في كانون الأول الماضي، غرّد الأمين العام للحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد، كاتباً: «حقوق الطائفة العلوية في لبنان، ستكون حربنا المقبلة، سنستعيدها بكل الوسائل، فالحق لا يُعطى، بل يؤخذ». كانت تلك التغريدة التي مهّدت لموقف اللجنة السياسية في «الحزب»، الذي صدر في 26 شباط الماضي، بأنّ الحزب الذي يُمثّل «الشرعية السياسية» للطائفة العلوية في لبنان، قرّر «عدم ترشيح حزبيين إلى هذه الانتخابات.
وسيُصدر موقفه المُناسب في الوقت المُناسب بهذا الشأن». فالمعادلة التي يطرحها «العربي الديمقراطي» هي ربط موقفه من الانتخابات النيابية، بحلّ ملفّ مُبعدي أحداث جبل محسن ــ باب التبانة، الذين يبلغ عددهم حالياً قرابة ٣٥ شاباً، وكلهم في سوريا. أما وقد تبيّن لعيد أنّ هدفه قد لا يتحقّق، فقد قرّر «بالتشاور مع القيادة السورية وبقية الحلفاء»، بحسب معلومات «الأخبار»، اتخاذ هذه الخطوة.
حزب النائب الراحل علي عيد، الذي «تحدّى» قرار اللواء الراحل غازي كنعان في دورتَي الـ1996 والـ2000، وترشح إلى الانتخابات بوجه النائب الراحل أحمد حبوس، قرّر للمرة الأولى، منذ عام 1992، عدم ترشيح أحد إلى النيابة. علماً أنّه في ظلّ القانون النسبي، كانت الفرصة متاحة لـ«العربي الديمقراطي» لاستعادة المقعدين العلويين في طرابلس وعكار، بعد أن تمكّن تيار المستقبل من الاستئثار بقرارهما بفضل القانون الأكثري منذ عام 2005 حتى الآن.

الحزب العربي: قد نكون ضحّينا بالمقعدين العلويين، ولكن تنازلنا من موقع القوي



البيان الأخير الصادر عن الحزب كان «مُفاجئاً»، لأنّ قيادته كانت تُصر على ترشيح أشخاصٍ عن أحد المقاعد السنية والمسيحية والعلوية في عكار، والمقعد العلوي في طرابلس. لم يكن الهدف فقط «استعادة المقعدين العلويين، بل التأكيد أيضاً على الامتداد الوطني للحزب، العابر للطوائف». قبل أن يتبين لرفعت عيد أنّ «المصلحة العامة تقتضي عدم ترشيح أحد». الانتخابات النيابية من وجهة نظر عيد هي «فرصة للتفاوض من أجل استرداد حقوق الطائفة، وإنهاء ملف المُبعدين». خلال التواصل مع القوى السياسية، «أصبح كلّ طرف يريد أن يُسوق الأسماء الأقرب إليه، على حساب خيار العربي الديمقراطي». أمام هذا الواقع، قرّر عيد أن «يتحرّر من التضييق. لا يُريد أن يُفاوض على مقعد نيابي، إذا خسره لا يكون قد استفاد شيئاً، وفي حال ربحه قبل تحقيق مطلبه، لن يعود هناك أحدٌ مُتحمس لحلّ هذا الملف».
وأضاف عيد، بحسب المعلومات، أنّه بقراره عدم ترشيح أي حزبي، «نكون قد حرّرنا من يعتبر أن وجودنا يُحرجه».
لا يُمكن فصل قرار الحزب العربي الديموقراطي عن مباحثات الأشهر الماضية، المُتعلقة بالانتخابات النيابية، ولا سيّما وجود رأي داخل فريق 8 آذار كان يلمّح إلى أنّ تيار المردة هو الذي سيُسمي المُرشح عن المقعد العلوي في طرابلس، بالتشاور مع «العربي الديمقراطي». عُدَّ ذلك حلاً لإنهاء مشكلة السياسيين في طرابلس، الذين يريدون أصوات «البلوك العلوي» (يبلغ عدد الناخبين المُسجلين قرابة 30 ألفاً بين طرابلس وعكار) من دون أن يكون هناك مُرشح محسوب على آل عيد. لهذا السبب، وصف خصوم الحزب العربي الديمقراطي والحلفاء على حدّ سواء، قرار اللجنة السياسية بـ«الذكي».
لا يوافق الحزب العربي على ما تقدّم، مُصراً أولاً على أنّ «الحلفاء يتمنون علينا ولا يفرضون شيئاً». هناك إدراك بأنّه «قد نكون ضحينا بالمقعدين العلويين، ولكن نرى أنّنا تنازلنا من موقع القوي، وظهرنا اليوم محمي أكثر من قبل. فالكتلة الناخبة التي نؤثر عليها لا تزال موجودة، وكلّ الخيارات مفتوحة لتجييرها للائحة التي نراها الأحسن». عدم المشاركة في الانتخابات ترشيحاً، «لا يعني خروجنا من اللعبة. فما يهمنا هو مرحلة ما بعد الانتخابات».
في جبل محسن، عددٌ كبير من المرشحين، لا تكاد الشوارع والأعمدة تتسع لصورهم. إضافة إلى لافتات، يُقال إنّ المرشح عبد الخالق عبد الخالق، (عاش فترة طويلة خارج «الجبل»)، هو من رفعها، وعليها شعار: «بدنا نائب من سكان جبل محسن». وجود رفعت عيد في سوريا، وانكفاء «العربي الديمقراطي» عن الترشح إلى الانتخابات، والأصوات المعترضة على سياسة «الحزب الحاكم» في جبل محسن التي تجد بيئة لها منذ فترة، كلّها عوامل ستدفع إلى تدني تأثير آل عيد في الانتخابات. يُنكر «العربي الديمقراطي» ذلك، فمنذ أن «صدر البيان، لم يبقَ أحد من المُرشحين إلا وزار المكتب، طالباً الدعم». سكان جبل محسن «يعترضون على الحرمان وغياب الحاجات الأساسية، وليس على المواقف السياسية»، يأتي الآن رفعت عيد «ليربط نفسه بحقوق الطائفة، والتصويت سيكون من أجل استعادتها».
معظم اللوائح تراهن على الصوت العلوي، وكثيرون يتمنون أن تجيّر لهم، لكن لا أحد يستطيع أن يطلب ذلك علناً، حرصاً على عدم استفزاز جمهور من لون مذهبي آخر. إنها الانتخابات.