في الثاني من شهر آذار/مارس عام 1977، أعلن العقيد معمّر القذافي «قيام سلطة الشعب»، مانحاً «دولته» اسم «الجماهيرية» التي ستُزاد صفة «العظمى» عليها، بعد تسعة أعوام، أي في عام 1986، إثر الغارات الأميركية على خليج سرت. بعد 41 عاماً من ذلك التاريخ، وسبعة أعوام على ذكرى «17 فبراير 2011»، قليلون جداً من يعرفون أين يرقد القذّافي في سباته الأخير.
ولكن كثراً يشاهدون اليوم رجالاته حاضرين في ميداين البلاد العسكرية، وفوق خرائطها الممزقة. أيضاً، هناك رجالات العقيد «غير الشرعيين» لأنّهم شكّلوا يوماً جزءاً من نظامه قبل الخروج عليه في ظروف متباينة وفترات متباعدة. ولعلّ من بين أبرز هؤلاء المُشير خليفة حفتر، الذي بدأ «نجمُه» في السطوع منذ إعلانه «عملية الكرامة» في أيار/مايو 2014، في مشهد سيعقبه بروز أحلامه بحكم دولة قائده السابق




تنقسم ليبيا اليوم إلى فسيفساء جغرافيّة تُسيطر على كلّ قطعة منها جهات لها صورة السلطة السياسية وأدواتها العسكرية ــ «الميليشياوية». وضمن خريطة الفوضى هذه، لعلّ أكثر الفاعلين إثارة للجدل، وأهمهم، هو خليفة حفتر، الذي يُسيّر أجزاءً واسعةً من بنغازي والشرق الليبيّ، وذلك بحكم أمر واقع كان يتكرّس تدريجاً منذ أيار/مايو 2014، وبدعم إقليمي واضح (إماراتي ــ مصري بالأساس)، علماً أنّ الأدوار الإقليمية في ليبيا تُعدُّ في منتهى الأهمية، بالنظر إلى أنّ تعامل القوى الدولية مع هذا الملف يجري من خلال مناظير «ميكروسكوبية» تستخدمها دوائر القرار فيها حين تحتاج إلى حماية مصالح محددة، وبدقة.
في ظلّ هذا المشهد، تعاني محاولات البعثات المتعاقبة للأمم المتحدة إلى ليبيا، في إيجاد حلّ سياسي يضمن في حدّه الأدنى تجميع المؤسسات المشتتة والمتضاربة (السلطات التنفيذية والتشريعية متعددة)، تحت سقف واحد، من عراقيل جديّة، ما يصل ببعض المراقبين إلى إدراج محاولات المبعوث الأممي الحالي غسان سلامة، ضمن خانة «أضغاث الأحلام... برغم تفاؤله».
ثمة اعتقاد أنّه «لا يمكن الوصول إلى اتفاق سياسي مع خليفة حفتر»، وفق ما يقول لـ«الأخبار» الباحث المختص بالشأن الليبي طارق المجريسي، مستدركاً بأنّ «حفتر يهدف إلى السيطرة على مجمل ليبيا، وبالتالي إذا اعتقد أنّه من شأن اتفاق سياسي، وانتخابات، أن توصلاه إلى مبتغاه، فإنّه سيوقّع، ولكنه لن يساوِم على طموحاته».

لا يمكن الوصول إلى اتفاق سياسي مع المشير الليبي لأنّه لن يساوِم على طموحاته


برغم أنّ المرجيسي يلفت في إجابته إلى نقطة مهمة، هي أنّه «يمكن التوصّل إلى اتفاقات سياسية وأمنية مع قبائل، وقوات خاصة، وضباط سابقين في الجيش، ترتكز سلطة حفتر عليهم»، فإنّ دبلوماسياً عربياً يرى أنّه وراء «الخلاف الظاهر» لحفتر مع بعثة الأمم المتحدة بشأن الاتفاق السياسي، يلعب «انعدام الثقة بين فريقي التفاوض» دوراً مهماً في عرقلة مسار الحلّ السياسي. يشير الدبلوماسي إلى أنّ ثمة «خوفاً في غرب ليبيا» (يقصد حكومة التوافق برئاسة فائز السراج، كما قوى أخرى نافذة غرباً)، إزاء «احتمال أن يتمكّن حفتر من الهيمنة على كلّ شي من خلال المجلس الرئاسي المُراد تشكيله من ثلاثة أعضاء وفقاً لطروحات غسان سلامة وفريقه».

