ومحرومين مثلنا تماماً، لكنهم عندما هبوا للمطالبة بحقوقهم رفضوها ناقصة، فإما أن تكون كاملة وإما فلا!
ربما حان الوقت الذي نتعلم فيه الدرس: فُتات الحقوق لن يؤمن لنا لقمة العيش الكريم، هو فقط يمنعنا من الموت جوعاً والثورة!

أنهار حجازي ــــــ الجليل