واشنطن | نقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن «أربعة من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية» أنّ خلافات قائمة «منذ فترة طويلة» بين ترامب و«اثنين من كبار معاونيه، هما مستشار الأمن القومي ماكماستر وكبير موظفي البيت الأبيض جون كيلي، تزايدت إلى حدٍّ قد يدفع أحدهما أو كليهما للاستقالة قريباً». وقبل «رويترز»، كانت مصادر البيت الأبيض ومحللون أميركيون يبدون اعتقادهم أنّ ترامب «قد يُقدِمُ على طرد» ماكماستر استناداً إلى ما جرى في تشرين الثاني الماضي حين «بحَثَ الرئيس مع دائرة صغيرة من كبار مساعديه، بمن فيهم جون كيلي، مصيره»، وقرروا «في نهاية المطاف» الإبقاء عليه.
وفي هذا الصدد، سبق لصحيفة «بوليتيكو» أن نقلت عن «مسؤول كبير في الإدارة الأميركية» أنّ الرجلين «لم يتمكنا من التوصل إلى حل بديل»، إذ كان ترامب يرغب في تعيين المندوب الأميركي الأسبق لدى الأمم المتحدة جون بولتون، الذي «غالباً ما يزور المكتب البيضاوي»، غير أنه قوبِل بمعارضة من كيلي الذي «عادةً ما يطلب المشورة» من وزير الدفاع جايمس ماتيس، إذ خدم تحت إمرته عقب غزو العراق. وللإشارة، تذكُرُ «بوليتيكو» أنّه ضمن خريطة النفوذ هذه، كان ماكماستر «يقف أحياناً إلى جانب الأعضاء الأكثر محافظة في طاقم ترامب للأمن القومي وضد ماتيس وكيلي».
وفي مقالة نشرتها «واشنطن بوست» مساء أمس، ذكّرت جنيفير روبن بأنّه حين جرى تعيين «الجنرالين» ماكماستر وكيلي، «كانت النظرية تبرر هذا الاستثناء المتمثّل في تعيين عسكريين بدلاً من مدنيين (في مناصب كهذه) بأنّه ضروري جداً درءاً للكوارث، في ظلّ وجود رئيس عديم الخبرة وغريب الأطوار».
إلا أنّ تعيين ماكماستر مستشاراً للأمن القومي قبل نحو عام، جاء في سياق محاولة «المحافظين الجدد» (كان دورهم قد تقلّص مع انتهاء ولاية جورج بوش الابن في عام 2008، وانتخاب الديمقراطي باراك أوباما لولايتين)، إعادة إشعال «حرب باردة» لأسباب عدة؛ فهم يريدون زيادة الإنفاق العسكري وبناء ترسانة ضخمة من الأسلحة، في مواجهة روسيا التي يعتبرونها وريثة الاتحاد السوفياتي الذي ناصبوه العداء.

كان ماكماستر قد شارك في الحرب على أفغانستان وفي غزو العراق

وهم كانوا قد تمكنوا من الحصول على إجماع ليبرالي من خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016، التي أسفرت بشكل صادم عن فوز دونالد ترامب، في لحظة مثّلت لجماعة روبرت كاغان وويليام كريستول (أبرز أيديولوجيي المحافظين الجدد) فرصةً مناسبةً لوضع الولايات المتحدة مجدداً في حرب ضد روسيا وتجريم سياسة «الانفراج النووي».
حركة «المحافظين الجدد» التي تنظر إلى الأمور بنظرة حزبية ضيّقة تفتقد الصورة الكبيرة، «زرعت» ماكماستر أساساً في إدارة ترامب بعدما تمّ استبعاد مايكل فلين. وبذلك، كان بمثابة قناتهم المباشرة داخل طاقم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض. ومن خلال ماكماستر، تمكنوا من تعيين فلونا هيل، المعروفة بعدائها للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مذ كانت تعمل في «معهد بروكينغز»، فيما تُعتبر راهناً الخبيرة الأولى في الشأن الروسي في مجلس الأمن القومي.
وفي تصريح له على هامش مشاركته في «منتدى الأمن» في ميونيخ يوم السبت الماضي، رفض ماكماستر أيّ تعاون مع روسيا في مجال مكافحة الهجمات الإلكترونية، وهو ما يؤشر إلى أن ما يمكن وصفه بـ«الحرب الباردة» سوف يستمر بإجماع ليبرالي أميركي كامل. وهي تصريحات انتقدها ترامب علناً، في مشهد وُصِف إعلامياً بـ«الصفعة»، وقد دفع جدياً نحو السؤال إنْ كان سيبقى ماكماستر في منصبه. ويُعرَف عن ماكماستر أنه يُعبِّر عن رأيه بصراحة وحسم، وكانت مجلة «تايم» الأميركية قد أدرجته ضمن قائمة أكثر عشرة أشخاص تأثيراً في العالم عام 2014، ووصفته بأنه «قد يكون أفضل من يتمتعون بفكر المحارب في القرن الواحد والعشرين».
رغم أنّ «الصفعة والرأي الحاسم» قد يشكلان سببين كافيين لتأكيد توتر علاقته مع ترامب، فإنّ «رويترز» نقلت عن المسؤولين الذين تحدثت إليهم أنّ «أقوى مصدر للاحتكاك في الوقت الحالي هو سعي كيلي، بتأييد من مكماستر، لمنع مسؤولي الإدارة الذين لم يحصلوا على موافقات أمنية دائمة على مستوى عال من الاطلاع على أهم أسرار الحكومة»، ما «سيحرم (وفقاً للوكالة) صهر الرئيس ترامب ومستشاره، جاريد كوشنر، من الاطلاع على تقرير الاستخبارات اليومي الذي يُعرَض على الرئيس ويتضمن في كثير من الأحيان معلومات عن عمليات سرية واستخبارات تم جمعها بالأقمار الصناعية ومن خلال الجواسيس ومن الحلفاء المقربين للولايات المتحدة».

