لا يوجد شريحة سكانية يستعملها المنظِّرون والسياسيون ولا يعملون من أجلها أكثر من شريحة الشباب، وتحديداً صحة الشباب. فبرغم تكاثر أعدادهم وانتشارهم، لا تزال تلك الفئة محرومة من حقوق متعددة في المجالات الاجتماعية والتربوية والقانونية المتعلقة بالصحة والسلامة ومحدداتهما. قد لا يعلم القيّمون والمعنيّون والمعنيات أن نصف سكان العالم هم تحت سن الخامسة والعشرين، مع حوالى مليارين تتراوح أعمارهم بين عمر 10 و 24 سنة، ويفتقدون معظمهم لأبسط حقوق التعليم والصحة والعمل والحماية.
في عام 2050، سيُصبِح عدد الشباب (طبعاً شابات وشباب) بين عمر 15-24 سنة، مليار و400 مليون، أي بزيادة 200 مليون عن اليوم، وستكون النسبة الأكبر منهم موجودة في العالم الثالث. أما في لبنان، فستلامس نسبتهم الـ20%. ولكن المؤسف أن نسبة مشاركتهم في شراكة العالم وموارده ستنخفض من 16 الى 14%. لا تبّشر مؤشرات الشباب الصحية بالخير، فهناك حوالى مليون فتاة تحت سن الخامسة عشرة يلدن كل عام، وأكثر من ثلاثة ملايين بين 15 والـ19 عاماً يخضعن لإجهاض غير آمن، وسيجري تزويج 40 ألف فتاة يومياً حتى الأعوام 2020. من جهة أخرى، يواجه الشباب احتياجات غير ملباة في الحصول على وسائل تنظيم الأسرة لمنع الحمل والمباعدة بين الحمول، والحماية من الالتهابات المتناقلة عبر الجنس والسيدا، كما يتعرضون للتحرش والاستغلال والعنف الجنسي بمعدلات عالية.
كيف لعالمٍ أن يشهد نمواً وازدهاراً واستقراراً، ولا يعيرُ اهتماماً جدياً لنصف سكانه؟ ثم كيف لحكوماتٍ أن تحارب الفقر والمرض والموت، وهي تضع بناتها وأبناءها في إنفرنو البطالة والأمية والعشوائية، وتغيّبهم تماماً عن المشاركة السياسية والاجتماعية.
جاءت أهداف التنمية الاجتماعية 2030 لتبني على أهداف سابقة ولتؤكد أهمية استمرار العمل وتنوعه في صحة الشباب الإنجابية والجنسية، ولتوحي باستمرار الحاجات المتزايدة وغير الملبّاة. وُضِع العالم وحكوماته أمام خيار واحد والتزام واحد لسدّ الحاجات وعلى رأسها مكونات الصحة الجنسية الإنجابية من تزويج القاصرات ومنع الحمل الى منع العنف والالتهابات الجنسية الى تعزيز التربية الجنسية والجنسانية الى توافر خدمات صديقة ملائمة وذات خصوصية للشباب. لا يتم ذلك دون التزام سياسي يُترجم بقوانين وسياسات غير موسمية. وهذا مدخل أساس لحمايتهم وتعزيز حضورهم في شراكة المجتمع.
لا يزال القسم الأكبر من الشباب عاجزاً عن الحصول على أبسط حقوقه من معلومات تتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، وما زال في لبنان وغيره من البلدان يعتمد على الأصدقاء ووسائل الإعلام والإنترنت والسوشال ميديا والتي قد تكون علمية جدية وقد لا تكون. ولا زال هناك غياب أو نقص حاد في مراكز موضع ثقة الشباب، تقدم خدمات مختلفة شبه مجانية وصديقة. كما ولا يزال معظم الأهل مرتبكين أمام تقديم أجوبة حول مسائل جنسية وإنجابية.
في لبنان، كانت مساكنة بين الشباب والرياضة في وزارة واحدة (ولهذا بحث آخر)، حيث طغت الرياضة معظم الأحيان على مسائل الشباب الأخرى. رغم ذلك، تم إقرار السياسة الشبابية للوزارة في عام 2012 وتضمنت محاور الحياة المختلفة للشباب من السياسة الى الصحة وبتوجهات عصرية، دون أن تُترجم إلى برامج وأنشطة مستدامة. هيئات ومنظمات محلية ودولية وجامعات تستمر في العمل على صحة الشباب الجنسية. يقوم مشروع الصحة الجنسية والإنجابية للشباب والشبكة العربية للجنسانية في كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت بأبحاث وتدريب وإنتاج مواد حول صحة الشباب الجنسية بما يخدم تعزيز التربية الجنسية والإنجابية. كذلك وزارة الصحة العامة وصندوق الأمم المتحدة للسكان ومنظمة الصحة العالمية وغيرهم.
ليس مسموحاً أن نكيل المدائح للشباب وأن نتغزّل بهم كبُناة للغد القادم ولا نضع لهم سياسات في أولوية البرامج الحكومية مع التزام بتنفيذها. وليس مقبولاً أن تغيب برامج التربية على الصحة الجنسية والخدمات والتدريب ومنع العنف والتنمية عن موارد الشباب في بلد حوالى نصف سكانه تحت سن الـ 25.
كما وليس من الحق بشيء أن تُرتكب بشأنهم كل أنواع التنميط والتهميش والمصادرة.
جُلّ ما يرى الشباب من شبابه، ورثة، وتقليداً، وهجرة، وانكفاء، وأحلاماً كبيرة، ومن يعش يرى.
* اختصاصي جراحة نسائية
وتوليد وصحة جنسية