حدد دفتر الشروط الصادر عن وزارة التربية لأعمال التدقيق في موازنات المدارس الخاصة مهام الخبراء المحلفين بأربعة أعمال هي الآتية:ــــ دراسة مدى توازن الموازنة المدرسية وانطباقها على القوانين ولا سيما القانون رقم 515/96 والقانون 46/2017
ــــ انطباق رواتب أفراد الهيئة التعليمية وجميع العاملين في المدرسة مع القوانين المرعية الإجراء.

ــــ تطابق البيانات لا سيما بيان عام صندوق التعويضات مع الرواتب المدرجة لأفراد الهيئة التعليمية في الموازنة.
ــــ التأكد من استيفاء الموازنة للأصول القانونية للمستندات المطلوب الحاقها بالموازنة المحددة في المادة 3 من القانون 515/96.
هذه المهام دون مهارات الخبراء المجازين. إذ قامت بها لجان الأهل، وفي قراءة أولى وجدت أن أغلب الموازنات تتطابق مع الشروط. لكن التعمّق في الدرس، أظهر عيوباً لا يمكن التغاضي عنها، فرفضت توقيع الموازنات لعدم تسلمها المستندات والملحقات كاملة.
هذه النقاط الأربع لا تشمل التدقيق التحليلي للموازنة ولا الأعباء ــــ من خارج الرواتب ــــ التي تتضخم سنوياً وتصل نسبتها الى 35% من الموازنة. وقد رفض عدد كبير من لجان الأهل توقيع الموازنات بسبب مبالغات في بنود الاستهلاك، التجديد والتطوير، الصيانة، صندوق مساعدة التلامذة المحتاجين، وتعويض أصحاب الرخصة، بشكل يتجاوز البنية العمرانية وقيمة التجهيزات والخدمات التقنية التعليمية للمدرسة. وعلى سبيل المثال، قُدر بند الاستهلاك في موازنة إحدى المدارس بـ200 مليون ليرة سنوياً، بما يعني أنّ ممتلكات المدرسة المنقولة تقدر قيمتها بمليار ليرة! علماً أن المدرسة صغيرة الحجم وفقيرة التجهيز. ووصلت قيمة بند الخدمة والتنظيف في بعض المدارس الى 4.5 مليون ليرة يومياً بدل مواد تنظيف وتعقيم!
من تجربتنا، نرى أنّ الأعمال المحددة في دفتر الشروط هي فخ لنيل توقيع الخبراء على ما هو غير شفاف وغير صادق وغير عادل. لذلك، نعرض تجربتنا علّنا نساهم في اختصار الطريق على المدققين.
ــــ النقطة الأولى: دراسة مدى توازن الموازنة المدرسية وانطباقها على القوانين ــــ أي نسبة 65% على الأقل و35% على الأكثر ـــ أمر بسيط. وهذا الأمر مطابق بالتأكيد للقانون 515/96. أما مدى ارتباط توازن الموازنة بالقانون 46/2017 فأمر آخر. إذ لا علاقة بينهما إلاّ في رواتب الهيئة التعليمية ونسبة الستة في المئة لصندوق التعويضات ورسم الضمان الجديد، وكلها ضمن الـ 65%.
ــــ النقطة الثانية: انطباق الرواتب مع القوانين المرعية الإجراء. هنا تجدر الاشارة الى أن غالبية المدارس لم تطبق قانون سلسلة الرتب والرواتب كاملاً، وقدمت موازناتها ورواتب الهيئة التعليمية من دون الدرجات الست، وهذا مخالف للقانون كما نعلم، وكان أحد أسباب رفض بعض لجان الأهل للتوقيع. لكن ما يسيء الى المدققين في هذا البند أنهم قد لا يعرفون، مثلاً، أن بين الموظفين عدداً ممن لا يحق للمدرسة توظيفهم ومنهم محامون ومستشارون ومعلمون مسجلون كإداريين أو العكس، وسائق خاص للمدير أو زوجته، وغير ذلك.

