مفارقتان كانتا حاضرتين في مؤتمر حزب التحرير الذي عقده أول من أمس في طرابلس تحت عنوان «ثورة الأمة: مخططات الإجهاض وحتمية المشروع الإسلامي»، شكلتا ما يمكن اعتباره نقطة تحوّل في نشاط الحزب في المرحلة المقبلة.المفارقة الأولى أن الحزب الذي يرفع شعار العودة إلى نظام «الخلافة الإسلامية»، لم يقصر نشاطه على التحركات الميدانية والتظاهرات في الشارع فقط، بل نقلها إلى مستوى مسؤوليه ونخبه الفكرية.
أما المفارقة الثانية، فتمثلت في حضور مسؤولين إعلاميين عن حزب التحرير في لبنان والمنطقة العربية، من سوريا وتونس والأردن ومصر وليبيا واليمن، ما يعكس امتداد الحزب وحضوره في أكثر من بلد عربي، وأنه يمثل منافساً فعلياً لأحزاب وجماعات إسلامية تحظى بمثل هذا الحضور والامتداد العابر للحدود.
غير أن اختيار الحزب طرابلس مكاناً لعقد مثل هذا المؤتمر، وليس بيروت، طرح أسئلة حول أسبابه، شرحها عضو المكتب الإعلامي في الحزب عبد اللطيف الداعوق بأنها تعود إلى أن «طرابلس مدينة آمنة، بينما بيروت للأسف ليست كذلك».
وبعد أن يُعدّد الداعوق مزايا طرابلس من كونها «العاصمة الثانية، وأنها قريبة من الحدود السورية»، يوضح أن «ضغوطاً رسمية وغير رسمية تمارس على الفنادق في بيروت، لمنعها من استضافة أي نشاط لحزب التحرير أو لدعم الثورة السورية».
لكن الحزب الذي يرفع لواء دعم الثورة السورية، غابت عن مؤتمره أغلب القوى السياسية اللبنانية التي تعارض نظام الرئيس بشار الأسد، وعندما سُئل الداعوق عن السبب رد بالقول: «دعونا الجميع إلا أن قلة حضرت».
تيار المستقبل هو أبرز الغائبين. وهذا الغياب يربطه الداعوق بما يصفه بـ«العداوة الفكرية مع التيار»، مضيفاً: «نحن لا ننسق مع أي قوة علمانية بما يخص الثورة السورية، فكيف لنا أن نفعل مع طرف يرفع شعار لبنان أولاً، بينما نحن ندعو إلى إقامة الخلافة الإسلامية؟».
ما ينسحب على تيار المستقبل والقوى العلمانية، امتد أيضاً إنما بدرجة أقل إلى القوى الإسلامية التي لم يحضر منها سوى عدد محدود محسوب على التيار السلفي، الأمر الذي أوضحه الداعوق رداً على سؤال بالقول: «نحن ننسق مع القوى الإسلامية في أمور، ولنا خصوصياتنا في أمور أخرى، ولو كنا متوافقين حول كل الأمور لوجب أن نكون جميعاً في حزب واحد».
وعن التنسيق مع الجماعة الإسلامية بما يخصّ الوضع السوري، يشير الداعوق إلى أن الجماعة «لديها اعتبارات لبنانية داخلية، تجعل لديها توجهاً معيناً مختلفاً عنّا».
المؤتمر الذي شهد عقد 3 جلسات عمل تناولت 3 محاور تتعلق بثورات العالم العربي، و«مخططات إجهاضها وحتمية مشروع الخلافة الإسلامي»، ألقيت فيه كلمتان مسجلتان لكل من أمير الحزب الأردني الجنسية الشيخ عطاء خليل أبو الرشتة وإمام المسجد العمري في درعا الشيخ أحمد الصياصنة.
مؤتمر الحزب استهل بمؤتمر صحافي شدد فيه رئيس مكتب الإعلام المركزي في الحزب عثمان بخاش على أن «الثورة الحقيقية يجب أن تقطع كل صلة لها مع الوضع الذي فرضه الغرب على الأمة الإسلامية».
لكن الأسئلة التي وُجّهت إلى ممثلي حزب التحرير خلال النقاش الذي أعقب المؤتمر، عكست جانباً مهماً من رؤى الحزب حيال مقاربة التطورات التي تشهدها دول عربية، تأتي سوريا على رأسها.
فالمجلس الوطني السوري المعارض هو برأي بخاش «مطية أميركية للقوطبة على الثورة، وهو لا يمثلها»، وهو ما يوافقه عليه عضو مكتب الإعلام المركزي السوري هشام البابا، الذي يؤكد أن «الثوار على الأرض هم أصحاب الكلمة الفعلية». ويرى أن «الشعارات التي يرفعها المجلس الوطني المعارض وقادة الجيش السوري الحر، مثل الديموقراطية والدولة المدنية، الهدف منها إرضاء الغرب».
ورأى البابا أن «الشعب لم يخرج مطالباً بالديموقراطية، بل طالب بالحرية، وأن نداءهم كان من أجل التغيير وتطبيق أحكام الاسلام، وإعادة الدين إلى الحياة مجدداً».
البابا انتقد الدور التركي الذي «حاول استيعاب الثوار والالتفاف عليهم، لكن هذا الدور تم اكتشافه وفشل، ولم يبق في يده الآن أي عامل مؤثر في الثورة إلا بعض الضباط الموجودين في مخيمات اللاجئين في تركيا، وهم بعيدون عن الثورة في الداخل».
لكن تناقض مواقف حزب التحرير من حيث إنه لا يتدخل في الشأن الداخلي السوري من جهة، وأنه موجود في صلب الثورة السورية من جهة أخرى، دفع مسؤول المكتب الإعلامي للحزب في لبنان أحمد القصص إلى توضيح أن «وجودنا في صلب الثورة السورية لا يعني أننا نمارس العمل العسكري، فنحن ليس لنا أي نشاط في هذا المجال». ويرى أن «ثأرنا مع النظام السوري يكون في وقوفنا إلى جانب الشعب السوري، لأن الأمة التي تسامح من ارتكب بحقها المجازر، هي أمة لا تستحق الحياة».
هذا التصعيد في المواقف من قبل حزب التحرير تجاه النظام السوري، لا يراه القصص مُحرجاً للحكومة اللبنانية التي تتبع سياسة النأي بالنفس في هذا الملف، لأن «من يتبعون اليوم هذه السياسة، كانوا منذ سنوات يتحدثون عن وحدة المسارين والشعب الواحد في دولتين».