عودةٌ إلى... التشاد

عند زيارة خليفة حفتر لتونس في أيلول/سبتمبر الماضي، أحضر معه مجموعة مسلحة من قواته الخاصّة. وعقب عودته إلى ليبيا نشر ما يُسمى «شعبة الإعلام الحربي»، تسجيلاً مصوّراً لأهازيج عسكريّة كان هؤلاء يؤدونها. برغم إنكار مصادر تونسيّة لاحقاً، لخروج المسلحين من محيط الطائرة، فإنّ الأمر عكس صورة الرجل العسكرية التي بدأ برسمها في زمن مضى، كان خلاله أحد أبرز رجال نظام القذافي، تحديداً في حرب التشاد.
في أطوار تلك الحرب، وفي مثل هذا الشهر من عام 1987، هاجمت قوات الرئيس التشادي حسين حبري، الليبيّين، بدعم فرنسيّ، وأصابت القوات المُستهدَفة في مقتل، فيما انتقلت المعركة بعد ذلك (لمدة مؤقتة) إلى الداخل الليبيّ. قُتل أكثر من ألف جنديّ ليبيّ وأُسِرَ مئات آخرون، كان من بينهم خليفة حفتر الذي جرى الحديث عن انشقاقه. في البداية أنكر القذافي ذلك، ومنح رجله ترقيةً، قبل أن يتراجع في ما بعد ويحاول طيّ صفحة الحرب ــ المحرقة برمتها.
المهمّ في الأمر أنّ حفتر بقي أسيراً، إلى أن تدخلت الولايات المتحدة بعدما رأت فيه أداةً جيّدة في حربها مع غريمها الليبيّ. رُحِّل العقيد الأسير وجنوده إلى الولايات المتحدة، وبدأت هناك جهود بناء جيش ليبيّ معارض يعمل على تغيير النظام القائم. نفّذت القوّة الجديدة عمليات داخل ليبيا، أسقط بعضها عدداً كبيراً من الضحايا. ولكن القذافي كان حازماً مع المنشقين، فلم يتمخّض عن جهود الجيش الجديد نتائج سياسيّة مهمّة. غابت أخبار حفتر، ونُسي إلى حين.

«غربيٌ في الشرق»

في الحالة الليبية، من اللافت للانتباه أنّ غالبية من قادوا الحملة على القذافي، كانوا من المنشقين عنه في مراحل سبقت عام 2011. لم يكن خليفة حفتر استثناءً، إذ بعدما سقط من الذاكرة الشعبيّة لسنوات طويلة، عاد اسمه إلى التداول مع بداية التحركات العسكريّة في بنغازي. لا تتوافر معلومات كثيرة عن دور الرجل في ذلك الوقت، ولكن من المعلوم أنّه لعب دوراً في تنظيم صفوف المعارضين ودعمهم بخبرته العسكريّة في الشرق. برغم ذلك، فلا بدّ من الإشارة إلى نقطة مهمة على هذا الصعيد، هي أنّ «حفتر لا يُعَدّ «شرقياً» وفقاً للتقسيم القبائلي، إذ إنّه ينتمي إلى الفرجان، وهم قبيلة «غربية» وفق هذه التصنيفات»، كما يقول لـ«الأخبار» متابع للشأن الليبي. أيضاً، في شرق ليبيا «ثمة قبائل كبيرة، ولكنّها لا تمتلك تراثاً عريقاً، وهي في كلّ الأحوال، تنظر إلى حفتر كغريب». («المنصات العربية» المناوئة لحفتر، كانت منذ العام الأوّل لـ«عملية الكرامة»، تنشر أخباراً مفادها أنّ «مشايخ قبائل الشرق الليبي، يتقاعسون في دعمه»).
أما عن سبب نفوذ «القبائل الشرقية»، فيشرح المصدر نفسه أنّ «الشرق لم يحارب تقريباً، وقد اقتصر الأمر على التمرّد والتظاهرات، في وقت أنّ القتال الكبير حصل في الغرب. وهذا ما أدى إلى ظهور ميليشيات مؤدلجة في الشرق غير متجانسة مع التربة المحلية، ومعظمها إسلامية متفاوتة التوجهات، في مشهد أحدث فوضى واستياءً شعبياً، وكنتيجة لذلك عادت القبائل لتفرض حضورها»، في مشهد استثمره «المصريون والإماراتيون».

