عمر البرغوثي
المشاركة في جريمة حصار غزة ورقة إضافية للاستثمار من أجل إمرار مشروع التوريث
لا يمكن نظاماً قمعياً، أوتوقراطياً، غير منتخب، أي نظام، أن يدّعي بجدية تمثيل شعب والسهر على مصالحه؛ فما بالك عندما يكون النظام، كحال النظام المصري وأغلب الأنظمة العربية من المحيط إلى الخليج، فاسداً ويخدم أجندات أجنبية دونما خجل؟ وما بالك عندما يكون النظام هو السبب الرئيسي وراء الغياب المفجع للعدالة الاجتماعية والاقتصادية وانتشار الفقر والأمية والمحسوبية وتلوث البيئة وانسداد أفق التنمية المستدامة، كما هي الحال في مصر؟ إن مصلحة النظام المصري، من هذا المنطلق، هي بالضرورة تتناقض مع مصالح الشعب المصري. والمشاركة في جريمة حصار غزة تخدم النظام، ربما، من خلال إعطائه ورقة إضافية يستثمرها من أجل تمرير مشروع التوريث، كما كتب بعض المحللين المصريين، وضمان استمرار الحماية الأمنية الأميركية لنظامه؛ ولكن لا يمكن إلا أن تضر هذه المشاركة بمصالح الشعب المصري كما تعرفها نقاباته الحرة وهيئاته المنتخبة بحق، لا كما تزوّرها أجهزة النظام التي لم تكن يوماً تعبر عن مشاعر أو مصالح هذا الشعب، بل كانت دوماً أداة قمع رهيب لحريته وحقوقه السياسية والاقتصادية. ولكن بعكس غالبية الأنظمة العربية التي تفضل التواطؤ مع المخططات الإسرائيلية ـــــ الأميركية من «تحت الطاولة» ودون المشاركة المباشرة في الحصار والاحتلال، فإن النظام المصري انتقل نوعياً في الآونة الأخيرة من التواطؤ غير المباشر إلى الانخراط الكامل في مشروع محاولة تركيع الشعب الفلسطيني ليقبل الذل واقعاً والاستعمار الاستيطاني الصهيوني مصيراً. إن تضييق النظام المصري الخناق على غزة بجدران فولاذية، وقناة بحرية، وخطاب إعلامي يصعب إيجاد منافس له في الانهيار والوقاحة والتجنّي واللاإنسانية، وبقمع كل من حاول فك الحصار، ولو رمزياً، هو بمثابة شراكة حقيقية في جريمة حصار غزة، آن الأوان لأن يدفع النظام ثمنها، لا أخلاقياً، فرصيده صفر من هذا الجانب، بل قانونياً.
آن الأوان لأن ترسل مؤسسات حقوق الإنسان العالمية والهيئات ذات الاختصاص في الأمم المتحدة طواقم خبراء قانونيين ومختصين في البيئة والصحة وغيرها إلى مصر، ومنطقة رفح تحديداً، بالسرعة الممكنة للتحقيق في دور الدولة المصرية في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بحق الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة المحتلة. وعلى رموز النظام المصري أن يتحملوا المسؤولية الجنائية الكاملة إذا ثبتت إدانتهم، وأن يمثلوا أمام المحاكم الدولية المعنية، تماماً كأقرانهم من مجرمي الحرب الإسرائيليين وحلفائهم الغربيين. وإذا كان شعب مصر قد قدّم تضحيات جسيمة من أجل فلسطين والقضايا العربية عامة على مدى عقود، فإن على هذا الشعب نفسه تقع المسؤولية الرئيسية اليوم لتحرير مصر من طغاتها قبل الحلم باستعادة دور مصر كقائدة الدفاع عن قضايا الأمة العربية. ولكن قبل كل شيء، يتطلب ذلك وقف نزف مصر وإنهاء حكم الفراعنة الجدد المظلم وترسيخ أسس الدولة العصرية الديموقراطية، بما يضع مصر على سكة التقدم الاقتصادي والاجتماعي. فمِن حريةa مصر وعزّتها تنبثق حرية غزة، بل وفلسطين، ويبدأ مشروع إعادة الأمة العربية من خارج التاريخ إلى صميم الواقع، بمشاركة حرة ومتساوية لكل مكوناتها بمن فيها الأقليات القومية. فمصر المكبلة بحكم العبيد لا يمكن أن تكون سيدة نفسها ولا مدافعة عن حرية الشعب الفلسطيني ورفعة الأمة العربية. إن كان فاقد الشيء لا يعطيه، فآخر من يحق له مجرد النطق بكلمة «سيادة» هو العبد الذي لا يستسلم لـ«قدره» فحسب، بل يستمرئ عبوديته ويسوقها كأنها سيادة!
في ذكرى العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة، كيف يحلم عبيد روما بأن نركع لهم؟
* محلّل سياسي فلسطيني مستقل