كيف سمح جو بو عيد لنفسه بحرق الكنيسة؟ من أعطاه الإذن بأن يروي قصّة الفتاة الساحرة التي دق قلب رجل الدين لها، وجعلته يتخلى عن رسالته المسيحيّة؟ من أين أحضر المخرج كل أولئك العاهرات، وأقحمهن في مشاهد الجنس في «تنّورة ماكسي»؟ لا تأبهوا لهذه الأسئلة التي لم نسمعها ـــــ لحسن الحظّ ـــــ كما توقّع كثيرون في بلد الحرية. الحرب التي شنّت على «تنورة ماكسي» لم يكن «أبطالها» رجال الدين كما اعتدنا، بل أشخاص يختبئون خلف عباءة الدين، شنّوا هجومهم على المخرج اللبناني الشاب، الذي قدّم في شريطه نماذج ميليشياوية من زمن الحرب الأهلية، سيطرت على القريّة التي تدور فيها الأحداث. وكانت تقارير إعلامية قد تناقلت خبراً أمس مفاده أنّ جهات كنسية تسعى إلى وقف عرض الفيلم في الصالات اللبنانية، مدفوعةً من اليمين المسيحي المتطرّف، الذي مثّل مادة سخرية في عمل جو بو عيد. وكشف الأخير لـ«الأخبار» «أننا سنؤكد في مؤتمر صحافي في فندق «لو رويـال» في الضبية 12 ظهر غد (اليوم)، حقيقة ما يجري». وأشار إلى أن «المسألة سياسيّة، ثم تحوّلت دينية». يقدّم الشريط موقفاً مدافعاً عن القوى اليساريّة إبّان الحرب الأهليّة، ويقدم صورة كاريكاتورية عن اليمين المسيحي من خلال شخصيّة الميليشياوي (دوري مكرزل). يرفض بو عيد التعميم «لأن الزعوري لا يمثّل حزب القوات اللبنانيّة، بل هو عنصر شاذ ويأخذ عقابه من شقيقه (جوزيف ساسين)». يؤكد أنّ «هدفنا ليس الإضاءة على تلك المرحلة سياسيّاً، بل تأتي في سياق الأحداث التي يرويها الولد». هكذا، قامت الدنيا ولم تقعد منذ طرح العمل، الذي لم يهرب فيه جو بو عيد إلى القصص المعلّبة التي لا هوية لها ولا طائفة، بل أخبرنا عن بيئته وعن واقعه ومجتمعه، وعرض أحداثاً جرت في قريته المسيحية الجنوبيّة خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982).
المضحك أنّ «أصحاب النخوة» الذين رأوا في الشريط مصدر تهديد للكنيسة، كانوا «ملكيين أكثر من الملك»، فالفيلم نال حتى موافقة «المركز الكاثوليكي للإعلام» الذي لم ير فيه انتهاكاً لحرمة الكنيسة. وإذا كان رئيس جامعة «الحكمة» الأب كميل مبارك، قد دعا إلى مقاطعة الفيلم بحجة أنه «يهين كرامة الإنسان ويحتقر المقدّسات، ويجعل دور العبادة، مكاناً للرقص والخلاعة»، فهو سرعان ما تراجع عن موقفه، وأعلن أنّه قال كلامه قبل مشاهدة العمل، وأعطى جواز مرور للفيلم. فمن هم المعترضون إذاً؟ وماذا ستكون حجّتهم بعد تأكيد الكنيسة على الضوء الأخضر الذي أعطته للفيلم؟ هل يعترفون بأن السبب سياسي صرف؟ بعدما استطاع «تنورة ماكسي» أن «ينفد بريشه» من شباك رجال الدين، هل يقع ضحيّة المصالح السياسيّة؟