عمان ــ الأخبارستضاف قصة «الملك والمستشار وسائق الحافلة» إلى باقي القصص المروية عن علاقة الناس بالقصر في الأردن، ولكن هذه المرة تجاوز الأمر فئة قليلة ممن شهدوا الواقعة، بل كان الرأي العام طرفاً في الأحداث التي انتشرت تفاصيلها على مواقع التواصل الاجتماعي، لتأتي خاتمتها بتغريدة ملكية مقتضبة وبلهجة عامية، للمرة الأولى، تقول: «ما حدا أحسن من حدا إلا بالإنجاز».

كان ذلك قبل يوم واحد من زيارة الملك عبد الله لروسيا الخميس الماضي، حينما تدخل «رأس الهرم» مباشرة في قصة كبرت ككرة الثلج، خصوصاً أن سائق الحافلة خالد فلاح المراونة لجأ إلى عشيرته (بني صخر) لحل مشكلة حدثت بينه وبين مستشار في الديوان الملكي، وتبع ذلك انحياز شركته («جت» للنقليات السياحية) إلى صفه، كما قال أمام وجهاء عشيرته، بعد متابعة أجهزة رصد السرعة والمراقبة المثبتة في الحافلة.
الشارع الأردني انشغل بحادثة المستشار والسائق بعد تداول صورة المخالفة التي حررتها شرطة السير بقيمة 500 دينار أردني (700 دولار أميركي) مساء 10 شباط 2018، على الطريق العام الواصل عمّان بإربد شمالاً، مع وجود ملاحظة من محرر المخالفة تقول: «أمر من عطوفة مدير الأمن العام». جاءت هذه المخالفة بعد أن أوقفت سيارة كانت تسير خلف الحافلة لمدة وجيزة على الطريق المذكور السائق بعد أن تجاوزت عنه واعترضته، لينزل منها شخص عرّف عن نفسه بأنه مستشار في الديوان الملكي عصام الروابدة. المستشار الذي بدا مستاءً واتهم السائق بالتهور وأنه سيعلمه «خطأه» أجرى اتصالاً مع مدير الأمن العام، ثم مضى.
يروي السائق أن مدير الأمن عمّم بدوره أمر الحافلة على «جميع الدوريات في المملكة»، وبعد عدة كيلومترات، أوقفت دورية شرطة الحافلة، واحتجزت رخصة القيادة، وتدخل الركاب الذين رفضوا النزول من الحافلة إلا إذا جرى إخلاء السائق. وبالفعل، أوصل السائق الركاب إلى إربد وعاد إلى دورية الشرطة التي حجزته مع الحافلة لمدة ساعتين ونصف، ثم كفله مساعد مدير الأمن العام لتنتهي المشكلة بطريقة أكد السائق أنه لا يعرفها.
وأثناء اجتماع العشيرة تلقى السائق اتصالاً من المدير العام لـ«جت»، مالك حداد، يعلمه أنه طُلب حضورهما إلى الديوان الملكي، فيما نفى الأمن العام أن يكون السائق قد أخطأ، وذلك بعد التحقيق في الموضوع والسماع لشهادة الركاب والتحقق من أجهزة مراقبة الحافلة، وبذلك تكون المخالفة غير صحيحة، الأمر الذي دفع عشيرة السائق إلى إصدار بيان وجهت من خلاله رسالة إلى الملك تتساءل: هل يحق لموظف الديوان الاعتداء على الحريات العامة، وهل يحمل صفة الضابطة العدلية؟

