بات تحقيق هدف العمليات العسكرية التي يشنها الجيش السوري في الغوطة الشرقية بفصل جيب سيطرة المسلحين إلى قسمين، مسألة وقت فقط. بلدة مديرا ــ وبعض بساتينها ــ بقيت الفاصل الوحيد بين قوات الجيش المتقدمة من عمق الغوطة غرباً، وبين الوصول إلى إدارة المركبات. إذ تقلصت المسافة الفاصلة بين الطرفين أمس إلى كيلومترين اثنين فقط، بعد سيطرة الجيش على بلدة بيت سوا.
اكتمال خطة الجيش سيغيّر الواقع الميداني كثيراً، متيحاً في الوقت نفسه، فرصة مهمة ــ وربما أخيرة ــ للفصائل المسلحة لعقد تسوية مع القوات الحكومية. فطبيعة الصعوبات التي تعرقل مسار التسويات ستتغيّر مع عزل «جيش الإسلام» في دوما عن «فيلق الرحمن» و«جبهة النصرة» في عربين وجوبر ومحيطهما. وبرغم الرفض المعلن من الفصائل المسلحة لصيغة التسوية التي تطرحها دمشق وموسكو، فهي سبقت أن أعلنت استعدادها لإخراج «النصرة» من المنطقة في رسالة وصلت وفود الدول الأعضاء في مجلس الأمن بطريقة غير رسمية.
وبعد تعثّر إقرار «الهدنة الشاملة» على قياس القرار «2401»، شهدت جلسة مجلس الأمن أمس، محاولة لإحياء عرض الفصائل المسلّحة حول إخراج «النصرة» ووقف إطلاق النار وإيصال المساعدات. التحرك الأوروبي داخل المجلس جاء أمس لدعم هذا التوجه، في موازاة تقدم سريع للجيش السوري في الغوطة، وفرضه السيطرة على نحو نصف مساحة الجيب الذي سيطرت عليه الفصائل المسلحة قبل بدء العمليات العسكرية الأخيرة (مع تركز للكتل العمرانية والتجمعات السكنية في المناطق التي ما زالت خارج سيطرة الجيش). فإلى جانب سيطرته على بلدة بيت سوا أمس، تقدم في جنوب شرق منطقة الريحان، وفي محيط حوش الأشعري، إلى جانب سيطرته على عدد من المزارع في شرق منطقة المستشفيات شمال حرستا.

وصلت القوات
التركية إلى بعد
نحو 7 كيلومترات
من مدينة عفرين
ومن المتوقع أن يركز الجيش عملياته حالياً لوصل محاور القتال عبر مديرا، وإكمال تقسيم جيب الغوطة، في انتظار ما قد يفضي إليه مسار التسويات الذي قد يحظى بقبول دوليّ، ضمن شروط محددة تحافظ على هياكل الفصائل المسلحة (عدا جبهة النصرة) داخل الغوطة. ويساعد تحرّك بعض أهالي بلدات الغوطة، ومطالبتهم بدخول الجيش السوري إلى البلدة من دون معارك، في دفع مسار التسويات، ولا سيما أن دمشق مصرّة على حسم ملف الغوطة، بأي الطريقتين. وتأتي تلك التطورات فيما ينتظر أن تدخل قافلة مساعدات جديدة إلى مدينة دوما من معبر مخيم الوافدين، وفق المقرر. وبينما لم تخرج أية تصريحات حتى مساء أمس، تنفي إمكانية دخول القافلة، أكد عدد من أعضاء مجلس الأمن، خلال جلسة أمس المغلقة، ضرورة التزام وقف إطلاق النار لفسح المجال أمام القافلة للدخول وتفريغ حمولتها من دون عراقيل. وقال المندوب الفرنسي فرنسوا ديلاتر، قبيل الجلسة، إن من الضروري أن توافق دمشق على التصاريح اللازمة لأي قافلة إنسانية «وهذا ليس هو الحال الآن». ونقلت وكالة «فرانس برس» عن ديبلوماسيين، قولهم إن باريس اقترحت خلال الأيام الماضية، إنشاء آلية لمراقبة الهدنة المفترضة وفق القرار الدولي. ووفق وكالة «رويترز»، فقد ناشد منسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، علي الزعتري، الحكومة السورية في رسالة إلى نائب وزير الخارجية فيصل المقداد، السماح بدخول قافلة مساعدات تحوي أيضاً إمدادات طبية، كانت قد منعت في القافلة التي دخلت الاثنين الماضي. الطلب الأممي من دمشق ترافق بتصعيد شنّه المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في المنظمة، زيد بن رعد الحسين، ضد الحكومة السورية، واصفاً حال الغوطة الشرقية بأنها «جحيم على الأرض»، ومجدداً مطالبته بـ«إحالة الملف السوري على المحكمة الجنائية الدولية».
وفي موازاة النشاط الأممي، بحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الإيراني حسن روحاني، في اتصال هاتفي، تطورات الوضع السوري، وخاصة الغوطة الشرقية. وأوضحت مصادر في الرئاسة التركية أن الرئيسين ناقشا جهود تطبيق وقف إطلاق وتحضيرات القمة التركية ــ الروسية ــ الإيرانية، المقرر عقدها في إسطنبول في نيسان المقبل. وجاء الاتصال بعد نقاش جمع ممثلين عن الدول الثلاث، والمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، بعض التفاصيل حول مساري أستانا وسوتشي. وهو ما أشار إليه دي ميستورا، في كلمته أمس أمام مجلس الأمن، إذ أشار إلى أنه اقترح تشكيل لجنة أممية تتابع ملفات، سبق أن نوقشت في أستانا من دون حسمها، مثل ملف المعتقلين. ولفت إلى أن النقاش تطرّق إلى موضوع تشكيل اللجنة الدستورية، والعراقيل التي برزت منذ إقرارها في سوتشي.
وبعيداً عن تطورات الغوطة، تابعت القوات التركية والفصائل المسلحة العاملة معها، التقدم في محيط مركز ناحية شران، في عفرين، حيث سيطرت أمس على بلدة كفرجنة، التي كانت سابقاً مقرّاً للقوات الروسية، وعلى قرية مشعلة القريبة منها، والتي تبعد نحو 7.3 كيلومترات عن مدينة عفرين. وتشرف البلدة على الطريق الرئيس المتجه نحو المدينة، وتمهّد السيطرة عليها الطريق للتقدم من دون مواجهة مراكز عمرانية كبيرة. وبالتوازي، صعّدت القوات التركية من عملياتها على أطراف ناحية جنديرس، في مسعى لدخولها والتقدم نحو عفرين من الجهة الجنوبية الغربية، تمهيداً لحصارها شبه التام.
(الأخبار)