يتبرّأ رئيس الهيئة التنفيذيّة في القوات اللبنانيّة سمير جعجع من أحداث «يوم الغضب» الطرابلسي، ومن بعض الخطباء أيضاً. «لا نحن ولا حلفاؤنا» يقول، معتقداً أنّ جمهور ثورة الأرز سيعبّر عن نفسه يوم 14 آذار بالطرق الديموقراطية والسلمية. حتى أمس، يرفض جعجع تناول الاستعدادات القائمة لإحياء ذكرى انطلاق انتفاضة الاستقلال، ويحيد عن الموضوع بأسلوب الفكاهة: إذا مش عاجبتكن الحملة الإعلامية نغيّرها لكم.من مكتبه في معراب، يختصر جعجع الوضع الذي استجدّ على الساحة السياسية ويصفه بـ«غير المقبول». يعيد التأكيد أنه حتى إشعار آخر «لولا الضغوط المهمة التي حصلت» ما كان ليحصل انتقال الأكثرية النيابية من ضفّة إلى أخرى. ولو أنه يوافق على أن ما حصل، هو بالشكل، عملية ديموقراطية. وعن هدف فريقه إسقاط الحكومة في ساحة الشهداء ويوم 14 آذار، يبتسم ويقول: لتتألّف قبل أن نسقطها. في كلام «الحكيم» لا تدخل المراجعة والنقد الذاتي، اللذان قدمّهما الأكثريون السابقون في الذكرى السادسة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، في صلب الإخفاق السياسي لقوى 14 آذار.
يُسأل: هل أنت اليوم زعيم الشارع السنّي بعد خروج وليد جنبلاط من 14 آذار؟ يجيب: لم أفكّر يوماً من هذه الزاوية، لا برئاسة جمهورية ولا بكرسي أو وزراة، كل ما أسعى إليه هو تحسين موقع مشروعي السياسي.
ويرى أن فريقه بحاجة إلى مجموعة قيادات لا إلى زعيم واحد لأن الأمر «سيخسر كثيراً».
عند الإشارة إلى الخسائر التي لحقت بـ14 آذار منذ 2005، بخروج العماد ميشال عون ووليد جنبلاط والخروج من السلطة، يسحب جعجع مجموعة أوراق. إنها استطلاع رأي حول قضية واحدة: من هو السياسي الأقرب إلى وجهة نظرك؟ تجيب الأرقام بين يدي الحكيم إلى تعادله مع العماد عون. أما على المستوى الدرزي، كما يقول، فيؤيد 45% من أبناء الطائفة جنبلاط. يصمت قليلاً، يراجع أوراقه، يسأل: من هو برأيكم ثاني أكثر شخصية شعبيةً لدى الدروز؟ يجيب: سمير جعجع، بنسبة 10%، رغم كل ما حصل من 1983 حتى اليوم. ويشدّد على أن ذلك لا يعني أن الدروز سيتخلّون عن زعيمهم.

مكنونات نفس جنبلاط

في حديث جعجع عن انتقال الأكثرية إلى الخصم، لا يغيب اسم النائب جنبلاط. الأخير «وحده لم يكن قدّها، ومورست الضغوط على كثيرين غيره». يصمت قليلاً، يجمع أصابعه وأفكاره، ويوصّف مثل مراقب اجتماعي حالة جنبلاط: «كان له تصوّر معيّن. الفترة التي قال فيها إنها فترة ضياع (التخلّي، بحسب جنبلاط)، هي الفترة الوحيدة التي كان جنبلاط يتحدث فيها عن مكنونات نفسه». ويبدو أن جعجع درس طويلاً مواقف حليفه السابق وتوقف عند كل المحطات الأساسية، يسأل: ما الذي سمح له بتغيير رأيه؟ يجيب بأنّ جنبلاط معتاد عموماً أن يكون تحت «مظلات كبيرة، كالاتحاد السوفياتي وجمال عبد الناصر وسوريا، مظلات ذات عصي غليظة». أضاف: «أعتقد أن مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة وأوروبا نموذج مماثل، فسمح لنفسه بالإفصاح عن مكنونات نفسه». يضيف بهدوء، أنّ جنبلاط أيقن في 7 أيار أن مظلّة الغرب ديموقراطية، أو كما يقول الأميركيون soft means، أو وسائلهم ناعمة.
هذا مع العلم أنّ «الحكيم» يرى أنّ ما حصل في العراق وأفغانسان ويوغوسلافيا استثناءات في السياسة الخارجية الأميركية!

