دمشق | صح في دمشق، أمس، ما قاله شاعرها المفضل نزار قباني، في قصيدة نعيه لزوجته بلقيس، أيام حرب بيروت الأهلية: «الموت في فنجان قهوتنا... وفي مفتاح شقتنا... وفي أزهار شرفتنا... وفي ورق الجرائد». ومع أشعة الشمس التي تدفئ شتاء العاصمة السورية، تنسدل ستارة من دخان، فتغلف كل شيء. قذائف مسلحي الغوطة الشرقية تتساقط كالمطر على رؤوس المدنيين، مخلّفة 11 شهيداً وعشرات الجرحى الذين وصلوا إلى المستشفيات، فيما تحدد إحصائيات رسمية ضحايا اليوم المتفجر بـ 6 شهداء فقط، إضافة إلى عشرات الجرحى.
السير على طول شارع جسر الرئيس غير مناسب ليوم كهذا اليوم الكابوس. ستباغتك قذيفة أخطأتك، وأصابت سيارة أجرة، فانحرفت عن مسارها واصطدمت بالرصيف، في نهاية مأسوية على كتف نهر بردى الشاهد والشهيد أيضاً. والنتيجة تهشم سائق السيارة وإصابة آخرين بشظايا القذيفة، إصابات بعضهم خطرة. وقد ينجلي المشهد عن عدد من الهاربين من قضاء الموت الدمشقي وقدره، محاولين النجاة بعبثية مطبقة على أجواء العاصمة وخطوات سكانها المحكومة بالرعب. قلة يهرعون لإسعاف المصابين وانتشال الأشلاء، في انتظار وصول سيارات الإسعاف وفرق الهلال الأحمر السوري. ومع انتشال جثمان السائق المسكين، ثمة صوت يعلو قائلاً: «من مات في سبيل العمل، فهو شهيد». هكذا يفتي العمل بقدسيته في مواجهة الموت بالبقاء والإرادة، في حياة الباقين في أقدم العواصم. الناجون من هذه القذيفة لن يتمكنوا من الابتعاد كثيراً، قبل أن يسمعوا صوت انفجار آخر، ناجم عن سقوط قذيفة في دار الأوبرا، تليها قذائف متتالية في محيط المكان. ضحايا جدد، بينهم شهداء ومصابون من موظفي الدار. قذيفة أُخرى تتسبب في حادث سير مروري، ما يفضي إلى استشهاد شخص وجرح آخرين، في مقابل سقوط قذائف عدة على حي الشعلان، لتصيب محيط مدرسة دار السلام. أيام الامتحانات السنوية الانتصافية، التي تضطر الطلاب إلى المضي نحو جامعاتهم، ستجعل منهم ضحايا محتملين، للموت المتربص بكليتي العلوم والحقوق. فيما لن يكون حي المزة بمنأى عن النيران المشتعلة في أرجاء العاصمة، إضافة إلى الأحياء المستهدفة دوماً، كباب توما والقصاع وباب شرقي، وصولاً إلى مدينة جرمانا، التي نالت حصتها من الموت جراء قصف طاول إحدى ساحتها، ما أدى إلى استشهاد أشخاص عدة، بينهم أطفال. مشفى المواساة استقبل حالات لم تتمكن من الوصول على قيد الحياة، فيما ودّع أُخرى مع دخول غرفة العمليات. وكذلك نال المستشفى الفرنسي حصته من إسعاف الحالات الخطرة في الأحياء الشمالية الشرقية من العاصمة. وتسود رائحة الدخان مساء دمشق، تتخللها الدماء، حيث لا ياسمين ولا من يحزنون. حتى تعلن مدارس خاصة في دمشق القديمة عن إغلاق أبوابها اليوم وغداً، في محاولة لتفادي استشهاد الباقين من أبنائها. وزارة الخارجية السورية وجهت رسالة إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن حول استهداف مسلحي الغوطة الشرقية العاصمة السورية وريفها بعشرات القذائف القاتلة، التي أدت إلى استشهاد وجرح عشرات المدنيين الأبرياء.
وفي السياق ذاته، فقد تواصل التمهيد الناري المدفعي والجوي ضد مراكز تجمع المسلحين ومواقع إطلاق قذائفهم في عمق الغوطة الشرقية من قبل الجيش السوري، وسط استعدادات لبدء عملية عسكرية واسعة ترمي إلى حسم الوضع الميداني في محيط دمشق. أهداف الجيش تركزت في عين ترما وجوبر، وصولاً إلى دوما. وحدات متنوعة من القوات السورية تمركزت على مشارف العاصمة، بانتظار لحظة الاقتحام البري، بمجرد انتهاء التمهيد الناري البعيد. مصادر ميدانية تؤكد أن الاستعدادات النهائية شارفت على الانتهاء، بغية تنفيذ أوامر محددة تقضي بعدم التراجع حتى استسلام الجبهات المواجهة للجيش في بلدات الغوطة الشرقية وجوبر. وتنفي المصادر وجود أي تحرك بري حتى اللحظة، بخلاف ما يشاع. يأتي ذلك بالتزامن مع ورود معلومات عن مقتل عشرات المسلحين، باستهدافات الجيش لمواقعهم في عمق الغوطة. فيما أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان «مقتل أكثر من 100 شخص، في الغوطة الشرقية»، خلال اليومين الماضيين، جراء القصف المدفعي والجوي للجيش السوري، الذي يوصف بالأوسع، منذ اندلاع الحرب القائمة.