في الطريق إلى تنورين، هناك ما يعكّر شموخ الجبال. في الأسفل، جرذان تثابر على قضمها في العمق، حتى أفرغتها كوعاء. رويداً رويداً، كالفئران، تحاول الكسّارات كسر الجبل الذي طُوّق بأسلاك حديديّة لتفادي غضبه. فهو أخذ يتفتت صخوراً كبيرة، خافوا من أن تهوي على رؤوس المارّين تحته. لكن الذنب ليس ذنبه، هم بدأوا الحرب عليه. مشهد الجبال المفتّتة على حافة منطقة تريد أن تصبح مركزاً للسياحة البيئيّة، مؤلم. فمن جهة تضمّ المنطقة «محميّة أرز تنورين» التي تعدّ واحدة من أكبر غابات الأرز في لبنان، ومن جهة ثانية هناك كسارات تعيث خراباً بجبالها.
الرمل الأبيض والحصى على مشارف الضيعة الكبيرة، يتحوّلان ثلجاً لا ينفك يزداد سماكةً كلّما تقدّمت في الضيع الخمس التي تؤلّف تنورين، ثاني أكبر البلدات في لبنان. إذ تمتدّ البلدة على مساحة 3% من الأراضي اللبنانيّة بحسب المهندس ورئيس الجهاز الفني في بلدية تنورين جواد حرب. تعدّ 36 ألف نسمة، يبقى منهم 8 آلاف في فصل الشتاء، فيما يرتفع عدد سكانها إلى 17 ألفاً في الصيف.
تنّورين الكبيرة، لا تعرف مصمّم الأزياء اللبناني _ العالمي إيلي صعب. فقدرات أهاليها الكبيرة، صغيرة جداً. لديهم «إيلي صعب» خاص بهم، هو عبارة عن محلّ ضيّق جداً للملابس، لا يصله شيء من نور الشمس الذي يضرب الثلج في الخارج. تعلو الباب «آرمة» تكبره بمرّتين، كتب عليها بالخط الأحمر العريض «إيلي صعب».

تنورين التحتا والفوقا

في «تنّورين التحتا»، في البرج المحفور في الجبل، يجلس العمّ طانيوس يراقب بهدوء منزله وأراضيه المزروعة. في إحدى زوايا «برجه»، صخور مصطفّة بشكل دائري. يخبرنا الرجل، وهو من مواليد عام 1945، أنّها بقايا «قسطل» صخري، أو كما كانوا يسمّونه «الكور» لمطحنة قديمة، كانت تتدحرج فيه المياه من على علو 12 إلى 15 متراً، لتدير حجر المطحنة. «تنورين التحتا» الغنيّة بالمياه، سابقاً، كانت تحتضن ثلاث مطاحن توقّفت عن العمل في الفترة التي تتراوح بين 1960و1965. يشير الرجل السبعيني، من على برجه، إلى الشارع تحته ويتذكّر الرجال الذين كانوا يصطفّون فيه، أمام المطحنة، مع دوابهم التي تحمل القمح، بانتظار دورهم.
على بعد خطوات قليلة، يقع منزل «مواطن لبناني مسيحي ماروني». هكذا يحب الرجل أن يعرّف عن نفسه. فرغم أنّ أهالي تنورين يستقبلون الضيف بكرم وطيبة أهل القرى، إلا أنّ العبث بهوية الضيعة ممنوع. الغريب عنهم مرحّب به، طالما أنّه سيعود إلى مجموعته التي ينتمي إليها هو الآخر، عندما يحمرّ وجه الشمس.




