في كل مرة يتذكر أحد المساحات الخضراء التي بقيت في لبنان وموضوع حماية بعض المواقع نعود للتذكير أيضاً، ما انتفاع البيئة والأجيال القادمة من فكرة حماية مواقع من الإنسان، إذا لم يكن هذا الأخير مقتنعاً بأن نظام حياة الغابة هو جزء من نظام حياته أيضاً، وأنه نوع من ضمن أنواع أخرى في الطبيعة لها مساحتها وموائلها كما له مساحته وبيته؟!
ولطالما طرحنا السؤال الحرج: هل مفهوم الحماية والمحميات يشجّع الإنسان على حب الطبيعة أم يبعده عنها؟ وهل ترسيخ هذا الانفصال بيننا وبين الطبيعة مفيد لكلينا؟
ثم في ظلّ التغيرات المناخية التي تنتظرنا، يُعاد طرح آخر: ما الذي يجب حمايته بعد اليوم في ظلّ التغيرات المناخية؟ ما هي النباتات التي تصمد وتلك التي لن تصمد مع ارتفاع درجات الحرارة المتوقعة؟ ما هي الأنواع التي تجب حمايتها وتلك الممكن التضحية بها؟ من يستطيع أن يحدد خيارات مصيرية كهذه تتعلق بحياة الكائنات ومقومات الحياة كل الأنواع التي نعرفها والتي لا نعرفها؟

تغيّر المناخ بين الوزارات

تتوقع الدراسات الجدية التي صدرت في السنوات الأخيرة أن يكون هناك تأثيرات كبيرة وخطيرة على المساحات الخضراء في لبنان عامة وعلى المياه والزراعة والأمن الغذائي بشكل عام. وقد كتب الكثير حول هذا الموضوع في السنوات الأخيرة. إلا أن الموضوع الذي لقي اهتماماً أقل، هو مدى تأثير تغيّر المناخ، على الغابات والأحراج والتنوع البيولوجي عامة. فكيف ستتم دراسة هذا الموضوع وما هي السيناريوهات المحتملة؟ ما هي الأنواع من الأشجار والنباتات البرية القادرة على التأقلم وتلك غير القادرة؟ وما الذي يمكن فعله؟ ماذا عن عمليات التحريج وإعادة التحريج التي تحصل منذ سنوات؟ وهل تم الأخذ بالاعتبار هذه القضية عند اختيار أنواع الشتول المقاومة للتغيرات المناخية ولا سيما لارتفاع درجات الحرارة لأكثر من درجتين مئويتين، كما هو متوقع؟
قد يجادل البعض بأنه لا توجد أيّ فائدة من حماية أحد الأنواع من مخاطر مباشرة، عندما تكون قدرتها على البقاء على المدى الطويل موضع شك. وإذا لم يقم المخطّطون البيئيّون باستعمال الموارد بصورة فعّالة لزيادة حماية التنوع الحيوي والمَوَاطن الطبيعية من المهدّدات الحالية، قد لا يتبقى إلا القليل لحمايته من تأثيرات الاحتباس الحراري خلال 50 إلى 100 عام من الآن.
ولعل أفضل ردّ فعل للاحتباس الحراري... ليس التغلب على تَرَاجُع منتظم، وحماية الأقوى، لكن التعامل مع التغير المناخي باعتباره واحداً من مجموعة مشكلات، يجب التعامل مع كل واحدة منها بمهارة؛ بهدف المحافظة على التنوع الحيوي. وفي بعض الأحيان، قد يكون التغيّر المناخي هو الخطر الذي يستدعي إجراءات عاجلة؛ وفي أحيان كثيرة لا يستدعي تلك الإجراءات.

فشلت البيئة في كيفية
سحب ملفات الصيد والتحريج ومكافحة الحرائق من الزراعة

فبدل الانشغال والاهتمام بهذه المواضيع الجوهرية والمصيرية، انشغلت أوساط وزارتي البيئة والزراعة بالصراع على الصلاحيات بين الوزارتين أثناء مناقشة مشروع قانون المحميات الطبيعية الذي تم اقتراحه عام 2014.
مشروع القانون المحميات الطبيعية تم وضعه في عام 2014، وهو يتمحور حول موضوع الحفاظ على التنوع البيولوجي والمحميات الطبيعية، ولقد قوبل بملاحظات كبيرة من قبل وزارة الزراعة. أما في مجلس النواب فقد انقسمت الآراء بين من يريد أن لا يكون هناك "محمية طبيعية" إلا بقانون في مجلس النواب، بإشراف وزارة البيئة مع الإشارة إلى أن الكثير من الجهات المانحة الدولية باتت تشترط أن لا تستفيد الدول من أيّ معونات للمحميات إلا إذا كانت وفق قانون. وبين من يقول إن هناك مواقع طبيعية لا تحتاج إلى قانون بل تحتاج الى مرسوم، وهناك غابات محمية لا تحتاج إلى قانون، تحتاج إلى مرسوم أو قرار وزير...إلخ إلا أن المشكلة الأساسية كانت ولا تزال قضية صلاحيات بين وزارتي البيئة والزراعة. في الحقيقة يفترض أن تكون إدارة الحياة البرية عند وزارة البيئة وليس عند وزارة الزراعة، إلا أن وزارة البيئة لم تقدم مرة رؤية شاملة واستراتيجية متكاملة حول كيفية إدارة هذا الملف الذي يتقاطع تاريخياً مع مهام وزارة الزراعة. وقد خاضت وزارة البيئة معارك متفرقة تاريخياً لانتزاع صلاحيات وملفات كانت حتى بداية التسعينيات من صلاحيات وزارة الزراعة ولم تنجح في معظمها.

الصيد نموذج غير ناجح

بين عامي 2003 و2005 انتزعت وزارة البيئة من وزارة الزراعة ملف الصيد البري وتركت لها البحري، دون مبررات كافية استراتيجية. وتم تعديل القانون الصيد البري، ولم تصدر مراسيمه التنظيمية إلا العام الماضي مع فتح "موسم الصيد" لأول مرة! من دون أن يكون في هذا الانتقال قفزة نوعية في المقاربة، تختلف جذرياً عن إدارة وزارة الزراعة، وقد لزمت معظم هذه القضية إلى القطاع الخاص دون تحقيق أيٍّ من الأهداف الاستراتيجية في تغيير الثقافة الشعبية من ثقافة الصيد والقنص غير المستحبة بيئياً الى ثقافة الحفاظ على التنوع عبر تشجيع تصوير الطيور بدل قتلها على سبيل المثال.

الفشل في إعادة التحريج

وكذلك الأمر بالنسبة إلى ملف إعادة التحريج الذي انتزعت قسماً من تمويله العام من وزارة الزراعة الى وزارة البيئة، منذ أن تولى حقيبة وزارة البيئة الوزير ميشال موسى. فبالرغم من أن لوزراة الزراعة مشاتل وخبرة وإمكانيات كبيرة مادية وبشرية وتاريخية للقيام بهذه المهمة، تم تحويل الملف دون دراية أو دراسة إلى وزارة البيئة، التي فشلت في محاولاتها الأولى حين لزمت هذه العملية أيضاً إلى القطاع الخاص، ففشل أول مشروع، دون أن تحصل مراجعة عميقة لهذا الموضوع. كما فشلت عمليات إدارة حرائق الغابات التي لزمت إلى جمعيات شبيهة بعمل القطاع الخاص، وقد اشترت إحداها طائرات لإطفاء حرائق الغابات بمبالغ عالية، وقد ضاعت لضعف الإطار الاستراتيجي والخطط المتكاملة وضياع المسؤوليات وتضارب الصلاحيات...إلخ

...والمراقبة والمكافحة

بالنسبة إلى ملف مكافحة حرائق الغابات وملف مراقبة الغابات، لا تزال وزارة الزراعة، حتى آخر اجتماع لمجلس الوزراء أمس، تقترح تعيين مأموري أحراج. صحيح أنه كانت هناك شكوى تاريخية من فساد ما في هذا المجال ساهم في عدم توقيف متّهم واحد تاريخياً كمفتعل حريق أو التجار الكبار للحطب الذين يقطعون أوصال الغابات بطرق همجية، وقد اقتصرت العقوبات على صغار الحطابين والفحامين، الذين كان يفترض تشجيعهم ودعمهم بدل معاقبتهم، لأنهم يعرفون أكثر من غيرهم كيف يقطعون ويحمون في نفس الوقت وكيف يحافظون على ديمومة حياة الحرج أو الغابة.
ففي هذا الملف لم تُحسن وزارة البيئة إظهار نفسها بأنها البديل الجدير بإدارة التنوع البيولوجي في لبنان، لا من خلال إدارة المحيات ولا من خلال اقتراحات إدارة الأحراج المتبقية، ما أضعف موقفها أثناء مناقشة مشاريع قوانين متفرقة، الصيد البري حينا، والمحميات الطبيعية وإدارة حرائق الغابات أحياناً أخرى.




تعدّد المواقع... على قلّتها


يقول وزير البيئة في بيان له أمس إن عدد المحميات الطبيعية في لبنان أصبح 15 محمية طبيعية، وهي: "جزر النخل وإهدن وأرز الشوف وتنورين وبنتاعل وشننعير واليمونة وادي الحجير وأرز جاج ورامية وكفرا ودبل وبيت ليف وكرم شباط، إضافة إلى محميات اليونسكو للمحيط الحيوي أرز الشوف وجبل موسى وجبل الريحان". إلا أن رئيس لجنة البيئة النيابية كان قد أكد في جلسة اللجان النيابية المشتركة لدراسة مشروع قانون المحميات في 9/1/2018، وجود 8 محميات طبيعية أنشئت بقانون، و24 موقعاً طبيعياً، و5 أنواع من المحميات و12 غابة محمية.