رغم الانتقادت العديدة التي طالت «الهدنة الإنسانية» المؤقتة التي تطبّقها دمشق وموسكو، لساعات محددة في غوطة دمشق الشرقية، دخلت أمس قافلة مساعدات إلى مدينة دوما عبر «المعبر الآمن» في منطقة مخيم الوافدين. وفي المقابل، لم تتوقف جبهات القتال في باقي مناطق الغوطة، أمس، بل بقيت المعارك على معظم المحاور التي اشتعلت خلال الأيام الفائتة، وطاول القصف المدفعي والجوي مواقع داخل الغوطة، في مقابل سقوط عشرات القذائف على أحياء دمشق ومحيطها.
القافلة التي تتألف من «46 شاحنة تقلّ حاجات طبية وغذائية، فضلاً عن طعام لنحو 27500 شخص» وفق إعلان مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، عبرت نحو الغوطة بالتوازي مع تبنّي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً يطالب بإدخال المساعدات بشكل عاجل إلى الغوطة، ويطالب بفتح تحقيق حول الأحداث التي تشهدها المنطقة. وهو ما بدا أنه توجّه من دمشق لتفريغ القرار من محتواه، خاصة مع تأكيدها في وقت سبق صدوره في المجلس أنها أعطت تصريحاً بدخول المساعدات إلى الغوطة من دون الحاجة إلى قرار أممي. ودخلت القافلة إلى مناطق سيطرة الفصائل المسلحة، بعد تفتيش على نقاط الجيش في مخيم الوافدين، ومنع عدد من المواد الطبية من العبور، وفق ما قالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، ليندا توم، التي دعت الأمم المتحدة إلى ضرورة إضافة تلك المواد إلى قافلة ثانية يُفترض أن تدخل الغوطة الشرقية الخميس.

طهران: السبيل لحل الأزمة السورية هو التواصل مع دمشق


وفي موازاة القافلة، مرّر مجلس حقوق الإنسان، في جلسته أمس، مشروع قرار قدمته بريطانيا، طالب بـ«فتح تحقيق شامل ومستقل في الأحداث الأخيرة في الغوطة الشرقية». وندّد بـ«استخدام أسلحة ثقيلة وغارات جوية على مدنيين دونما تمييز، واللجوء المفترض إلى أسلحة كيميائية في الغوطة الشرقية». القرار الذي سبق أن انتقده الرئيس السوري بشار الأسد، قبل تمريره، على اعتباره محاولة ثانية «لحماية الإرهابيين» بعد فشل الصيغة الأولى لقرار مجلس الأمن الخاص بتبنّي هدنة شاملة في سوريا، جاء بعد تجاهل أعضاء المجلس لجملة تعديلات طرحتها روسيا التي لا تتمتع حالياً بعضوية المجلس. ورغم أن القرار الصادر عن المجلس غير ملزم، فإنه سيضاف إلى حملة الضغط الكبيرة التي تقودها واشنطن وشركاؤها الأوربيون، ضد موسكو ودمشق، لا سيما أنه أشار إلى استخدام الأسلحة الكيميائية، «الخط الأحمر» المتفق عليه غربياً.
على الأرض، لم تؤثر الهدنة المؤقتة أو دخول القافلة على المعارك بشكل كبير، إذ استمرت الاشتباكات على محورين رئيسين في الغوطة، هما محيط بيت نايم وشمال حرستا، إذ تمكن الجيش من التقدم غرباً انطلاقاً من بلدة بيت نايم، ليسيطر أمس على بلدة المحمدية، في موازاة استمرار الاشتباكات على جبهة الأشعري القريبة. وفي محيط دوما القريب، استكمل الجيش عملياته شرق منطقة المستشفيات (البيروني والشرطة)، في محاولة لتوسيع الطوق حول مدينة حرستا من الجهة الشمالية الشرقية، أي على الطريق الواصلة بينها وبين دوما. وبالتوازي، استهدف الجيش عدداً من المواقع على أطراف مدينة دوما، في محاولة لمنع استهداف المستشفيات برصاص القنص، والحد من القذائف الصاروخية التي طاولت محيط الطريق الدولي، ووصلت إلى مستشفى تشرين. وتسبّبت القذائف الصاروخية في إصابة 15 مدنياً، في مستشفى تشرين وفي حي باب توما ومشفى ابن سينا في منطقة عدرا، إلى جانب القذائف التي سقطت في محيط مستشفى الشرطة وضاحية الأسد.
التحرك على الأرض ترافق مع حراك ديبلوماسي غربي واسع مع الجانبين الروسي والإيراني، إذ شدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، خلال اتصال هاتفي، على أهمية تنفيذ القرار الدولي «2401» المعني بالهدنة، بما في ذلك وصول المساعدات الإنسانية وإجلاء المصابين والمرضى. ورأى بيان الرئاسة الفرنسية أن روسيا وإيران «هما البلدان اللذان يستطيعان تحريك الأمور إذا التزما بذلك». وطلب ماكرون من نظيره تمكين قوافل المساعدات من «الدخول بدون عوائق ومن دون أي تأخير إضافي». المداولات الرئاسية الفرنسية ــ الروسية، ترافقت مع تصريح لافت من الرئيس الإيراني حسن روحاني، على هامش لقائه وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لودريان، في طهران، إذ قال، وفق ما أورد موقع الرئاسة الإيرانية الرسمي، إن «السبيل الوحيد لحلّ الأزمة السورية هو دعم الحكومة المركزية في دمشق». وترافقت هذه التطورات مع انتقادات من وزارة الخارجية الروسية للقرار البريطاني الذي تبنّاه مجلس حقوق الإنسان، إذ قالت في بيان إن «رفض قبول التعديلات التي تهدف إلى إدانة العمليات الإرهابية في سوريا، وقصف الأحياء السكنية... ودعوة الجماعات المسلحة إلى السماح للمدنيين بمغادرة الغوطة» دليل على دعم تلك الدول لتلك الفصائل. وفي السياق نفسه، أكدت وزارة الدفاع أن الولايات المتحدة الأميركية هي من يخرق قرار مجلس الأمن حول الهدنة، لكونها «لم تفعل شيئاً لكبح جماح المتشددين، الخاضعين لنفوذها في الغوطة الشرقية».
وبعيداً عن الغوطة، تتابع القوات التركية عمليتها العسكرية في منطقة عفرين، وسط تقدم لافت وضعها على أعتاب مركز ناحية شران ومنطقة كفرجنة التي سبق أن استضافت مركز القوات الروسية في عفرين سابقاً. وتبرز أهمية هذا التقدم للجانب التركي، لكونه يضع الجيش التركي والفصائل المتحالفة معه على بعد أقل من 15 كيلومتراً عن مدينة عفرين، ويعطيه المجال للسيطرة على مركز الناحية الرابع في منطقة عفرين، بعد بلبل وراجو وشيخ الحديد. وجاء ذلك بالتوازي مع وصول تعزيزات تركية جديدة إلى منطقة لواء إسكندرون، قبل انتشارها على محاور القتال الغربية في عفرين. وبالتوازي، شنّ سلاح الجو التركي عدة غارات في محيط ناحية جنديرس، تسبّبت في استشهاد وإصابة عدد كبير من المدنيين. وأفادت مصادر في مشفى عفرين بأنه تم استقبال 22 جريحاً أغلبهم من الأطفال، موضحة أن أغلب تلك الإصابات «خطرة جداً»، في حين لم تؤكد المصادر عدد الشهداء من المدنيين في الغارات التي استهدفت مركز ناحية جنديرس.
(الأخبار)