تأليف الحكومة

يجزم الحكيم بأن فريق 14 آذار لم يبحث في مسألة الحقائب، ويوضح أنّ «كل من يفاوضون الرئيس المكلّف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي، يفاوضون باسم كل 14 آذار». يشير إلى أنه منذ عشرة أيام «الوزير بطرس حرب هو المفاوض الأول باسمنا»، رافضاً أن يكون هذا التفويض على حساب الرئيس أمين الجميّل الذي بادر منذ تسمية ميقاتي إلى أداء دور المحاور. «حرب يفاوض لسهولة التواصل والاتصال ولم ينته دور أحد».
وعن المفاوضات التي أجراها الرئيس أمين الجميّل، يسعى جعجع مراراً إلى التأكيد أنه «ولا لحظة الجميّل بحث إمكان دخول حزب الكتائب وحده إلى الحكومة». يحاول رئيس الهيئة التنفيذية في القوّات اللبنانية المحافظة على هدوئه عند سؤاله عن مدى ثقته بحلفائه. يجيب مسرعاً: «من أي ناحية؟»، يستدرك: «في هذا الموضوع نعم». يكمل: «منذ 2005 حتى اليوم شو شايفين؟»، ويضع كل الخلافات التي حصلت مع الصيفي في خانة الخلاف التنظيمي، حيث للكتائبيين وجهة نظر مختلفة حول الأمانة العامة لقوى 14 آذار وغيرها من الأمور الداخلية، لكن بالتأكيد غير السياسية. يستطرد بالقول: «بأسوأ أسوأ أسوأ الأحوال الوضع التنظيمي لـ14 آذار يتقدّم ولو بشعرتين على تنظيم 8 آذار». في هذا الإطار نسأل جعجع عن «يوم الغضب»، يجيب: «لا علاقة لنا ولا لحلفائنا». ماذا عن محمد سلام؟ يجيب: مع احترامي له، هل تراه في كل اجتماعات 14 آذار وأمانتها العامة؟ هل يجوز أن أقول 8 آذار خلصت وناصر قنديل ووئام وهاب هما وجه المقاومة؟

