دولة «الفان»

انتظرتُ مرور واحدٍ من بينهم، وما إن لمحت الورقة الملصقة على باب «الفان» (ميكروباص) الداخلي من الجهة المقابلة، حتى أومأتُ له وركبت. كان هناك خمسة أو ستة ركاب تقريباً إضافة إلى الراكب إلى جانب السائق. اصطنعت أنني لم أرَ الورقة التي تحدّد اليوم (الاثنين) بداية لتقاضي أجرة 1500 ليرة من الركاب، إلا بعد برهة. «ما هذا»؟ سألت السائق، والتفتُّ خلفي كأنني أطلب مساعدة على الفهم من الركاب أيضاً. يبدأ السائق بالشرح وهو متوقف على الإشارة الحمراء: «هيدي والله يا حجّة، قرار من النقابة، قالولنا بتلزّقوا هالأوراق وبتاخذوا 1500 من الركاب.. ما منعرف نحنا قالولنا هيك». أقول له: «عفواً، ولكن أليس هذا الرفع للأجرة غير قانوني؟ فقرار كهذا ليس بإمكانكم أن تتّخذوه وحدكم، بل يجب أن يُرفع إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه؟ كيف ترفعون أجرة الراكب «من راسكم؟ شو فالتة حبيبي؟» يعود الشاب، وهو في أوائل عشريناته، إلى الإجابة ولكن براحة مَن سيتقاضى ألف وخمسمئة ليرة في النهاية، يقول «والله ما إلنا دعوى.. هيك النقابة بدها». التفتُ إلى الركاب خلفي وأسألهم إن كانوا سيدفعون الزيادة غير المشروعة؟ يحسّ السائق الشاب بالخطر، ولكن ماذا باستطاعته أن يفعل؟ تقول لي السيدة المحجّبة خلفي باستسلام المُتعَب: «شو فينا نعمل؟ بدنا نوصل ع أشغالنا. لا في سيارة ولا في تران». لا أعرف من أي ذاكرة أخرجت كلمة التران (أي القطار)، عندها قلت: «أما أنا حبيبتي.. فمش دافعة. نزّلني إذا بتريد هون». يغضب السائق الشاب، كمَن تلقّى إهانة شخصية، وهي سمة أغلبية السائقين حين تجادلهم بالبدل المادي. فلسبب ما يعتبرون أن هذا الأمر مهين لهم، كأنَّ «المصاري» آخر ما يتوخّونه من العمل، خاصة من «حجّة مودرن» مثلي، لا يبدو عليها أنها تفتقر إلى خمسمئة ليرة. وللحظة مرّت في مخيّلتي كمية القصص التي سيرويها الشاب في ما بعد عن هذه الراكبة التي يبدو عليها أنها «مرتاحة» لكنها لم تدفع زيادة الـخمسمئة ليرة. وهي روايات لطالما سمعتها من حراس المحلات عن كيف أن «الذوات أكتر شي بيسرقوا مش الفقرا». يقول السائق بشيء من التوتر وقد همَّ بالإقلاع: «وبلا الألف كمان»، يقصد الأجرة الأصلية، فأجيبه: «عيني، القصّة مش شخصية، ما خصّك انت بالموضوع: الألف حقّك، بس الخمسمية تشليح، الألف قانون، والألف وخمسمية تحدي للقانون. منشان هيك. معليش، إذا بتريد نزّلني، إلا إذا بدّك تاخد منّا كلنا ألف؟». ينظر اليّ، أنظر إليه لثانية بدا فيها مصدوماً، ثم يتوقف، على تردّد، فأنزل.. ولا ينزل أحد غيري! لا يهمّ. لم تنجح الثورة الصغيرة. أتذكر ما قاله لي سائق الفان ليل أمس لدى عودتي من المكتب. قال إن هذه «الزودة» هي من أجل الضغط للحصول على الضمان الصحي من الدولة. كيف يكون ذلك؟ قال إن المحادثات مع الدولة «كان يجب أن تشمل مطلبين: أولاً دعم البنزين، وهو شيء حصلنا عليه، ولو أن الأشهر الثلاثة ستنتهي آخر الشهر ويجب تجديدها، والثاني إدخالنا في الضمان الصحي، وهو ما لم يحصل. لذلك، قالوا لنا: نزيد الأجرة، فكل شيء زاد، فإذا زادوا لنا الضمان، كان به، نتراجع، وإن لم يفعلوا نكون زدنا الأجرة، ففي النهاية مَن سيمنعنا من تقاضي ألف وخمسمئة؟ صحيح، مَن سيمنعهم من تقاضي ألف وخمسمئة؟ تصريح وزير النقل غازي العريضي اليوم بأن «التعرفة الموجودة الآن سارية المفعول وتبقى كذلك إلى أن تُعدّل» طالباً من الجميع الالتزام بهذا الموضوع؟ لا أظن. المهم، كيف وصلتُ إلى المكتب؟ بالسرفيس. فقد تبيّن أن «الحركة التصحيحية» في «فانات» النقل المشترك، أفادت سائقي السرفيس الذين لم يرفعوا جميعاً، كما توعّد بعضهم أمس، ملصق زيادة الأجرة لثلاثة آلاف ليرة. من الشباك أقول لسائق السرفيس الذي شاهدني أنزل من «الفان»: «كونكورد بألفين؟»، فيجيب ضاحكاً: «اطلعي اطلعي..» مردفاً وهو لا يزال يضحك: «يلعن أبو الفانات».

