نقلت الأشهر الأربعة الماضية الاضطرابات الأمنية إلى قلب دمشق، فبعد أحياء الميدان وكفرسوسة وركن الدين وبرزة، ها هي المزة أكبر أحياء الشام تشهد فجر أمس اشتباكات بين قوات الأمن النظامية و«الجيش الحر» للمرة الأولى منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في آذار العام الماضي.
ويعدّ المزة أحد أكبر أحياء العاصمة، إذ يمتد من ساحة الأمويين وصولاً إلى بداية منطقة السومرية، التي تتفرع منها الطرق المتوجهة إلى لبنان وريف دمشق. ويقسم الحيَّ طريق عريض يصل مركز المدينة بأطراف العاصمة، وتتوزع على جانبيه أهم شركات الاتصالات والمصارف وشركات التأمين، بينما تقع عشرات السفارات في الطرف الشرقي منه، أما الغربي فيقطنه عدد من كبار مسؤولي الدولة، إضافة إلى منطقة الـ (86) التي يسكنها عدد كبير من مؤيدي النظام.
ولعل هذا التوزع هو ما انعكس صخباً في حياة سكان المزة، وجعلها تنأى بنفسها عن التظاهرات والاحتجاجات الداعية إلى إسقاط النظام، على أن الأمر لم يعد كذلك منذ شهرين تقريباً، حين بدأت الشوارع الخلفية فيها تشهد تظاهرات محدودة، سقط في أحدها عدد من القتلى، ليتحول تشييعهم في اليوم التالي إلى تظاهرة حاشدة سقط فيها قتلى آخرون، فتكرر المشهد ذاته ليومين متتاليين، أفضت في النهاية إلى إحدى أضخم التظاهرات المعارضة للنظام في قلب العاصمة السورية، وكان من اللافت حينها عدم تفريق الأمن للمتظاهرين حتى وقت متأخر .
عادت المزة بعد ذلك إلى ركنها الهادئ البعيد وذلك حتى أمس، حين عاد اسم الحي ليتصدر مجريات الأحداث في سوريا، مع اشتباكات عنيفة جرت في القسم الغربي منه، بين منشقين عن الجيش وقوات الأمن النظامي، تباينت معه روايات الأهالي بين مؤيد ومعارض، واتفقت على أجواء الرعب التي عاشها «المزاوية».
تتعدد الروايات حول طبيعة الاشتباكات، وتتفق على نقطة واحدة هي: «الجيش الحر» وصل إلى قلب الشام. لكن جدلاً يدور حول مدى قدرة هذه العمليات في العاصمة على استقطاب الفريق المحايد إلى صفوف المعارضين من جهة، وقدرته على استهداف النظام من جهة ثانية.
ويلفت الناشط مارك عبود إلى أن «دمشق لا تشبه حمص أو درعا أو حماه، حيث تسيطر أكثرية مناهضة للسلطة، بينما تضم دمشق تياراً كبيراً يدعم الرئيس بشار الأسد، وبات من إحدى قناعات هؤلاء المؤيدين أن المعارضة تسعى إلى القيام بعمليات إرهابية واسعة، فضلاً بالطبع عن فريق لا يزال متردداً في النزول إلى الشارع. وبالتالي، فإن أي عمل سيستهدف مقارّ أمنية أو مدنية في الشام، بغض النظر عن المنفذ، سيعني اندفاع هؤلاء الصامتين إلى صفوف النظام، وتماسكاً أكثر لدى التيار المؤيد». ويضيف الشاب إن «ما حصل في حي القصاع، ذي الأكثرية المسيحية، سبّب حالة من التوتر بين السكان المصرّين على الوقوف على الحياد، إن لم نقل أنهم أصبحوا أقرب إلى النظام، وهو ما ينسحب على أهالي المزة، ذات البنية الاجتماعية الأقرب إلى الحياد».
بدوره، يرى الناشط القادم من المزة، بشر داوود، أن عمليات «الجيش الحر» في دمشق هي أمر سابق لأوانه، وكل ما قيل حتى اليوم عن اشتباكات في أحياء العاصمة، لا تعدو كونها فرقعات إعلامية، عدا عن أن العديد من أبناء الشام لا يزالون ضد مبدأ عسكرة الاحتجاجات، بحكم مصالحهم الاقتصادية التي ستنهار، فضلاً عن ضعف الانشقاقات العسكرية في المنطقة، ما يعني أن معظم المسلحين هم مدنيون حملوا السلاح الفردي، وبالكاد يعرفون كيفية استخدامه، ما يعني أيضاً أن الأجهزة الأمنية لن تجد صعوبة في القضاء عليهم، وبالتالي فإن وجود «الجيش الحر» في العاصمة هو ببساطة ضربة قاسية للمعارضة، ستجعل النظام الرابح الأكبر.