مدمّر تلعفر العراقية

كان ماكماستر قد حصل على ميدالية النجمة الفضية، وهي ثالث أرفع وسام يُمنح للضباط الأميركيين في ميدان المعركة، وقد مُنحت له لدوره في قيادة «معركة الدبابات» في العدوان الأميركي الأول على العراق عام 1991، وكان في حينه برتبة نقيب. وتقول رواية البنتاغون إنّ تسع دبابات من طراز «أبرامزM1A1» كانت تحت قيادته دمّرت خلال 23 دقيقة 28 دبابة عراقية من دون أن يُفقد أيٌّ من دباباته أو تعاني من أي إصابات.
كذلك شارك ماكماستر في الحرب على أفغانستان، وفي الغزو الأميركي للعراق عام 2003. وفي عام 2005 قاد العمليات العسكرية ضد المقاومة العراقية في مدينة تلعفر شمالي العراق، حيث ارتكب مجزرة حين أمر بشن هجوم بري وجوي ساحق دمر أكثر من 60 في المئة من مباني المدينة، وفق ما ذكرت تقارير في حينه.
على صعيد آخر، تثير خبراته التي راكمها، بالأخص في العراق، «مخاوف من أنه كمستشار للأمن القومي، قد يسيء فهم الحرب»، فتتحوّل إلى مسألة «أحادية الجانب» يمكنُ فيها للولايات المتحدة بما تملكه من آلة حرب قوية جداً أن «تُحطِّم أعداءها، وتبقى محصنة تجاه أي رد». وفي ضوء ذلك، يقول العقيد المتقاعد لورانس ويلكيرسون، الذي كان رئيس هيئة موظفي وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول، إنّ «ماكماستر لا يعرف سوى القليل جداً عن شبه الجزيرة الكورية؛ نقطة على السطر». وتعليقاً على تقليل ماكماستر من مخاطر الهجوم على كوريا الشمالية، يشير ويلكيرسون إلى أنّ «وجوده لتقديم المشورة للرئيس ليس مريحاً كما يعتقد البعض... لذا أنا قلق للغاية». وفي هذا الصدد لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ماكماستر نفى قبل أيام أن يكون لدى بلاده سياسة «الأنف الدامي» التي تحدثت عنها وسائل الإعلام الأميركية والغربية في الأسابيع الأخيرة، مفيدة بأنّ هذا الهجوم هو أحد الخيارات «لمواجهة برنامج كوريا الشمالية المتنامي للأسلحة النووية»، علماً بأنّ نفي ماكماستر بدا غير مقنع استناداً إلى تاريخ الرجل العسكري وكيفية اتخاذه القرارات، خاصة أنه سبق له في اجتماعات لطاقم ترامب للأمن القومي والسياسة الخارجية أن أصرّ على أنّ «الضربة العسكرية تُعتبر خياراً جدياً»، بما يخالف رأيي وزير الدفاع جايمس ماتيس ووزير الخارجية ركس تيلرسون.
وبينما تبقى مسألة الإقالة أو الاستقالة رهن التطورات، لكن يبدو أنّ ماكماستر يبحث عن «منصب بديل» بالتطلع إلى منصب رئيس هيئة أركان القوات الأميركية المشتركة، خلفاً لرئيسها الحالي الجنرال جوزيف دانفورد، فيما تورد تقارير إخبارية أخرى أنّه قد يتوجّه إلى أفغانستان كخلف لقائد القوات الأميركية هناك الجنرال جون نيكولسون. ورغم ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ المسؤولين الأربعة «سارعوا» في حديثهم إلى «رويترز» إلى القول إن «التوترات (بين ترامب وماكماستر، وكيلي) قد تتبدد، على الأقل في الوقت الحالي، مثلما انتهت فصول سابقة من الخلاف بين الرئيس ومسؤولين كبار آخرين فقدوا الحظوة عنده، ومنهم وزير الخارجية ووزير العدل جيف سيشنز». وهذا ما يُبقي الغموض محيطاً بمصائر هذه الإدارة.