ويكيليكس وزيارة سوريا

لا ينفي جعجع ما نشرته ويكيليكس عن اجتماعه بالسفيرة الأميركية، ميشيل سيسون، ونقلها عنه عدم وثوقه بضرورة تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة. يدافع جعجع عن موقفه ويتمسّك به: «ليست المسألة عدم ثقة بالدور الذي بإمكان سعد الحريري أن يؤديه في الرئاسة، بل مسألة شو أفضل بأي مرحلة». ويزيد أنه في عام 2009، طرح مرات عدة جدوى تسلم 14 آذار الحكومة، برئاسة الحريري أو غيره، معلّقاً: «مثل ما تبيّن، ربما كان أكثر ملاءمة ألّا يكون الحريري في رئاسة الحكومة، وكنا وفّرنا على أنفسنا سنة ونصف السنة». يرفض عدّ هذا الأمر نقداً ذاتياً، ويضعه في إطار «شوية تفكير ومراجعة»، مشدداً على عبارة «ربما».
انطلاقاً من الحديث عن علاقته بالرئيس الحريري وبالذكرى السادسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري، يتّجه النقاش إلى العلاقة بسوريا. يبادر جعجع إلى القول: «ما لا يعرفه كثيرون أني شجّعت سعد الحريري على زيارة سوريا، وكان لا يزال رئيساً مكلفاً تأليف الحكومة». لم يرَ في ذلك أي مشكلة لأن «السوريين لم يسلّفونا شيئاً ونحن لم نطلب منهم أي شيء». ويؤكد أن الاتفاق بينه وبين الحريري أفضى إلى زيارة سوريا «ورأسه مرفوع، ونطلع لنقول إنّ ثمة بلداً اسمه لبنان يجب أن تحترموه وتحترموا اللعبة الموجودة فيه». يتابع أنه وفق هذه الأصول، زار الحريري دمشق حيث عبّر عن مطالب الناس، بدءاً بالمعتقلين في السجون السورية وصولاً إلى سحب السلاح غير الشرعي.
لكن، بعد ما جرى منذ 2009 حتى اليوم، «بصراحة، تبيّن لي بلمس اليد أن الإخوان السوريين لا يزالوا تماماً في مكانهم بما يخص اللبنانيين». ويرفض إعطاء أي طابع سياسي للزيارات الكثيفة والمتلاحقة لرئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن، مشيراً إلى أنها مثل لقاءات العميد عباس إبراهيم مع المسؤولين السوريين «في إطار التنسيق بين الأجهزة المحسوبة على الحكومة». يختصر جعجع علاقة الحريري بسوريا بعبارة واحدة: لو أن هذه اللقاءات والطلعات والنزلات جاءت كما يتمناها السوريون، لكان الحريري اليوم رئيساً للحكومة.
وعن عدم إشارة الحريري إلى دور سوريا في الانقلاب اللبناني خلال كلمته في البيال، يقول جعجع ببساطة وهدوء «كل فريق في 14 آذار لديه خصوصيته ومواضيع ملحة أكثر من أخرى». ترتفع وتيرة حديثه: ليس الأمر عجيباً غريباً، كنا في المهرجان نفسه وتحدثنا كلنا في الإطار نفسه.

أين السعودية؟

لا يتردّد جعجع في الإشارة إلى أنّ الوضع الصحي للملك السعودي كان له دور في عدم المتابعة السعودية اليومية، مؤكداً أن «المملكة ليست غائبة، خصوصاً من ناحية وزارة الخارجية». ويشير إلى أن الظن بغياب السعودية عن لبنان يعود إلى عدم صدور قرارات أو مواقف عن المسؤولين السعوديين، «لكن أتصور أنه خلال أيام يعود الملك معافى إلى السعودية لتعود الرياض إلى دورها الذي كان من قبل».
النقطة الأهم هي موقف القوات من سقوط حسني مبارك في مصر، يقول بوضوح: أداء مبارك في مصر هو شأن المصريين، لكنه لم يتصرف يوماً بما يسيء إلى لبنان، على الأقل بما يعني نظرتنا للبنان. مبارك لم يرسل يوماً أحداً لتنفيذ عملية اغتيال في لبنان، ولم يرسل جيشه ليحتل لبنان، وسهّل دائماً شؤون اللبنانيين.
لا تغيب هذه «الوقائع» عن ذهن جعجع وحديثه عن مصر، ليعود ويؤكد دعم فريقه لانتفاضة الشعب المصري. يردّ على ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عن كون التركيبة الأميركية في المنطقة تسقط، بالقول إنّ «تحرك الشعوب ليس ضد الأميركيين بل ضد الفساد ولتحقيق المزيد من الحرية والديموقراطية».
وعمّا ذكره الرئيس الحريري بشأن إقرار مبادرة «سين سين» وضرورة عقد مؤتمر مصالحة وطنية في الرياض وتدارك تداعيات القرار الاتهامي، يؤكد جعجع أنه «مهما كان الوضع يجب التواصل بعضنا مع بعض ويجب ألّا تتخطى الأمور البعد السياسي». ويشدد على ضرورة التحاور والتواصل بعد صدور القرار الاتهامي «لكن على شرط ألا يلزمنا الفريق الآخر بأي موقف».