«قصر في طرابلس»

«دائماً ما تشهد ليبيا تحوّلات سريعة، وفي خضمها، يُحافظ خليفة حفتر على خطاب ثابت وبسيط ومتصلّب... وحتى فترة قريبة، عاش عامين رائعين بعدما صعد نجمه في العام الماضي على مستوى الظهور والقبول الدوليّ، كما ساعد في رفع إنتاج النفط من 250 ألفاً إلى مليون برميل يوميّاً»، يقول لـ«الأخبار» الباحث المختص بالشأن الليبي جلال حرشاوي.
لكن في ظلّ العجز المتواصل عن الوصول إلى اتفاق سياسي، كان هذا المشهد يطرح أسئلة عدّة بشأن تصوّرات حفتر للمستقبل القريب. فبدعم من مصر والإمارات، استعادت قوات حفتر أجزاءً واسعة من شرق البلاد، ومن ضمنها موانئ نفطيّة مهمّة، قبل أن يُعلن منتصف العام الماضي «تحرير مدينة بنغازي بكاملها من الجماعات الإرهابيّة». ومع ازدياد سلطته، صار الزعيم العسكريّ الحاكم الفعليّ في النصف الشرقيّ، دافعاً السلطة السياسيّة إلى الظلّ بغية الاستئثار بالأضواء، ودار في جولات خارجيّة شملت طيفاً واسعاً من بلدان الجوار والدول الأوروبيّة المؤثرة.
مستشاره السابق محمد بويصير، يلمّح في تصريحات أدلى بها الشهر الماضي، إلى أنّ الهدف من كلّ ذلك يتمثّل في أنّ «حفتر يريد سلطة مطلقة... يريد دخول أحد القصور الكبيرة في طرابلس وأن يحكم ليبيا». إلى جانب هذه التصريحات، كان دبلوماسي عربي، على علاقة وثيقة بالشؤون الليبية، يُبدي في بداية الصيف الماضي، «خشية» في حديثه، من احتمال لعب خليفة حفتر «ورقة طابور خامس موجود بقوة في طرابلس، بغية قلب الطاولة على حكومة السراج وداعميها».