لا يمكن سلخ ما حدث مع مستشار
عبد الله عن
السياق العشائري


وجاء في البيان أن ما حدث «اعتداء على قبيلة بني صخر»، مطالبين بمساءلة وزير الداخلية ومدير الأمن العام عن الطريقة التي جرى التعامل بها مع الحدث، وعن صحة المخالفة التي حررت، واختتم البيان بأن «القبيلة ستجتمع في وقت لاحق إن لم تتحقق الاستجابة». لكن لقاءً بين أطراف المشكلة في الديوان تدارك الموقف، ونقل رئيس الديوان فايز الطراونة (وهو رئيس وزراء سابق) «رغبة» الملك في حل المشكلة «بالمحبة والود»، وفعلاً اعتذر المستشار من سائق الحافلة، ثم قُبلت استقالته بعد ذلك. وجاءت تغريدة الملك لتحمل في طياتها ما يرضي العشائر، إذ انتصر لأحد «مستضعفيها» وللمنادين ورافعي شعار الدولة المدنية بكفّ يد موظف برتبة مستشار من ديوانه الخاص تجاوز القانون.
لا يمكن سلخ التفاصيل بعيداً عن سياقها العشائري، خصوصاً أن المستشار نفسه هو ابن عشيرة أردنية وابن أحد أهم رجالات الدولة الأردنية الذين عاصروا الملكين حسين وعبد الله، فوالد المستشار هو عبد الرؤوف الروابدة الذي يصلح أن نقول عنه «رجل المناصب» في المملكة، وذلك لتنقله في معظم المناصب القيادية في السلطات التنفيذية والتشريعية، وكان آخرها رئيساً لمجلس الأعيان (مجلس الملك). وبعد أن أعفي من رئاسته، استقال نهاية عام 2015، والجدير بالذكر أنه من المنتقدين للتوجه الليبرالي في الإدارة الاقتصادية للدولة، ومن المعارضين لفكرة اللامركزية، وكان قد قال في ندوة نهاية العام المنصرم إنه دفع غالياً ثمن معارضته (جرت انتخابات اللامركزية عام 2017)، كما قال إنه ضد «خطاب الحقوق المنقوصة».
قد تكون قصة السائق والمستشار أحد المؤشرات على احتدام صراع داخل الحلف الطبقي الحاكم وبين تياراته المتباينة ما بين ليبراليين وبيروقراطيين، في وقت تشهد فيه المملكة حالة سخط نتيجة لارتفاع الأسعار، وذلك مع تكاثر لحوادث سطو مسلح فاشلة (عدا واحد نجحت بالسطو على بنك في مخيم الوحدات). ومن المستغرب انتشار مقاطع فيديو قديمة لاحتجاجات شهدها الأردن عامي 2011 و2012 تظهر فيها هتافات بسقف عالٍ تطاول الملك نفسه ويروج لها على أنها هذه الأيام، مع أنه لا توجد تحركات مؤثرة في الشارع سوى احتجاجات في مدينة السلط في محافظة البلقاء، تبعتها أخرى في محافظة الكرك، وكلتاهما احتواهما القصر.
أما في عمان، فلا تجاوب جماهيرياً مع المسيرات التي دعت إليها الأحزاب القومية واليسارية التي منعت في الشهر الماضي من الاعتصام أمام رئاسة الوزراء، واللافت كان وقفة أمام الديوان الملكي قبل عدة أيام نفذتها مجموعة من المعتصمين (يمثل عدد منهم «حراك عمان» الذي يتماهى مع خطاب البيروقراطيين والمتقاعدين العسكريين) بهتافات معروفة كانوا قد استخدموها خلال الحراك الأردني الذي انطلق في 7 كانون الثاني 2011، أي أن لا جديد في الطرح ولا الهتاف، ولم تشكل وقفتهم حالة حركت الشارع الراكد.
ويقبع الأردن، ما بين الوضع الداخلي والخارجي، في عنق الزجاجة، على حد وصف رئيس الوزراء هاني الملقي، فحتى مع توقيع مذكرة التفاهم على المساعدات الأميركية البالغة 6 مليارات دولار على مدار 5 سنوات وما يحمله الأمر من طمأنة عبر الحليف الأكبر للمملكة، فإن التحديات لا تزال كبيرة. والملك الذي يعي هذه التحديات وعمقها أشار مرة أخرى إلى الأوراق النقاشية التي طرحها في عدة مواضيع عن التعليم والديموقراطية وعلاقتها بالمواطنة وبتكوين نظام فعال وسيادة القانون والدولة المدنية، منتقداً غياب التفاعل مع ما جاء فيها، إذ رأى أنها وسيلة للضغط «من فوق» وفق تعبيره. كذلك طلب عبد الله الثاني من الحضور مساعدته والضغط «من تحت»، أي الشارع، وكان ذلك أثناء لقائه مع طلبة من كلية الأمير الحسين بن عبد الله الثاني للدراسات الدولية في الجامعة الأردنية (لكن ليس مع مجلس الطلبة المنتخب).
ربما هناك أسئلة وإجابات متعددة بناءً على قراءة التطورات في الأردن، وهي ليست بمعزل عما يحدث في المنطقة، أي تجاه الضغط من فوق وبالتوازي مع من يضغط من تحت، ومن هو التيار الذي ستسقط رموزه خلال هذه العملية ومدى تأثير ذلك في النهج السياسي والاقتصادي في المملكة.




شرطة نيويورك تزور الأمن العام

زار وفد أميركي برئاسة المفوض العام لشرطة نيويورك مديرية الأمن العام الأردنية في الحادي عشر من الشهر الجاري، وذلك بالتوازي مع إعلان إجراء تنقلات لضباط الأمن من عدة رتب في الإدارات المتعلقة بمراكز التأهيل والإصلاح، وإدارات أمن الجسور، وكذلك قيادات أقاليم المملكة باستثناء إقليم الجنوب. وتزامن ذلك أيضاً مع احتجاجات اندلعت على مدار عدة أيام في مدينة الكرك أحرقت فيها الإطارات وأغلقت شوارع في وسط المدينة، فتدخلت قوات الدرك لفضّ هذه الأعمال، وتوجه إثر ذلك مدير قوات الدرك مع وفد أمني للقاء نواب ووجهاء الكرك من أجل احتواء الأزمة.