دمشق | قبل عشرة أيام، بدأت الحملات الإعلانية في سوريا تأخذ شكلاً مختلفاً. خرجت اللوحات على الطرقات من إطار الشعارات الرنانة التي تدعو إلى الوحدة ونبذ العنف والطائفية. والسبب هو دعوة المواطنين إلى المشاركة في الاستفتاء على الدستور الجديد. هكذا انتشرت على الطرقات لوحات كُتبت عليها كلمة «دستور». ومن داخل هذه الكلمة تخرج كلمة سوريا، مع جملة تنبّه المواطن إلى ألا «يدير ظهره للاستفتاء». أما المحطات السورية فكانت تبثّ على مدار الساعة مواد الدستور الجديد.
وأمس، كان موعد الشعب السوري، والإعلام المحلي والعربي والغربي مع حدث مهمّ. الإذاعات السورية بدأت بثّها بعد ساعة على فتح صناديق الاقتراع، وبدت أخبارها كأنها معدّة مسبقة، لتجمع بينها عبارة واحدة عن تزاحم المواطنين على أبواب المراكز. التلفزيون السوري لم يقدّم تغطية أفضل، بل أخبرنا أنّ بعض السوريين انتظروا قبل السابعة صباحاً أمام مراكز الاقتراع. ولم يحتج المشاهد إلى وقت كي يكتشف أن الخطاب نفسه تكرّر في كل وسائل الإعلام السورية. وتحوّلت استوديوات الفضائيات السورية إلى مساحات لمدح الدستور الجديد، وتحليل بنوده، مع التركيز على الإقبال الواسع لمختلف شرائح الشعب السوري. وحمل مراسلو الفضائيات سؤالاً واحداً إلى المقترعين هو: «ما الذي أتى بك إلى هنا»؟ ليكون الجواب بوجه مبتسم وراضٍ أمام الكاميرا وبلغة عربية فصحى: «جئت لأعبّر عن حقي بالاستفتاء ولأقول نعم لسوريا ودستورها».
هكذا، تكرّرت الصورة التي طغت على شاشات الإعلام السوري منذ الثمانينيات. ورغم تطابق التغطية بين «الدنيا»، و«التلفزيون السوري»، و«الإخبارية السورية»، حاولت هذه الأخيرة التمرد على الصورة الباهتة لسيناريو الاستفتاء، وقررت إيصال أصوات بعض المواطنين المعترضين على بنود معيّنة من الدستور، لكن لم يتمكّن هؤلاء من إكمال فكرتهم بنحو أوضح، بما أن المذيعة في الاستوديو قاطعت مراسلها مكتفية بما أفاد. أما «الدنيا» فركّزت على أهمية إلغاء المادة الثامنة من الدستور القديم التي كانت تعطي السلطة المطلقة لحزب «البعث».
على الضفة المقابلة، وكما بالغت محطات النظام في الحديث عن إقبال الشعب السوري، ردتّ الفضائيات العربية بتغطية مضادة تفقد الاستفتاء كل شرعيته. شاهدنا مثلاً على «الجزيرة» بعض الأحياء التي تقصف، مركّزةً على الجثث المرمية في الأرض. ورأت الفضائية القطرية أن الاستفتاء ليس سوى خبر ثانوي، يأتي بعد أخبار القتل. كذلك ركّزت على بيانات المعارضة وتصريحات رموزها، لافتةً إلى الطريقة التي تعامل فيها أهل قرية خان شيخون في إدلب مع الاستفتاء. وقد اعتمدت على أحد سكان القرية الذي تحوّل أمس إلى مراسل لها. هكذا شاهدنا صوراً من الاستفتاء الرمزي الذي أجراه أهل هذه القرية في حاويات القمامة رافعين شعارات تندد بالنظام.
أما قناة «العربية»، فرداً ربما على بث أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» بصوت دريد لحام على الإذاعات السورية، استعارت من الفنان الراحل ناجي جبر بعض الاسكتشات الساخرة من مسرحياته الناقدة لسير العمليات الانتخابية في سوريا. وعرضتها في نوع من السخرية من هذا الاستفتاء، مركزة على استهزاء بعض المناطق من هذا الحدث من خلال تجسيد مقاطع فيديو تمثيلية تصوّر رجال الأمن وهم يجبرون المواطنين على التصويت. كذلك فتحت هواءها لتحريض الشيخ عائض القرني. وركّزت على وصف بعض السوريين الدستور بـ«القاتل»، تاركةً المنبر مفتوحاً لمعارضين من الخارج.
فيما لم تختلف «bbc عربي» عن «العربية»، و«الجزيرة» التي استضافت عدداً كبيراً من المعارضين.