مستشار سابق: يريد سلطة مطلقة... الدخول إلى أحد القصور الكبيرة في طرابلس ليحكم


بطبيعة الحال، لا تتأتى خشية كهذه، من فراغ، خاصة أنّ هذا «الطابور الخامس»، قد يتمثّل بغالبيته في سلفيي «التيار المدخلي» (سلفية غير جهادية) الذين يشاركونه معاركه في الشرق، ويُخشى من تأييدهم إياه في طرابلس، بخاصة تأييد أبرز وجوههم هناك، وهو عبد الرؤوف كارة قائد «قوة الردع الخاصة» (لهم حضور أيضاً في مدينة مؤثرة مثل مصراتة، يُقال إنّها تضم نحو 25 ألف مقاتل). وفضلاً عن العلاقات القبائلية وتشعباتها، بخاصة لناحية انتماء حفتر إلى الفرجان، فجدير بالذكر، أنّه في منتصف الشهر الماضي، نقل الإعلام المحلي عن المفتي الليبي الشيخ الصادق الغرياني (إخوان مسلمون)، قوله إنّ «السعودية أرسلت إلى ليبيا المداخلة الذين نصّبوا خليفة حفتر وليّ أمر رغم عدائه المعلن للدين».
في حديث إلى «الأخبار»، يتحدث منسّق تونس وليبيا في «مركز دعم التحول الديموقراطي وحقوق الإنسان» سالم غلاب، عن «الدور الخطر» الذي يلعبه ما يُعرف بتيار «السلفيّة المدخليّة» ضمن قوات حفتر. ويقول إنّ المداخلة برزوا للمرة الأولى بعد انتهاء حرب أفغانستان، حين عقد معهم القذافي صفقة يُسمح لهم بمقتضاها بالعودة إلى ليبيا شرط «التزام الولاء» لنظامه، وقد استفاد منهم عام 2011 باستصدار فتاوى «تحرّم الخروج على الحاكم» (هذا من ضمن عقيدتهم). ويشرح غلاب أنّه بعد سقوط القذافي، تسلّح هؤلاء وشكلوا «كتيبة التوحيد» التي انضمت إلى قوات حفتر غداة إعلانه «عمليّة الكرامة». ومع أنّ الأخير حلّ الكتيبة ووزع عناصرها على قطعات عسكريّة مختلفة، فإنّ نفوذ التيار لا يزال قويّاً داخل الجيش وخارجه، خاصّة ضمن «الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلاميّة». (يظهر نفوذ «المداخلة» الذين يتلقون باستمرار توجيهات من شيخهم السعودي ربيع المدخلي، في مختلف نواحي الحياة، إذ يوجّهون خطب صلاة الجمعة عبر «هيئة الأوقاف» للتحريض على المثقفين والفنانين، ويمارسون الرقابة وحرق الكتب التي يعتبرون أنّها تحثّ على «الزندقة والضلال والبدع»، ويستهدفون منتقديهم على شبكات التوصل باعتبارهم «خوارج»، إضافة إلى وقوفهم وراء منع سفر النساء دون محرم).
هذه العلاقة بين حفتر و«السلفية المدخلية» هي علاقة «تفوز فيها كل الأطراف»، كما يعتبر الباحث أحمد صلاح علي، شارحاً في تقرير له أنّ «المدخلية يهدفون من خلال تحالفهم مع حفتر إلى تحقيق مزيد من السيطرة على المجال العام في ليبيا... وفي المقابل يهدف حفتر إلى السيطرة واستخدمهم في قتال منافسيه ــ السلفية الجهادية (بخاصة) أنّه يعاني من نقص عددي كبير في أعداد القوات التي تحارب تحت إمرته، ويريد زيادتها من أجل استمرار حروبه».

العين على العاصمة

في حوار أخير، أجرته مع حفتر مجلة «جون أفريك»، يذهب الرجل بعيداً، ليُعلن لدى سؤاله عن المشهد السياسي والعلاقة مع السراج: «نفعل ما أمكننا للتعاون مع السيّد السراج، ولكن للأسف إنّه رهينة ميليشيات طرابلس، ويداه ليستا طليقتين... في المقابل، نحن القوات المسلحة الرسمية، نعرف تماماً مهمتنا، وبمقدورنا التحرّك متى حان الوقت».

