غادر وفد شركة «فيستاس» الدنماركية لبنان خالي الوفاض. الشركة الرائدة عالمياً في تصنيع توربينات توليد الطاقة الكهربائية من الرياح، تسعى منذ خمس سنوات إلى الاستثمار في لبنان، لكن محاولاتها باءت بالفشل حتى الآن. وأدّت «فيستاس» دوراً كبيراً في تعزيز نمو قطاع الطاقة المتجددة، إذ صنّعت ما يزيد على ٤٣ ألف توربين لمجموعة كبيرة من العملاء في 65 دولة حول العالم لتسهم بذلك في توفير الطاقة المعتمدة على الرياح أكثر من أي شركة أخرى.
وتولّد التوربينات التي صنّعتها ما يزيد على ٤٤ مليون ميغاواط ساعة من الكهرباء سنوياً، أي ما يكفي لتوفير احتياجات الكهرباء لنحو 21 مليون نسمة، وبخفض يصل إلى ٤٠ مليون طن من انبعاثاث ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.
يؤكد كاسبر دالستن، ممثل الشركة في أفريقيا والشرق الأوسط، في مقابلة مع «الأخبار»، أنه حصل من السياسيين اللبنانيين على «وعود جدية» بنيّة الحكومة اللبنانية الاستثمار في طاقة الرياح، لكنه يلفت إلى أن العقبة الرئيسية تتمثل في غياب الإطار المؤسساتي الذي ينظم هذا القطاع، عدا عن التأخر في إقرار القوانين التي تشرّع للقطاع الخاص بيع الطاقة المتجددة، وإنشاء الهيئة الناظمة للطاقة.
وأعلن دالستن أن «فيستاس» تقدّمت بـعرض يؤمـن توليـد طاقــة كهربائـيـة تـنـيـر الأراضي اللبنـانـيـة من أقــصى الشمال إلى الجنوب بعد 13 شهراً من بداية العمل. وأضاف: درست الشركة أفضل الخيارات لجهة حدوث معدلات منخفضة جداً من حيث الضجيج الذي تسبّبه المراوح وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحفاظ على الطيور المهاجرة والمقيمة.
ومن المعلوم أن «أطلس الرياح» الذي أصدرته وزارة الطاقة العام الماضي، أثبت أن لبنان قادر على إنتاج الكهرباء من طريق الرياح. ويمتلك لبنان رياح مؤاتية في مناطق عدّة، خصوصاً في الشمال، والسفح اللبناني من جبل الشيخ، بداية من شبعا وصولاً إلى راشيا، وعلى طول سلسلة الجبال الغربيّة.
ويشير دالستن إلى أن الميزة الأهم لطاقة الرياح أنها مستديمة ومجانية. ورغم أن الكلفة الاقتصادية لإنشاء مزارع الرياح ومحطات أنظمة تشغيلها تساوي ٨٠٪ من كلفة الإنتاج في البداية، إلا أنّها تتناقص تدريجياً مع الزمن، على عكس محطات الطاقة من الوقود الأحفوري التي تساوي تكلفتها ٢٠٪ من التكلفة الأساسية، ولكن سعر الإنتاج يتزايد ويتأثر بأسعار الوقود الأحفوري.
ويلفت مدير التطوير في الشرق الأوسط في «فيستاس»، ريان قسيس، إلى أن الشركة أعدّت أكثر من مشروع لإقامة مزارع رياح في لبنان، وأنّها تعهدت بضمان أن تكون هذه المزارع آمنة، وأن يستفيد أصحاب الأرض من المشروع من دون أن يؤثر ذلك على الاستفادة منها لأغراض أخرى. ويلفت قسيس إلى أن الأرقام واعدة في هذه المزارع، حيث لا يقلّ متوسط سرعة الرياح عن 6.5 أمتار في الثانية عند محور ارتفاع التوربين الذي يبلغ 80 متراً. وأوضح أن نشر مزارع تحتوي على 4 توربينات في الكيلومتر المربع كحد أدنى، يعطي لبنان القدرة على توليد طاقة مقدارها 6.1 غيغاواط ساعة، بالاستفادة من الرياح البرّية وحدها. في حين تبلغ كلفة الكيلو واط نحو ١٢ سنتاً، أي ٦ سنتات أقلّ من كلفة إنتاج الطاقة من معامل الطاقة الحرارية.
بدوره، يؤكد السفير الدنماركي في لبنان، جان توب كريستاسن، أن حكومة بلاده شجعت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على الاستثمار في الطاقة المتجددة. ولفت كريستاسن إلى أن سوريا وقّعت في آذار ٢٠١١ مذكرة تفاهم لبناء محطة كهرباء تعمل بقوة الرياح، على ضفاف بحيرة قطينة في محافظة حمص بقدرة 90 ميغاواط، على أن تموّل من «صندوق تنمية الصادرات الدنماركي» بشروط تمويلية ميسّرة. وأضاف: «لكن بدء تطبيق العقوبات الأوروبية على سوريا من شأنه أن يعرقل تكملة تنفيذ هذا المشروع». وأسف كريستاسن من عدم استفادة الحكومة اللبنانية من الفرص المتاحة، ومن خلق بيئة استثمارية مؤاتية في هذا القطاع. وقال: «عندما أتحدث إلى صنّاع القرار يتبيّن لي أن النظرة تغيرت بالمقارنة مع السنوات السابقة، والجميع بات مقتنعاً بأهمية طاقة الرياح في لبنان، لكن السؤال الذي لم يجب عنه أي من السياسيين هو : من أين نبدأ؟».
ورغم تعهّد الحكومة اللبنانية في قمة كوبنهاغن حول المناخ عام ٢٠٠٩ بأن ترتفع نسبة إنتاج الطاقة المتجدّدة في لبنان إلى ٢٠% في العام ٢٠٢٠، لا تزال الخطوات التنفيذية دون المستوى المطلوب بعد مرور ثلاث سنوات على هذا التعهد، كذلك فإنه لم يقرّ مشروع تعديل القانون 462 ومن أحد ثُغَره موضوع الطاقة المتجددة، خصوصاً أنه لا يلحظ إمكانية ربطها بالشبكة العامة، علماً بأن هذا القانون «الإشكالي» لم ينفّذ منذ إقراره عام ٢٠٠٢.
يؤكد سيزار أبي خليل، مستشار وزير الطاقة والمياه جبران باسيل، أن الوزارة أنجزت منذ بضعة أشهر التعديلات اللازمة على القانون 462، ولحظت فيه موضوع الطاقة المتجددة، لكن المشروع لا يزال مجمداً في أدراج مجلس الوزراء. كذلك فإنه في نهاية عام 2010 كنا قد أعددنا مشروع قانون خاص بالسماح للشركات بإنتاج الطاقة عبر مناقصة وعبر موافقة مجلس الوزراء.
وكان الوزير جبران باسيل قد دعا قبل أسبوع، خلال ندوة عقدت بدعوة من جمعية خريجي الجامعة الأميركية في بيروت، إلى إقرار صيغة تسمح بإنتاج الكهرباء من القطاع الخاص، ولكن بإذن من مجلس الوزراء وبترخيص تتحمل مسؤوليته أعلى هيئة سياسية في البلاد، وبتسعير يراقب أيضاً من أعلى هيئة سياسية ولا يوضع لمصلحة شركات.