التعليقات
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/23/2012 8:11:59 AM

كانت بيروت "سويسرا" الشرق... ووجهة العالم.. أضواء بيروت وأجواءها كانت تبهر أبناء البلدان العربية أجمع... لكن في لحظة ما توقف الزمن في بيروت ورويداً رويداً خفتت أضواءها وتلاشى جمالها وخصوصيتها وذوى رونقها... مع أنها عقارياً لا تزال الأغلى في العالم العربي!!! النقل - هنا- مثال بسيط على الخدمات المعدومة في بيروت.. وللمقارنة فقد عشت في روسيا البيضاء (بيلاروس) 8 سنين لم تنقطع فيها المياه أو الكهرباء لحظة، ولم نشعر (داخل البيوت) بالبرد يوماً مع أن الحرارة شتاء تصل إلى -30 درجة مئوية، وكان يوجد فيها 4 أنواع من وسائل النقل العام [الباص والباص الكهربائي (ترولي) والقطار الكهربائي (ترام) والمترو]... بس بدك مين يسأل...

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/18/2012 5:13:50 PM

انا موظف، و حين اسمع بكلمة زيادة الاجور اتشاءم، لان في حال زاد معاشي مئتي الف اكون متأكد ان مصروفي سيزيد اربعماية الف على الاقل بفعل ارتفاع اسعار السلع و الخدمات الذي يترافق مع كل زيادة على الاجور المطلوب مراقبة الاسعار و حماية المستهلك

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/14/2012 10:23:42 PM

في بلادنا العربيّة الملوّثة سماواتها بسائر "الموبقات" من عوادم الغازات في السيّارات وصولا إلى ضجيج أصحاب الميكروفونات الهدّارة من ذوي النفوذ والسلطان والعدوان يستحقّ الصامدون والصامدات على الطرقات ممّن لم يحوزوا سيّارات خاصّة -طوعا أو كرها- وصولا إلى من لم يركبوا مراكب الذلّ تابعين القطيع.. يستحقّون التحيّة يا ضحى! هيفاء ذياب

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/14/2012 11:49:15 AM

بالمبدأ, النقل العام , مؤسسة لا تربح , او تربح شي بسيط لاستمراريّة العمل , و 1000 ليرة من حي السلم الى الحمرا مبلغ كتير قليل بالنسبة لتكاليف الحياة , 1500 بدل عادل انما المفروض , طالما اخدوا حقهم , يروقوا شوي عالعالم , ويوقفوا (زعرنة وسباقات وتشبيح) , ويحسّنوا الفانات حتى الراكب يقعد عا كرسي مش ع (خازوق) . فادي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/15/2012 2:05:13 PM

شو نحنا بدنا ندفع حق البنزينات من هون للحمرا؟؟ روحة رجعة بتكلفو 7000 ليرة و كحد ادنى بيطلع 24 راكب ... 1000 كثير بالنسبة للدول اللي بتحترم حالا و عندا نقل عام

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/15/2012 7:39:30 PM

وهيدا حكي مزبوط. اصلا النقل المشترك ما لازم يكون اكتر من 500 ببيروت الصغرى والف بالكبرى. وكل ما كبرت فئة المستخدمين لهيدا النقل كلما كان لازم يحسنوا اكتر خدماتو ويكثروا اعداد الباصات ويعملوا لو ممر خاص، منشان العجقة، بيكون فيها عكس سير السيارات. وهيك بعز اي عجقة بيوصل الموظف لشغلو اسرع من اللي معو سيارة وبتشجع الناس تترك سياراتها ببيوتها او للويك اند لأنو ما في مبرر. وبطريقك، بتكون أمنت ممر آمن للاسعاف بايام الزحمة. او بيعملولنا شبكة مترو هوائي خيي..ع اساس بيروت مدينة تاريخية واثرية.

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
صورة المستخدم

مجهول - 2/18/2012 12:32:18 PM

صديقة ضحى , النقل العام لازم تكون الدولة مسؤولة عنو , بس بحالتنا هون , هيدا النقل خاص يعني في ناس عم تشتغل لحتى تعيش من وراه , يعني بدها تربح اقل شي يومياً 50 الف ليرة بدون تكاليف الصيانة والبنزين وبدون بدل موقف اللي بياخدوا الشبيحة اللي هوي 10 الاف ليرة بالنهار و 3 لالف بالليل (عالسعر القديم ) , وكمان بدي الفت نظرك انو 90 بالميّة من الفانات مش مملوكة من اللي بيسوقوها بل مستأجرة ب اقل شي 40 الف وما فوق , واذا قدر شي شوفير يشتري فان ما بيلاقي نمرة لانو المافيا تبع المواقف ما بتفاديبيع النمر ولا بتأجرها الّا مع الفان يعني بيضطر الشوفير يستاجر الفان مع النمرة , وبحساب بسيط 50 الف اجار فان ونمرة + 15 الف موقف + 3 الاف (حمّام ) لقضاء الحاجة قرب الموقف : 68 الف + 40 الف بنزين , المجموع 108 الاف , واذا كان الفان بيعمل 5 (نقلات ) يوميّاً( كل نقلة بدها وقت ساعتين روحة رجعة ) ب معدل 28 راكب (يعني مفوّل ) بالروحة وبالرجعة بيطلّع يومياً 140 الف ليرة , منشيل منها التكاليف اللي هيي 108 الاف بيبقالو 32 الف ليرة , بدو يعيش منها...ويعمل صيانة للفان اللي اصلاً مهرهر ...هل برأيك كافية ؟ فادي

اضف تعليق جديد
انقر للتصويت
صورة المستخدم
1500 حرف متبقي
شاركونا رأيكم