كان بإمكان الدورة التسعين من جوائز الأوسكار أن تبقى في الأذهان كواحدة من أكثر دورات الاستعراض الهوليوودي الشهير رتابة وفتوراً. فقد اتسمت خيارات الجوائز في أغلبها بالنمطية، وجاءت خالية من أي تشويق أو مفاجآت. لكن النبرة النسائية التي تخللت الاحتفال أنقذت الموقف، وضخت في تسعينية الأوسكار نكهة نضالية كانت هوليوود بأمس الحاجة إليها، بعد الجدل الذي أثير العام الماضي، بسبب غياب أي فنانين من أبناء الأقليات عن ترشيحات أوسكارات 2017.
أضف إلى ذلك الهزة القوية التي احتاجت مصنع الأحلام الأميركي، في الخريف الماضي، على إثر فضيحة هارفي واينستين، التي رفعت الستارة عن قضايا التحرش والاعتداءات الجنسية التي طالما شكلت تابوهات لم يكن الاستبلشمنت الهوليوودي يسمح بخروجها إلى العلن.
حين اعتلت ثلاث من النجمات اللواتي اتهمن هارفي واينستين بالتحرش (سلمى حايك، آشلي جود، أنابيلا سكيورا) خشبة «مسرح دولبي» الذي يحتضن احتفال الأوسكار، كان واضحاً أن التابو الهوليوودي العتيد بات جزءاً من الماضي. لكن هذا الثلاثي الجريء لم يكتف بالمرافعة دفاعاً عن النضالات النسائية ضد التحرش، التي يجسدها حراك Time’s Up الذي ينتمين إليه، بل دعين الى «تثمين شجاعة جميع اللواتي والذين كانوا عرضة للتمييز والتفرقة بسبب جنسهم أو لونهم أو عرقهم، وكانت لديهم الجرأة بأن يحكوا معاناتهم بشكل علني».
هذه المرافعة من أجل التسامح وحقوق الأقليات، وجدت صداها في غالبية الفقرات الاستعراضية والغنائية التي تخللت الاحتفال. لكن اللحظة المميزة لتسعينية الأوسكار تمثلت، بلا منازع، في الخطاب الذي ألقته النجمة فرانسيس ماكدورماند، عند تسلّمها أوسكار أفضل ممثلة. ماكدورماند، التي سبق لها أن نالت الأوسكار ذاته، قبل عشرين سنة، عن دورها في فيلم «فارغو» (1996) لرفيق دربها جويل كوين، اعتلت الخشبة لتطلب من جميع النساء اللواتي كن مرشحات للأوسكار هذه السنة بأن يقفن، مما جعل القاعة تصفق لهن مطولاً. ثم أضافت مخاطبة منتجي هوليوود ومخرجيها: «انظروا إلينا. لدينا جميعاً حكايات نريد أن نرويها ومشاريع نبحث عن تمويل لتحقيقها». وختمت بمطالبة هوليوود بسنّ «بنود مساواة» إجبارية بين الرجال والنساء في عقود الإنتاج السينمائي.

نال «دانكيرك» ثلاثة أوسكارات... وخطفت فرانسيس ماكدورماند جائزة أفضل ممثلة

على صعيد سباق الجوائز، لم تخالف الدورة التسعون غالبية توقعات النقاد، التي كانت قد عكستها، قبل شهرين، جوائز «غولدن غلوبز»، التي تشكل عادة البارومتر الذي يعكس موازين القوى في معركة الترجيحات في السباق نحو الأوسكار.
وقد جرت العادة أن تشكل المفاجآت ملح الاستعراض الهوليوودي الشهير. لكن دورة هذه السنة شذت عن القاعدة. جاءت خيارات ناخبي أكاديمية مصنع الأحلام الأميركي مطابقة للإجماع النقدي الذي حققته أربعة أفلام رئيسية، وهي: «شكل المياه» (الأخبار 5/2/2018) للمكسيكي غييرمو ديل تورو، و«دانكيرك» للبريطاني كريستوفر نولان (الأخبار 29/7/2017)، وThree Billboards لمواطنه مارتن ماكدونا (الأخبار 26/2/2018)، و«أحلك الساعات» للبريطاني الآخر جو رايت (الأخبار 15/1/2018).
هكذا، وكما كان مرتقباً، عادت الصدارة الى «شكل المياه» (13 ترشيحاً)، فخطف الجائزتين الأبرز (أفضل فيلم وأفضل إخراج)، بالإضافة إلى أوسكاري أفضل موسيقى وأفضل ديكور. وحلّ «دانكيرك» ثانياً بثلاثة أوسكارات، وهي: أفضل مونتاج وأفضل مونتاج صوتي وأفضل ميكساج. أما Three Billboards، فقد حاز جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي لفرانسيس ماكدورماند، وجائزة ثانية تمثلت في أوسكار أفضل ممثل في دور ثانوي لسام روكويل، الذي أدى الى جانبها دور رجل شرطة عنصري أميركي.
من جهته، خطف فيلم «أحلك الساعات» جائزة أفضل ممثل في دور رئيسي لغاري أولدمان، عن أدائه المبهر في دور العملاق وينستون تشرشل. وكان بديهياً، والحال هذه، أن ينال الفيلم أيضاً جائزة أفضل ماكياج، بالنظر الى الجهد الخارق الذي حققه فريق الماكياج في إظهار ممثل نحيف وعصبي المزاج كغاري أولدمان في صورة تضاهي البدانة والرزانة اللتين اشتهر بهما تشرشل.
فيلمان آخران حازا أيضاً أوسكارين اثنين لكل واحد، وإن كان الأمر هنا يتعلق بجوائز أقل أهمية. فقد نال فيلم الأكشن Blade Runner 2049 جائزتي أفضل تصوير وأفضل مؤثرات بصرية، بينما نال فيلم التحريك Coco جائزتي أفضل فيلم تحريك وأفضل أغنية.
في النهاية، لم تفلت سوى جائزتين رئيسيتين فقط من رباعي الأفلام الأكثر ترشيحاً، وهما أوسكارا السيناريو بشقيه الأصلي والمقتبس. فقد كافأت هاتان الجائزان فيلمين نضاليين هما Get Out لجوردن بيل، شكل مرافعة ضد التمييز العنصري الذي ما زال راسخاً في المجتمع الأميركي، بينما انبرى Call me by your name للوكا غوادانينو للدفاع عن حقوق المثليين.
ختاماً، يبقى السؤال التقليدي حول نصيب العرب من أوسكارات هذه السنة. خلافاً للخيبات المعهودة، التي عادة ما تجعلنا نتحسر على خروج السينما العربية بخفي حنين من حصاد الأوسكارات، فإن العكس هو الذي حدث هذه السنة. فقد تنفسنا الصعداء، ارتياحاً لعدم فوز الأفلام العربية المرشحة بأي جوائز! كيف لا والأمر يتعلق هنا بفيلمين سيئي الصيت: فيلم نافس على أوسكار أفضل فيلم أجنبي، وهو «قضية رقم 23» لزياد دويري، الذي تبجح في أحد تصريحاته الصحافية بأن مشكلته ليست مع إسرائيل، بل مع حملة المقاطعة، وفيلم ثان نافس على أوسكار أفضل فيلم توثيقي، وهو «آخر الرجال في حلب» لفراس فياض، الذي فاخر بأنه نجح أخيراً في إقامة «عرض حر» لفيلمه هذا في… إدلب، مصوراً هذه المدينة على أنها واحة حرية لا مرتعاً لآخر ما تبقى في سوريا من فلول المتطرفين!