تغرق الشاشات المحلية في مضامين الإبتذال، واستغلال قضايا الناس، واللعب على أوتار الإثارة والبذاءة. وعلى أبواب الإنتخابات النيابية، تدخل هذه القنوات، أوتوماتيكياً، في لعبة الترويج، محولةً نفسها منصات تستخدم لتمرير وجوه ومشاريع المرشحين، بشكل مباشر أو غير مباشر. بين هذه الخطرين- إن صح التعبير- يقف المشاهد اللبناني، محاصراً تلفزيونياً، بهذه الخيارات المجحفة. ولعلّ ما يزيد الطين بلّة، غياب برمجة توعوية، نقدية، ومهنية، تشتغل على الجانب الفكري، والتنموي، وتندرج ضمن الدور الأساسي للإعلام الواجب القيام به.
برنامج «بي.بي.شي» على lbci، يصارع منذ الصيف الماضي، ليخرج بموسم ثان، وسط بحر من تضارب المصالح، الذي نشأ بين المحطة وفريق العمل، سيّما في نية تفريغه من مضمونه القوي. البرنامج الساخر، وبنسخته الأولى، استطاع أن يقدم مادة ذكية، ومشغولة، تخاطب عقل المشاهد بطريقة ساخرة. رغم ثغر عدة، إلا أنّه وجّه رسائل عدة هامة لمتلقي، باتت تتقاذفه لغة المصالح كأولوية. ومع غياب BBCHI سيّما في فترة الإنتخابات النيابية القادمة، يصطف الى جانبه، برنامج «هيدا تبع الأخبار» على «الجديد»، الذي بدأ في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وانتهى في شباط (فبراير) الماضي، مع وعد بالعودة في موسم ثان خلال شهر أيلول (سبتمبر) الماضي. لكن هذا الأمر لم يحصل. غاب البرنامج، عن الشاشة المذكورة، رغم تثبيته - ولو لفترة بسيطة- مفهوم البرامج الساخرة البعيدة عن المعالجة السطحية. معالجة تتكئ على طرح القضايا الحياتية، والسياسية، بطريقة ذكية، وصائبة، وكشف عورات الواقع اللبناني المأزوم على جميع الصعد.
غاب البرنامج الساخر، لغياب فريق إعداد متكامل، سيمّا أنه كان مزمعاً دخول المخرج والممثل عصام أبو خالد، الى جانب غصن في برنامجه الساخر، والإستعانة بدمية الأخير، التي كانت بطلة عمله «مأساتي». النقص في الكادر المخصص لـ «هيدا تبع الأخبار»، وغيابه عن الشاشة، وغياب البديل عنه، إضافة الى الجدل الدائر حول عودة «بي.بي.شي»، والشاشة التي سيرسو عليها... كل هذه المشهدية أرست خواء واضحاً على الشاشات المحلية، وأظهرت الحاجة الماسة إلى برامج مماثلة، تبتعد عن لغة الإبتذال والسوقية، والسطحية، وتكرس نهجاً إعلامياً، تكمن الحاجة اليه في الوقت الحالي على أبواب حمّى الإنتخابات.