برغم ذلك، «فما الذي حققه في الأشهر الأخيرة؟»، يتساءل جلال حرشاوي في حديثه إلى «الأخبار». يقول: «لقد أعلن في شهر تمّوز الماضي تحرير بنغازي، ولكن العنف استمر، مع احتمال قويّ لاستمرار الهجمات الارهابيّة في المدينة، وذلك بالإضافة إلى ضبابيّة الجدول الزمنيّ للانتخابات وعدم تأكدها... ولا يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ توجد انقسامات داخليّة ضمن ما يسمى عمليّة الكرامة التي يقودها حفتر لاحتوائها على سلفيّين خطرين (في إشارة إلى المدخليين)، إلى جانب معتدلين وعلمانيين، تختلف آراؤهم بشأن كيفيّة إدارة المجتمع في مناطق مثل بنغازي وأجدابيا». ويتابع حرشاوي شارحاً أنّه «قبل سنة من الآن، كانت خطوط الصدع أقلّ وضوحاً، إذ كان الجميع منشغلين (بلغة الحرب)... الآن يقول ضباط حفتر إنّهم بصدد التحضر لتدخّل بريّ وشيك سيزيل مشكلة درنة، ولكنّ ذلك صعب الحدوث، فيما جنوباً تُذكِّر حالة سبها المنقسمة والمتوترة والمنذرة بالسوء بأنّ حفتر لا يسيطر هناك بأي حال من الأحوال». (أعلن أول من أمس، «اللواء السابع مشاة» التابع لوزارة الدفاع في حكومة السرّاج، إرسال قوات إلى مدينة سبها التي تشهد اشتباكات بين قبيلتي التبو وأولاد سليمان).
برغم كل ذلك، هل بإمكان حفتر البقاء مهيمناً؟ يبدو جلال حرشاوي غير قابل لهذه الفكرة، إذ يسعى إلى تفنيدها بالقول إنّ «ليبيا تُمثِّل مصلحة استراتيجيّة حيويّة لعدد قليل جداً من الدول الأجنبيّة المتدخّلة في حربها الأهليّة... نتيجة لذلك، تبدو البلدان الكثيرة المتدخّلة في عجلة من أمرها لرؤية نتائج ملموسة عاجلاً وليس آجلاً... الدول الخارجيّة تتعامل مع الأمر بالتساؤل عن قدرته على تسيير طرابلس التي يقطنُ فيها أكثر من نصف عدد سكان البلاد، فيما الحال أنّه يواجه صعوبات لناحية حلّ مشاكل الشرق والجنوب، ولناحية الوقت المطلوب لفعل ذلك. (بالتالي) ينتهي الأمر عمليّاً بالكثير من تلك العواصم الأجنبيّة بالتعامل مع فاعلين محليّين لا يريدون بالضرورة إطاعة حفتر». وبناءً على ذلك، يختتم المختص بالشأن الليبي: «مغزى القول هو أنّ مرور الوقت لم يعد في مصلحة حفتر من الناحية السياسيّة، ولا أظنّ أنّ عبارة صعوده في ليبيا، لا تزال صالحة كما كانت قبل عام أو عامين».

مستقبل «قذافيّ»؟

في انتظار تحرّك مسار الصراع الليبي من الأعلى من خلال احتمالات تقدّم المفاوضات السياسية التي ترعاها بعثة الأمم المتحدة، وإمكانية الوصول إلى انتخابات رئاسية يريدها حفتر أكثر من غيره، فإنّه ينشغل برفقة نجليه راهناً، في محاولة تعزيز قوته في الشرق، معتمداً على جيش تشقّه تناقضات عميقة، في ظل وجود حلفاء سياسيّين يتربّصون به بقدر ما يتربّص هو بهم. ومن الدلالات ربما على ارتباكٍ بات يُلاحق حفتر، ما صدر عنه في الحوار نفسه مع «جون افريك»، حين اعتبر أن بعضاً ممن وصفهم بـ«السذج» لا يزالون يؤمنون بسيف الإسلام القذافي، قبل أن يعود متحدث باسمه، في غضون يومين، إلى نفي ذلك.
هذا التصريح المرتبك قد يتحدث وحده عن العلاقة الشائكة وغير الواضحة تماماً بعد، بين حفتر و«القذافيين». إلا أنّه، بأي حال، يُحيل سريعاً إلى رواية شهيرة صدرت في الستينيات للألباني إسماعيل كاداره، بعنوان «جنرال الجيش الميت»، تتحدث عن جنرال إيطالي بعثته حكومته إلى ألبانيا بعد طرد قواتها من هناك في بدايات الحرب العالمية الثانية، بغية البحث عن رفات جنود بلاده، إلا أنّه يلقى مصيره في نهاية المطاف على يدي عجوز تقتله ثأراً لابنها، في تراجيديا تُعبِّرُ بصورة صارخة عن رفض التصالح والعودة... روايةٌ قد تفتح أفقاً لقراءة جديدة عن خليفة حفتر، الذي يسعى للوصول إلى أعلى السلطة، على أنقاض «جماهيرية» قائده الميت.




«لا يملك مشروعاً مجتمعياً»