مع دجاجاته التي تنقر الأرض من دون جدوى، وبقبعة عليها صورة البطريرك مار نصر الله بطرس صفير كُتب تحتها «مجد لبنان أعطي له»، يستقبلنا المزارع و«المواطن اللبناني». بينما يتابع عمله في نشر أغصان شجر الصنوبر، التي سوّتها العاصفة الأخيرة أرضاً، يداهمه الخبّاز. يتنادى الجيران من على شرفاتهم ليعلموا بعضهم بعضاً، أنّ الخبّاز قد لاح في الأفق. ما يسمّونه الخبّاز هو «فان» لأحد مخابز المنطقة، يمرّ على منازل الناس مرّتين في الأسبوع. وفيما يشتري الـ«مواطن اللبناني» خبزه، تمرّ امرأة محجّبة مع زوجها. تلقي عليه التحيّة وتدخل منزلها. المشهد غريب بلا شك في تنورين. نسأل الرجل عن جيرانه فيأخذ في تعدادهم، من دون أن يذكر العائلة التي دخلت المنزل المقابل. يثابر على تجاهلها حتى نسأله بالتحديد عن المرأة المحجّبة. عندها يستدرك الموضوع. «هي مش جارة»، إنّما امرأة نزحت من الضنّية لتعيش مع زوجها المصري في المنزل المقابل له في تنورين.
في «وطى حوب» إحدى قرى تنورين، تزداد كثافة الثلج، ما ينبئك باقترابك من جرود تنورين الثلجيّة حيث معظم الأراضي الزراعيّة وبساتين أهالي المنطقة. في تلك الجرود ينمو الكرز والتفاح خصوصاً. ففي تنورين أكثر من 300 ألف شجرة تفاح. بعد العاصفة الأخيرة، تزايد قلق المزارعين على مصير إنتاجهم. يخبر أحد المارّة بعض المزارعين المجتمعين في دكان المختار في «تنورين الفوقا»، بأن لا يتأمّلوا خيراً السنة، فشجر التفاح كلّه تكسّر. في بساتينهم الداخليّة يزرع «التنوريون» مختلف أنواع الخضر والزيتون، لكن إنتاجهم هذا، غالباً ما يكون مؤونة بيوتهم فقط.
يتشكّل المجتمع التنوريني أساساً من مزارعين وموظّفين. الموظّفون يتوزّعون في «مستشفى تنورين الحكومي»، وشركة المياه والمدارس الثلاث الباقية في تنورين، بعدما عمدت وزارة التربية الى إقفال مدرستين في المنطقة لقلّة عدد التلامذة فيهما. لكن «الكهربجي» مروان مراد قرّر أن يكون صريحاً، ورأى أنّ من واجبه أن يخبر الأشياء كما هي. يقول إنّ «من بقي في تنورين هم نواطير فقط. فكلّ من لديه المال أو يريد أن يكسب مالاً، هاجر أو نزح عن الضيعة منذ زمن».
في «تنورين الفوقا»، أو العاصمة، حيث مركز البلدية، يجلس العمّ فريد أمام دكّان المختار. رغم أنّ الأخير ذهب ليقوم بواجب العزاء في إحدى القرى المجاورة، إلا أنّ ذلك لم يمنع الناس من التجمّع أمام دكّانه. القبعة على رأس العمّ فريد لا تخفي صور «الشهيد سامر حنا» الملصقة على الباب الحديدي من خلفه. يجد الرجل، الذي يناهز عمره الثمانين، في وجود صحافيين عذراً ليبدأ بسرد قصصه القديمة عن الضيعة. يقول إن تنورين اكتسبت اسمها من موقعها الجغرافي. فالجبال المحيطة بها، تجعل شكلها يشبه التنّور. تهجّر أهلها 7 مرّات، كانوا يختبئون في قرية «عين الراحة»، ثم يعودون إلى تنورين متى سنحت الظروف. يحكي أنّه «من 400 سنة، كان بطرك قرية حجولة مسافراً إلى مقرّه الصيفي في عين الراحة، حين انقضّت عليه مجموعة من «المتاولة» على الطريق، وقيّدته بشجرة جوز. وصل خبر الاعتداء على البطرك إلى أهالي تنورين والعاقورة فهبّوا لمساعدته. وكان البطرك قد طلب من الشمس أن ترسَخ في السماء وتؤجّل مغيبها إلى حين يتمّ إنقاذه. امتثلت الشمس لمطلبه وبقيت في مكانها، حتى وجد الشبّان البطرك. عندما فكّوا رباطه واطمأن، أومأ بيده للقرص المضيء وقال: «روحي يا مباركة». رعدت عندها السماء وسقطت الشمس فوراً في جيبها وراء الأفق». لا يسمح العمّ فريد بأي تشكيك في صحّة القصّة التي تناقلها آباؤه عن بطرك حجولة. كان ليأخذنا إلى «جوزة المحروقة»، كما سمّوا شجرة الجوز تلك، بعد ارتباطها بالمعجزة، لولا أنّها يبست منذ سنوات واضطروا إلى اقتلاعها. لكن ذلك لا يضرّ أبداً بصحّة القصّة.