عوكر تتّهم معراب بتحريف كلام كونيلي

فور دخول صحافيي «الأخبار» مكتب رئيس الهيئة التنفيذيّة في «القوات اللبنانيّة» سمير جعجع بادرهم الأخير بالقول إنّ لقاءه التالي سيكون مع شخص لا يحبّونه، هو السفيرة الأميركيّة في بيروت مورا كونيلي، لكن البداية التي أرادها جعجع «مزحة» استفزازية لزائريه، انتهت بطريقة تراجيدية لمكتبه الإعلامي، الذي اتهمته السفارة الأميركية بتحريف كلام كونيلي وادعاء ما لم تقله.
فمع أنّ لقاء كونيلي وجعجع، جاء بعد ساعات من التداول الإعلامي لوثيقة أميركية تتضمّن مواقف لساكن معراب من عدد من القادة اللبنانيين، فإن المكتب الإعلامي لجعجع، ذكر أن قائد القوات بحث والسفيرة الأميركية «الوضع العام الذي تمرّ به منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما التطورات في تونس ومصر والدول العربيّة الأخرى. وقد نقلت كونيلي وجهة نظر الإدارة الأميركيّة، مؤكّدة أن الولايات المتحدة الأميركية تنظر بعدم ارتياح الى التصعيد العسكري الأخير في المنطقة، وتحديداً مسألة انتقال البارجتين الحربيتين الإيرانيتين الى البحر الأبيض المتوسط». ونقل المكتب عن كونيلي رفضها التعليق على موضوع تأليف الحكومة لأنه «شأن داخلي لبناني»، وقولها إن «على أيّ حكومة جديدة أن تحترم قرارات الشرعيّة الدوليّة».
وبعد ساعات قليلة على انتهاء اللقاء الذي بدأ في الساعة الثانية من بعد ظهر أمس، أصدرت السفارة الأميركيّة بياناً نفت فيه ما «ورد في بيان المكتب الإعلامي» لجعجع، بل رأت أن هذا المكتب «حرّف كلام كونيلي»، مضيفةً إن الأخيرة «لم تبدِ أيّ قلق إزاء أيّ تصعيد عسكري في المنطقة، كما زعم بيان القوات، بل أكدت أن الولايات المتحدة تتمنّى أن تستمر عملية تأليف الحكومة بعيداً من تأثيرات التدخلات الأجنبية، وأن تدعم أي حكومة مقبلة، تمثّل فعلاً مصالح الشعب اللبناني، موضوع المحكمة الخاصة بلبنان».
أما معرفة حقيقة ما دار في اللقاء، وأيّهما أصح: بيان معراب أم بيان عوكر، فمسألة تبقى في عهدة الوثائق الأميركية السرية، وإمكان وصولها إلى موقع ويكيليكس أو غيره. علماً بأن كونيلي زارت أمس أيضاً الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وناقشت معه حسب بيان لسفارة بلادها «جهوده المستمرة لتأليف الحكومة الجديدة».
ورغم أن بيان السفارة نقل عن ميقاتي وكونيلي تأكيدهما «أهمية حفاظ الولايات المتحدة ولبنان على علاقة قوية ومثمرة بين البلدين»، أعلن أن واشنطن ترهن تقدم العلاقات بـ«كيفية تحديد الحكومة الجديدة لبرنامج عملها وطريقة تنفيذ سياساتها»، مضيفاً أن السفيرة أعربت عن توقع واشنطن «أنّ الوزراء في الحكومة الجديدة سيستمرون في العمل لدعم مسؤولياتها تجاه الشعب اللبناني والدستور، إضافةً الى المجتمع الدولي، وسوف يحكم على التزام لبنان المستمر بتعهداته الدولية من خلال الإجراءات التي سوف تتخذها الحكومة المقبلة، في ما يتعلق بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ابتداءً من مضمون البيان الوزاري لهذه الحكومة».
وبحسب بيان عوكر أيضاً، أعادت كونيلي التأكيد لميقاتي أن بلادها «تأمل أنه سيصون عملية تأليف حكومة من أيّ تأثير خارجي»، وقولها «إن حكومة ذات صفة تمثيلية حقيقية لمصالح الشعب اللبناني، سوف تستمر في دعم المحكمة ومؤازرتها».