يرفض أستاذ التاريخ المعاصر في «كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية» في تونس، رياض بن خليفة، القول إنّ لدى خليفة حفتر «مشروعاً مجتمعياً... كما كانت الحال بالنسبة إلى عمر المختار أو بورقيبة في تونس أو حتى عبد الناصر في مصر». ويشرح في حديث إلى «الأخبار» أنّ حفتر «ليس إلا ابن المنظومة القديمة... عسكري، متطبّع بطبائع الثقافة المحافظة».
ويعتبر بن خليفة في حديثه أنّ «عدم الوصول إلى اتفاق ليبيّ يعود إلى تدخّل أطراف إقليميّة بالمال والعتاد لنصرة طرف دون آخر، وهذا ما يجعل الفاعلين السياسيّين المحليّين يعتبرون أن التواصل مع القوى الاقليميّة ومع مراكز النفوذ الخارجيّة كفيل بتغليبها على منافسيها، وعليه فإنّ الليبيّين يخوضون حرباً بالوكالة لحساب مجموعات متصارعة للفوز بثروات البلاد وتركيز مناطق نفوذ لها». أما على المستوى الداخليّ، فـ«يرتبط تعثّر الحوار بصعوبة إيجاد آليات تواصل أفقيّة داخل النسيج المجتمعيّ، وهذا ناتج من ضعف أداء المجتمع المدنيّ، ومن تعثّر تركيز مؤسسات ديموقراطيّة محليّة ومن عدم قدرة الأفراد على الخروج من بوتقة الولاءات القبليّة، ويُضاف إلى ذلك ترسّخ السياسة الريعيّة طوال سنوات، ما جعل الليبيّين يفكرون بمنطق الغنيمة وليس بمنطق الدولة: الدولة أصبحت مركز تنافس وصراع وليس هيكلاً ينظم توزيع السلط».




في دارفور... «تعاون مع مصر»؟



في ظل كثرة الأحاديث في المراحل السابقة عن حاجة حفتر إلى عديد عسكري، فلا بدّ من الإشارة إلى أنّ للمشير الليبي روابط سياسية بالسودان، حيث يُقال إنّه يساعد متمردي إقليم دارفور هناك «وفق صيغة رابح ــ رابح». وثمة اتهامات متبادلة بينه وبين الحكومة السودانية، إذ فيما يتهمها هو «بالإرهاب والتدخل في الشأن الليبي»، ترفع الأخيرة في وجهه الاتهام «بدعم حركات دارفور». وفي حديث إلى «الأخبار»، تقول مصادر سودانية: «معلوم أنّ هذه الحركات تحارب كمرتزقة مع حفتر في ليبيا، وهو يكافئها بالسلاح والدعم»، مشيرة إلى أنّه «في منتصف أيار/ماي الماضي، قامت قوة من حركة اركو مناوي بشن هجوم كبير جداً في دارفو بعد فترة طويلة من الضعف، إلا أنّ الحكومة السودانية كشفت أنّ المعدات التي تم الاستيلاء عليها مصرية». ورغم نفي الخارجية المصرية، فإنّ حكومة الخرطوم «عرضت هذه المعدات علناً، فيما أرسل عمر البشير وزير خارجيته إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، محمّلاً إياه رسالة تصف المعدات وأرقامها، ما يؤكد أنّها مصرية». وتقول المصادر نفسها إنّ «القاهرة لم ترد... وحاولت بعد ذلك احتواء الموقف مع الخرطوم». ومن المعروف أنّ السودان القريب تاريخياً من قطر ومحورها، يتّهم حفتر بأنّه «يُواصل دور القذافي في زعزعة أمن إقليم دارفور».






كان حفتر (75 عاماً والمولود لأم مصرية) ضمن الضباط الذين دعموا القذافي عندما استولى على السلطة من الملك إدريس عام 1969. اليوم، وفي ظلّ ما يواجهه من تحديات، بخاصة ضمن فريقه، تنقل «رويترز» عن الباحث المقيم في الشرق، محمد الجارح، أنّ «التناحر ظهر... لأنّه إثر الاعلان عن تحرير بنغازي، اختفى العدو المشترك». وبينما يقول المبعوث الخاص الأميركي السابق إلى ليبيا، جوناثان وينر، إلى الوكالة نفسها، إنّ حفتر الذي التقاه عام 2016 «يرغب في رؤية قوس التاريخ يُصحح» بعدما «نُفي» عن ليبيا، فلعلّ التحديات التي تُضاف إليها مسألة سيف الإسلام، تجعل من حفتر يفعل «كما أيّ بدوي حين يرسم دائرة من حوله لينام ضمنها مطمئناً إلى عدم دخول الأفاعي والعقارب إليها»، كما تقول شخصية سياسية لـ«الأخبار».