سدّ بلعا

في تنورين التحتا والفوقا، الولاء لابن المنطقة، النائب بطرس حرب، شبه كامل. فالضيعة البترونيّة تتعامل مع النائب مثلما تتعامل باقي المناطق اللبنانيّة مع زعاماتها. حرب هو بالنسبة إليهم الأب والأخ. ورغم سوء وضع ضيعتهم وغياب الدولة شبه الكامل عنها، لا يمكنك هنا أن تسمع أيّ اعتراض أو تذمّر من أدائه. فهو «بكفّيهم»، كما يقولون. من هنا نفهم رأي سكّان المنطقة في الجدل السياسي القائم من فترة غير بعيدة حول مشروع «سدّ بلعا».
سدّ بلعا، المفترض بناؤه في بلعا، التي تعدّ حيّاً تابعاً لضيعة شاتين في أعالي تنورين، هو من السدود الملحوظة في الخطة العشرية لوزارة الطاقة والمياه لإدارة المياه في لبنان. لا تنكر بلدية تنورين، كما أهلها حاجتهم إليه، في ظلّ غياب المياه عن منازل تنورين المغمورة بالثلج ... لكنه، برأيهم، «إذا كان سيكون حصان طروادة الذي يدخل من خلاله الإيرانيون وحزب الله إلى ضيعتهم، فهم لا يريدونه، ولا يريدون حتى أن يرووا مزروعاتهم منه». إذ، منذ قبلت الدولة اللبنانية الهبة الإيرانية، بقيمة 40 مليون دولار لإنشاء السدّ، انطلق جدل حاد حول الموضوع.




يقول النائب بطرس حرب لـ«الأخبار»: «نشكر الإيرانيين على الهبة، لكننا نرفض أن ينفّذ السدّ من قبل شركة إيرانيّة. كما أنّ موضوع التنفيذ الإيراني يطرح لدينا الكثير من علامات الاستفهام. بداية، ليس لدى الإيرانيين إمكانية تحويل أموال الهبة بشكل شرعي بسبب العقوبات. كما أنّني لا أعتقد أنّ شركة لبنانية ستلتزم التنفيذ على الأرض، فأيّ شركة محترمة ستعرّض نفسها لعقوبات دوليّة بسبب هذا السدّ؟». ويضيف «إنّنا لا نسعى إلى عرقلة المشروع، لكننا نريد أيضاً أن نضمن سلامة بناء السدّ، بما أنّ أي خطأ فنّي فيه يمكن أن يشكّل خطراً على حياة الناس، ونحن لا نعرف شيئاً عن هذه الشركة الإيرانية. هي مصنّفة في إيران وليس في لبنان. إضافة إلى أنّنا لا نريد أن يبدأ الكلام على المشروع ليبقى من دون تنفيذ بعد ذلك، كما انتهى الأمر بعدد من المشاريع الإيرانيّة»!
بسبب العقوبات على إيران، يرى بطرس حرب أنّ الطريقة الوحيدة للحصول على مال الهبة هي بتسليمها يداً بيد مباشرة. من هنا يتساءل «كيف سيتمّ التنفيذ؟ عن طريق عمّال إيرانيين؟ الجميع يعرف أنّ المنطقة لديها حساسيات على الوجود الإيراني في المنطقة، كما أنّ من الممكن أن يجرّ معه وجوداً لحزب لبناني، هو حليف لهم. فلتعد الوزارة إلى الشركة اللبنانية التي لزّمت بدايةً المشروع (شركة معوّض _ إدّه)، أو ليطلقوا مناقصة جديدة من أجل السدّ».
موقف حرب يكرّره رئيس الجهاز الفني في بلدية تنورين جواد حرب. فبرأيه، نقل الوزير جبران باسيل تلزيم السدّ من شركة لبنانية كانت قد رست عليها المناقصة، إلى شركة إيرانية لأسباب سياسية، «كما أنّ الإيرانيين سيجلبون معهم الغرباء إلى منطقة مسيحيّة _ مارونيّة، وسيشكّلان التمويه الذي يحتاج إليه حزب الله لدخول المنطقة. وبعد مرور بضع سنوات على بناء السدّ، يمكن أن يتّخذوا في المنطقة مراكز سكنيّة بجانبه بحجّة مراقبته». ويذكّر حرب بـ«حساسيّة سكّان المنطقة تجاه الحزب بعد اغتيال الضابط سامر حنّا». نسأل عن موقف البلدية السلبي من الهبة الإيرانيّة، مع أنّ «مستشفى تنورين الحكومي» هو هبة كويتيّة، و«أوتوستراد البترون _ تنورين» الذي افتتح جزء منه بداية شهر آذار، نفّذ بأموال سعوديّة، فيجيب بأنّ «مصدر الأموال ليس مهماً، لكن مشكلة البلدية هي في أنّ شركة إيرانية ستنفذ المشروع، بينما الكويت والسعودية نفّذتا مشروعيهما على أراضي تنورين من خلال شركات لبنانية».

موقف الوزارة

يشرح مستشار وزير الطاقة والمياه لقطاع المياه والسدود المهندس زياد زخّور تفاصيل تلزيم السدّ. يقول إنّه جرى تلزيم سدّ بلعا سابقاً بتاريخ 21/12/2009 من خلال مناقصة رست بصورة مؤقّتة على شركة «نيو ليبانون» اللبنانية التي كانت ستلتزم المشروع بالشراكة مع «بيرليت» الإيرانيّة، بمبلغ قدره 80 مليون دولار، والطرفان اليوم ينفّذان مشروع سدّ اليمونة. لكن وزير الطاقة لم يوقّع على الصفقة لأن سعر الالتزام يضاعف الكلفة الحقيقية للمشروع. بعد تولي الوزير باسيل مهماته وقيام الوزارة بتصنيف جديد، كما الحصول على موافقة مجلس الوزراء على تضمين دفاتر الشروط معادلات تعالج تقلّب الأسعار، أطلقت مناقصة سدّ بلعا مرّة جديدة ورست في 6 حزيران 2011 بصورة مؤقّتة على شركة «معوّض _ إدّه» التي فازت بالسعر الأدنى 33،889 مليون دولار». ويضيف زخّور إنّ «إيران تقدّمت حينها بهبة قدرها 40 مليون دولار لإنشاء السدّ (وهو المبلغ المناسب الذي يسمح بإنشائه مع محطة تكرير إلى جانبه والمنشآت التابعة للشبكات)، شرط أن تقوم إحدى الشركات الإيرانية، المصنّفة في الوزارة، بتنفيذ هذا المشروع، وفقاً لملف التلزيم الموضوع من قبل المديريّة العامة في وزارة الطاقة والمياه. وافق بعدها مجلس الوزراء على قبول الهبة بقرار رقم 21 بتاريخ 21 كانون الأول2011، بما أنّ مصلحة الدولة هي في قبول الهبة وتوفير المبلغ على خزينتها. وبالتالي فإنّ قبول الهبة جرى وفقاً للأصول، كما أنها ستطبّق ضمن الأطر القانونيّة المعمول بها». يتابع إنّه «رغم أنّ الشركة الملتزمة للمشروع هي إيرانية، إلا أن من البديهي أن تستعين بأحد المقاولين اللبنانيين المصنفين في الوزارة وباليد العاملة البترونية لتنفيذ الأشغال العائدة للمشروع».

شاتين ترحّب

على الضفة المقابلة لبلديّة تنورين، يقف مختار شاتين وعدد من أهاليها. هذه البلدة حظيت أخيراً ببلدية، وستجرى فيها انتخابات في 6 أيار المقبل، ما يعني انفصالها عن تنورين. يرى المختار غسان غوش أنّ السدّ سيعود بمنافع عديدة على المنطقة، هي بحاجة إليها. فهو يؤمّن مياه الشفة للقرى الواقعة في نطاقه، كما يروي الأراضي، إضافة إلى تشغيله اليد العاملة وتنشيط السياحة في المنطقة. ويضيف إنّ المشروع «إنمائي بامتياز وضروري لمنطقة شاتين، ويهمنا أن نبقيه بعيداً عن السياسة قدر الإمكان. كما أنّ غالبية أهالي شاتين وبلعا يرحّبون بالمشروع». أما السفارة الإيرانية، فاختارت عدم الانجرار إلى الجدل القائم حول المشروع، فرفضت التصريح عنه.
تجدر الإشارة إلى أنّ سدّ بلعا يقع على بعد 35 كلم عن الساحل، على أحد روافد نهر الجوز. ارتفاعه سيقارب 35 متراً وطوله 500 متر. يبلغ الحجم التخزيني الثابت للبحيرة نحو 1،2 مليون متر مكعب والحجم المتحرّك 2،1 مليون متر مكعب. ورغم الأصوات الرافضة، تقوم وزارة الطاقة والمياه اليوم بإنجاز ملف الاستملاكات في المنطقة، على أمل أن يبدأ العمل في السدّ في فصل الصيف.



مزار العمّ طانيوس

كيفما التفتّ في تنورين ستلاحظ وجود كنيسة أو دير إلى جانبك. تشتهر المدينة بعدد مراكز العبادة والصلاة والتنسّك الموجودة فيها منذ الحقبة الفينيقيّة حتى الحقبة المسيحيّة. يضاف إليها مزار العمّ طانيوس. ففي الجبل الذي يسكنه الرجل السبعيني، وضع تمثالاً لمريم العذراء، أحاطه بالأضواء لتنير درب المؤمنين ليلاً. ورغم أنّه يتسّلق الجبل وحده من دون مساعدة، بنى من أجل العذراء سلالم، ليتيح الفرصة أمام الزائرين للوصول إليها. يذكر، بفرح، أنّ أهل المنطقة زاروا عذراءه في الشهر المريمي، وصلّوا جميعاً من حولها. يحلم أن يتحوّل الموقع الذي بناه بيديه، إلى موقع للسياحة الدينيّة. إلى جانب العذراء، مغارة سقفها مصبوغ باللون الأسود. يقول العمّ طانيوس إنّ لونها الأسود المكتسب هو دليل على أنّ الناس سكنوها من قبل. وهو الآن يفكّر بتحويلها إلى مغارة الميلاد، ليكبر مزاره، لكن تنقصه الإمكانات الماليّة.
الرجل السبعيني «غاضب» من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. هو كان يفضّل البطريرك مار نصر الله بطرس صفير. برأيه «الراعي كثير الأسفار، بينما كان صفير يجلس على كرسيه ليستقبل من يزوره. كما أنّ الراعي ما عم يمشي الطريق المظبوطة ويتكلّم أكثر مما يجب في السياسة».



«وينيي الدولة»؟!

يبدو أهالي تنورين يائسين من رحمة الدولة. فهي كأنّها لم تمرّ في ضيعتهم يوماً ليستنجدوا بها أصلاً، فيلجأون دوماً إلى حلّ أمورهم وحدهم. يقول المزارع فادي رزق إنّ تفاحّهم تكسّر بسبب عواصف السنة، كما أنّهم يعانون كثيراً مع مزروعاتهم سنوياً، إن استطاعوا الوصول إليها، ولا أحد يراهم مرّة يسألون «وينيي الدولة». المزارعون في الضيعة يتمنون لو يدعمهم أحد بأسعار الأسمدة، أو يمنع على الأقلّ تلك الصينيّة من دخول السوق.
أنابيب المياه المبقورة في منتصف الطريق تعبّر عن أزمة أخرى. شبكة المياه، الخمسينيّة، استبدلتها الدولة، بحسب أهالي المنطقة، بعد معاناة طويلة، بشبكة لم تصمد أنابيبها سنة واحدة! بينما يقول مستشار وزير الطاقة والمياه لقطاع المياه والسدود، زياد زخّور، إنّ الدولة لم تلتزم مشروعاً كهذا في المنطقة!
غياب المياه والكهرباء عن منازل أهالي تنورين يمنعها من أن تصبح منطقة سياحيّة، رغم جمال طبيعتها. هنا يصعب أن تجد مطعماً واحداً تتوقف فيه لتناول الغداء، أو فندقاً واحداً. أمّا حين زرناها فكانت إحدى شركتي الاتصالات مقطوعة عنهم منذ أسبوعين بحكم العاصفة. الثلج فوق «يأكل الأخضر واليابس» بحسب تعبير أهالي المنطقة، وأكبر مشاكلهم هي الطرقات المطمورة بالثلوج، والتي يبقى بعضها مقفلاً لأكثر من شهرين! رئيس الجهاز الفني في بلدية تنورين جواد حرب يقول إنّ المنطقة تعاني كثيراً من غياب الدولة. وعائدات البلديّة السنويّة لا تكفي لإنمائها. «قبل أن نلتفت إلى حاجات المنطقة الأخرى، لدينا أكثر من 450 كم من الطرقات الداخلية والزراعية للصيانة. هذا وحده يكلّف ثروة».