نارمين الحربعد ثلاثة أسابيع على سقوط نظام صدام حسين، تسوّي جدة أحمد حطتها البيضاء وتأخذ حفيدها في رحلة بحث عن مصير ابنها المفقود منذ حرب الخليج 1991. إذ سمعت أنّ بعض السجناء الذين كانوا محتجزين في سجون العراق ما زالوا أحياءً. مع انطلاق مشوارها، يُفتتح «إبن بابل» للسينمائي العراقي محمد الدراجي الذي يُعرض ضمن «أيام بيروت السينمائية». طوال الرحلة من شمال العراق إلى جنوبه، تصادف الجدة والحفيد الكثير من الرحّالة أمثالهما. وبحكم الضرورة، تتواصل معهم الجدّة الكردية عبر حفيدها لأنّه ــــ عكسها ــــ يتقن اللغة العربية. يتابعان بحثهما حتى يصادفا جندياً عراقياً شارك في الإبادات الجماعية في ظلّ النظام السابق. هو الآخر يبحث عن مفقود له. تنشأ بين الثلاثة علاقة جدلية، يحاول فيها الجندي أن يستغفر الجدة على ما ارتكبه. ترفض هي، فيما يعمل حفيدها على إقناعها بأن الجندي كان مأموراً أكثر منه مجرماً.
تتوالى الأحداث لينكشف أمامك شريط روائي واقعي بدأت فكرته عام 2003، يوم كان الدراجي يصوّر باكورته «أحلام» التي ترصد اللحظات الأخيرة من سقوط نظام صدام حسين والفوضى التي اجتاحت البلاد. «كنا نقرأ عن مقابر جماعية تُكتشف ومفقودين يُعثر عليهم فيها». ذلك الخبر بدوره نقله إلى زمن أبعد، إلى عمّته التي فقدت ابنها في الحرب العراقية الإيرانية. «كانت تبكي في الأفراح والأعراس. وأنا كنت أصغر من أن أفهم سبب بكائها. عدت بالذاكرة وبدأت التحضير لـ«إبن بابل» من أجل كلّ عراقي كان ضحية الاستبداد والاحتلال والاقتتال الطائفي» يقول.
تقنياً، يتقصّد الدراجي إظهار جمال العراق الطبيعي والشخصيات بلقطات عريضة مع كاميرا سينما سكوب. حتى أنه اختار ممثلين غير محترفين كالحفيد ياسر طالب، والجدة شاذات حسين التي هي فعلاً أم كردية، فقدت زوجها في ظل نظام صدام حسين.
مونتاج «إبن بابل» سريع كونه «فيلم طريق،» والمُشاهد دوماً في السيارة، حيث الكاميرا ترافق الشخصيات في محافظات العراق السبع. يتناول الشريط الحالة العراقية بإسهاب، من منظور

محمد الدراجي يتناول الحالة العراقية بإسهاب من منظور المرأة
يركّز على المرأة العراقية: «في مجتمعات ذكورية، أبدي اهتماماً بالمرأة العراقية والسواد الذي تلبسه» يقول الدراجي. غير أنّ الفيلم يترك تساؤلاً عن سبب تناول المجازر إبان حكم صدام حسين، وإغفال جرائم الاحتلال الأميركي والعنف الطائفي الذي تلاه. يردّ المخرج «ببساطة لا أتناول الفترة التالية ضمن الإطار الزمني للفيلم الذي هو ثلاثة أسابيع بعد سقوط نظام صدّام حسين، لكن هذا لا يقلل من جرائم الاحتلال والاقتتال الطائفي. أنا فقدت أكثر من خمسة أشخاص بعد الاحتلال منهم ابن عمي وزوج أختي».
هناك مشهد في «إبن بابل» يلمّح فيه عن مساوئ الاحتلال، في الباص الذي يمر بنقطة تفتيش أميركية، فيتعارك الركّاب مع جنود الاحتلال. ويخلص أحدهم إلى أنّه «إذا كان صدام خرا، فالأميركان أخرا». يُذكر أنّ السينمائي العراقي سيكون حاضراً في المهرجان لمواكبة الحدث ومناقشة الفيلم. علماً بأنّ الشريط الذي نال العديد من الجوائز، سينزل إلى الصالات اللبنانية ابتداءً من 30 الحالي، وسيكون بذلك أول فيلم عراقي يوزّع على الصالات اللبنانية.


«إبن بابل»: 7:00 مساء 23 أيلول (سبتمبر) الحالي