ما تحاول وزارة التربية فعله هو تطبيق سطحي للقانون 515


ــــ النقطة الثالثة: هنا يكمن كنز المدارس. فبيانات صندوق التعويضات التي يوقع عليها المعلمون صادرة عن المدرسة ويصادق عليها صندوق التعويضات، وهي تشير إلى سنة التعيين وأساس الراتب وساعات التعليم والمرحلة التعليمية لكل معلم، وفي ملحق آخر صادر عن المدرسة جدول تفصيلي بالرواتب وساعات التدريس والساعات الإضافية والنقل وغيره من المستحقات. والمطابقة بينها أمر سهل. لكن ما لم تطلبه هذه المهمة هو احتساب ساعات التدريس القصوى التي يغطيها معلمو كل مرحلة ومقارنتها مع عدد الساعات الأقصى في كل مرحلة، وسيُفاجأ المدققون بأنّ ساعات التدريس في الجداول تتجاوز السعة القصوى للصفوف بالضعف تقريباً وبعضها يتجاوز الضعف، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن هناك أسماء وهمية بين المعلمين في الجداول المصادق عليها من الصندوق والصادرة عن المدرسة، وهو ما ينعكس حكماً على مجموع رواتب المعلمين فيضاعفها.
ومن المخالفات أيضاً: معلمون يعملون بنصف دوام ويتقاضون نصف راتب ومسجلون في الجداول كدوام كامل؛ جداول صندوق التعويضات موقعة من اشخاص غير المعلمين في عملية تزوير واضحة ومفضوحة؛ التوقيع نيابة عن أشخاص لا يعملون في المدرسة وغير موجودين على الأراضي اللبنانية؛ تسجيل مستخدمين كمعلمين يتقاضون رواتب مستخدمين وتحتفظ إدارات المدارس لنفسها ببقية الرواتب، بل وتحصل على تعويضاتهم في نهاية الخدمة؛ معلمون مسجلون كإداريين؛ معلمون مسجلون في مدارس غير التي يعملون فيها وتتكرر أسماؤهم في اكثر من موازنة.
لكشف هذا التزوير على المدقق الخبير طلب جدول المعلمين من صندوق التعويضات ومقارنته مع الجدول الذي أعدته المدرسة وصادق عليه الصندوق الذي يدقق برقم المعلم المسجل في الصندوق فحسب، من دون أن يدقق في اسم المدرسة. ولتبيان الفرق في ساعات التدريس القصوى على المدقق طلب البرنامج الإسبوعي لكل معلم في المدرسة ومطابقته مع ساعات التدريس الفعلية في كل مرحلة، وطلب ايصالات الضمان السنوية، ومقارنة عدد المعلمين المسجلين في الضمان مع الاشتراكات وعددهم في الجداول. والمعيار البسيط لكشف التزوير على هذا المستوى هو احتساب نسبة اجمالي عدد معلمي الصفوف على عدد الشعب الإجمالي في المدرسة، فإذا تجاوزت نسبته 1.6 معلم لكل شعبة يجب التدقيق في هذه التفاصيل.
ــــ النقطة الرابعة: المستندات القانونية الملحقة أمر بسيط ويومي، لكن إدارات العديد من المدارس إما تتمنّع عن اطلاع لجان الأهل عليها، أو تعطيها محجوبة الأسماء، كما أن أسماء المستفيدين من المنح محجوبة دائماً، لذا من المفيد التأكد منها.
لا شك في أن المبالغات في موازنات السنة الحالية ليست أمراً مستحدثاً. لكنه أخذ بعداً مختلفاً مع وعي الأهل لحقوقهم المنصوص عليها في القانون. وما تحاول الوزارة فعله هو تطبيق سطحي للقانون 515 كما هو واضح في معايير التدقيق المقترحة. فالآلة الحاسبة تعرف كيف تجمع ولكنها لا تحلل موازنة. المطلوب من المدققين، بحسب دفتر الشروط، اصدار تقارير تقول ان الأرقام الواردة صحيحة والمستندات مكتملة أو تنقص كذا وكذا. لكننا كأهل نعرف الحقائق الأخرى التي لمسناها، ونعرف ان حقوقنا في القانون تجيز لنا حق الإعتراض أمام القضاء لاستعادة حقنا الذي دفعناه على مدى السنوات الماضية، تارة بتلاعب المدارس بالموازنات وتضخيمها، وتارة تحت مسمى سلفة على أي زيادة مرتقبة، وتارة ثالثة تحت مسمى قرطاسية ومصاريف إضافية، إلزامية، تم تهريبها خارج القسط.

* باحث في التربية والفنون، عضو الحملة الوطنية للجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة