خاص بالموقع- أوقف سائقون ارتسمت علامات التوتر على وجوههم الشاحبة شاحناتهم عند بوابة أونكوبينار الحدودية في تركيا، استعداداً لسلوك الطريق الذي يخشونه جنوباً إلى سوريا. منذ انحازت تركيا أواخر العام الماضي إلى جانب المتظاهرين المناهضين لحكومة دمشق، أصبح سائقو الشاحنات الذين يسلكون الطريق بين الحدود ومدينة حلب السورية هدفاً سهلاً للموالين للأسد. ويسافر سائقو الشاحنات في قوافل لتأمين أنفسهم بكثرة العدد. يقول ظافر ايدينجولر، رئيس رابطة النقل في مدينة غازي عنتاب التي تقع جنوب شرق تركيا على بعد 100 كيلومتر شمالي حلب، إنهم «يفضّلون أن يدخلوا سوريا معاً، لأنه جرى إطلاق النيران على عرباتهم ورشقها بالحجارة».
وطالب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان باستقالة الأسد الذي كان صديقه ذات يوم، وفي تشرين الثاني أصدر أمراً بفرض عقوبات اقتصادية تستهدف حكومة الرئيس السوري.
وشملت هذه العقوبات تجميد أصول للحكومة ومنع دخول مسؤولين كبار وتعليق تعاملات مالية. وعلى الرغم من استمرار التجارة بين تركيا وسوريا، تبحث أنقرة عن طرق نقل بديلة لتصدير السلع إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، وتقدّر أن هذا سيصيب سوريا بخسائر تتجاوز 100 مليون دولار سنوياً، على شكل رسوم للنقل.
وردت الحكومة السورية بفرض تعريفة جمركية نسبتها 30 في المئة، وسحبت هذا الشهر موظفي قنصليتها في غازي عنتاب، وهي تاريخياً إحدى البوابات من الأناضول إلى الشرق الأوسط.
وغازي عنتاب هي سادس أكبر مدينة في تركيا، ويتجاوز عدد سكانها مليون نسمة، وفيها صناعات بدءاً من الأغذية والمنسوجات وانتهاءً بالكيماويات. وقد تضررت بشدة من جرّاء تردّي العلاقات الاقتصادية مع سوريا.
وفي حين لم تزد صادرات المدينة إلى سوريا في ما سبق عن نحو 150 مليون دولار، فإنها انخفضت إلى الثلث تقريباً منذ بدء الاضطرابات في سوريا، وفاقم من خسائر غازي عنتاب تراجع أعداد الزائرين من سوريا.
وكان نحو 60 ألف سوري يعبرون الحدود شهرياً، ما يوفر نحو مليار دولار سنوياً لغازي عنتاب ولاقتصاد المنطقة الحدودية. وانخفضت أعداد الزائرين من سوريا الآن إلى نحو ألف شخص شهرياً.
وقال محمد أصلان، رئيس الغرفة التجارية لغازي عنتاب، «الفنادق التي كان الناس يقيمون فيها، والمطاعم التي كانوا يأكلون فيها، والمراكز التجارية التي كانوا يتسوّقون منها... كل التجار تأثّروا سلباً»
وتقع غازي عنتاب بعيداً عن الأجزاء الغربية الثرية من تركيا، وهي واحدة من مدن الأناضول التي كانت الأكثر استفادة من الطفرة الاقتصادية التي شهدتها البلاد على مدى السنوات العشر الماضية.
وتبدو ثروتها الجديدة واضحة في كثرة الفنادق الجديدة والمباني الإدارية، وفي متحف بنته المدينة لعرض مجموعة هائلة من الفسيفساء الرومانية تعدّ أحد أهم مصادر جذب السائحين.
كان الزوار السوريون يتدفقون على مطعم (إمام تشاغداش) الذي تأسس عام 1887 لتذوّق البقلاوة بالفستق والعسل التي يقدمها، لكنهم ما عادوا يزورونه الآن. ويقدر مالك المطعم برهان تشاغداش أنه كان يستقبل 100 زبون سوري في الأسبوع تقريباً، لكنه الآن لا يستقبل أكثر من عشرة.
وقال تشاغداش «الآن يقولون إنهم يشعرون أن تركيا انقلبت على سوريا. يحزنني أن أرى هذا لأننا جيران».
وقال ايدينجولر، رئيس رابطة النقل، إن عدد العربات التي تدخل سوريا انخفض بنحو 60 في المئة منذ بدء الاضطرابات، بسبب تزايد المخاطر الأمنية وتضاعف الرسوم الجمركية، ما دفع سائقي الشاحنات إلى القيام برحلات أطول من خلال العراق لخدمة أسواق الشرق الأوسط.
في الغرفة التجارية بكيليس، وهي بلدة تركية يسكنها 120 ألف نسمة، على بعد أقل من نصف ساعة بالسيارة من الممر الحدودي، جلس رجل الأعمال محمد اردال اونديس حزيناً لانقلاب العلاقات بين تركيا وسوريا رأساً على عقب، وقدّر أن التجارة بين منطقته وسوريا انخفضت بمقدار ثلاثة أرباع تقريباً.
وقال أونديس «كنا أصدقاء وأصبحنا أعداءً... التجارة في وضع سيّئ جداً في الوقت الحالي. منطقتنا تعتمد على سوريا تماماً والتجارة تراجعت».
وأضاف أن رسوم دخول شاحنة إلى سوريا وصلت إلى 2500 دولار بعد أن كانت 300 دولار تقريباً، قبل تفجّر الاضطرابات في مارس آذار.
كانت تركيا تقليدياً أكبر شريك تجاري لسوريا، وبلغ حجم التجارة الثنائية 2.5 مليار دولار عام 2010 . ولكن على المستوى الوطني، لم تكن سوريا بالقدر نفسه من الأهمية لتركيا. وبلغت صادرات تركيا إلى سوريا 1.6 مليار دولار عام 2011، وهو جزء صغير من مجمل صادرات تركيا العام الماضي التي بلغت 135 مليار دولار وفقاً لبيانات رسمية تركية.
وانخفضت الصادرات إلى سوريا نحو 30 في المئة عنها قبل ذلك بعام في الأشهر القليلة الماضية. لكن رجال أعمال يقولون إن الرقم لا يعبّر عن الأثر الحقيقي الذي خلّفه تعطّل طرق الشحن على الشركات التركية في المنطقة الحدودية.
وقال أصلان «في السعودية على وجه الخصوص أصبح لدينا مجالاً ملموساً في قطاع السجاد. الآن نحاول إيصال طلبيات السجاد من مرسين إلى الإسكندرية ومن هناك عن طريق قناة السويس إلى السعودية. هذا يؤدي إلى زيادة في التكاليف والوقت».
في كيليس تنتشر مخاوف على نطاق واسع من احتمال إقامة لاجئين سوريين قرب البلدة. ويرجع السبب في هذه المخاوف إلى أنه قد يجري نقل 7500 لاجئ سوري من مخيمات للإغاثة في هاتاي إلى مخيمات قرب كيليس، ما سيؤدي الى إغلاق المعبر الحدودي.
وقال عابدين باتلار (58 عاماً)، وهو مسؤول في الحكومة المحلية، «لا نريد أن يأتي لاجئون إلى هنا. أهلنا في وضع سيّئ. يكسب نحو 15 ألف شخص قوتهم من هذا المعبر الحدودي».

(رويترز)