اللاجئ لاجئ ولو بدار أبوه
الجليل ــ أنهار حجازي
من زمان خطر ببالي الكتابة. بالتحديد من 11/5/2009، لما كان عيد الشاعر الفلسطيني سميح القاسم ابن قرية الرامة. الرامة الواقعة في الجليل الأعلى. الجليل الأعلى اللي هو النص التاني من الجليل. أنا ساكنة بالجليل الأسفل. الجليلين محتلين. ذكرى النكبة بعد عيد سميح بـ 4 أيام. عم اسمع أغنية أحمد قعبور وبغني معو:
يا رايح صوب بلادي/ دخلك وصللي السلام
بلّغ أهلي وولادي/ مشتاقلن رف الحمام/ اسال أمي يا منادي/ بعدا ممنوعة الأحلام.
هاي أكتر أغنية بتأثر فيي. كل الأغاني اللي بتحكي عن النكبة، عن اللي راحوا واللي ضلوا، بتاثر فيي. ما بعرف! أغنية عيتيت لمي نصر بتخليني ابكي، مرات. بس والله «وبعدا ممنوعة الأحلام»! بشو منحلم؟ بكل شي منحلم، وما منحلم بشي! يعني إن كنت بدي إحكي عن شو؟ اللاجئين (حتى اللاجئين اللي بالداخل عنا) بيحلموا انهم يرجعوا لقراهم المهجرة، وبكل مسيرة عودة لأي قرية كانت، بتلاقي الناس متجمعين وبستنوا بالدقيقة وينتا يدخلوا القرية مع أنه بعرفوا أنهم ما راح يسكنوها، مش لشي، بس لأنه ممنوع! يعني الوضع بكون هيك، قريتك الأصلية المهجرة ما بتبعد عنك غير ربع ساعة بالسيارة، بس انت ممنوع تروح تسكن فيها! ومع انه القرى والمدن الفلسطينية العربية اللي ضلت حضنت اللاجئين على أنهم أولادها (ما نحنا كلنا ولاد هالأرض) بس برضه بيضلو الشعور غير. يعني متل ما بقولوا، اللاجئ لاجئ لو بدار أبوه!
بس الأحلى بمسيرات العودة، لما «اولاد عمنا» يحاولوا يمنعوا العائدين من أنهم يدخلوا القرى (يعني ما بكفي أنهم مانعين اللاجئين بالشتات من أنهم يرجعوا، ومانعين اللاجئين بالداخل أنهم يسكنوا أراضيهم، كمان بحاولوا يمنعونا عل أقل نزور أراضينا إللي انسرقت منا). ساعتها بتصير انتفاضات مصغرة: مندق فيهم، بتكون فرصة الواحد يفرغ شوية من هالغضب إللي فيه، بس منطلع عالأقل بأنه نص إللي كانوا معنا بالمسيرة معتقلين! الكل بحلم بالعودة، بس ما في حد بسترجي يقول أنا راجع!
قبل ذكرى النكبة، كنا بمسيرة عودة للدامون، ما بنوا عليها مستوطنة، بس منحوا أراضيها للمستوطنة إللي قامت على أراضي البروة. الأراضي زارعين عليها قمح، أنا أخذت معي قبل ما أرجع كم من سنبلة، وسألت عن الحارة إللي كان فيها شوية من أقربائي ساكنين!
أما الختيار ابن الدامون الي كان يشرحلنا شو صار يوم ما تهجروا من البلد، سألته إذا كان برجع على بيته، فقلي، يا بنتي هو في حد ما برجع؟ بس بما أنه ما طالعلي ارجع، راح أحافظ على شوية هالكرامة إللي خلوها وأقلهم أنا مش راجع! (صراحة استغربت من جوابه، لأنه قبل هيك بالرويس لما سألنا السؤال لابن الرويس قلنا: أنا كل سنة برجع أنظف المقبرة وأنظف حول بيت أهلي وين تربيت وأنا صغير، قبل النكبة يعني) يعني ناس بقولوا هيك وناس بقولوا هيك والكل بيحلم أنه يرجع!!! أنا ما في لوين ارجع، أهلي مش لاجئين، ولا حد من أجدادي لاجئ، يعني جاي من المدينة إللي أنا ساكنة فيها إسا!
بس الحال عند الكل من بعضه، يعني إن كنت لاجئ أو ما كنت لاجئ وساكن بأرض محتلة ما بتغير اشي، ليش؟ ببساطة لأنه المعاملة هي نفس المعاملة، وبعيون ولاد عمنا رح تضل «عربي قذر»!!! الشي الوحيد إللي مش موجود عنا هون بالداخل المحتل هو المخيمات، يعني متلاً روح عالضفة وقطاع غزة في مخيمات (ولو أنها صارت مدن) لكن عنا، ما في، يوم ما تهجروا أهلينا بالنكبة، ولجأوا للقرى المجاورة، وانمنعوا يرجعوا على بيوتهم، ما كان من إللي ضلوا غير رجعوا وأخذوا بيوتهم معهم!
كيف ممكن تكون صارت؟ أنا ما بقدر أأكد الموضوع، بس أنا هيك سمعت، إنه لما تهجروا الناس من بيوتهم ولجأوا لعند أقربائهم بالقرى المجاورة، رجعوا لقراهم المهجرة وأخذوا حجارة البيوت وبنوا بيوت جديدة من حجارة بيوتهم القديمة في مدن وقرى جديدة، لأنه الجيش منعهم يسكنوا ببيوتهم بقراهم الأصلية! أما البيوت إللي ضلت واقفة بالقرى المهجرة رغم كل اشي، فالجيش الإسرائيلي هدمها كلها لاحقاً خلال سنة 1948!
قضايا اللاجئين في الداخل بعدها مستمرة، كيف ممكن تنحل قضايا اللاجئين في الشتات لما اللاجئين في الداخل قضاياهم ما خلصت! مفاتيح بيوتهم، وأوراق ملكية لأراضيهم المصادرة، كلها لساتها معهم، من جيل لجيل بتتوارث وما حد ناسي وما حد مسامح، والكل عم بستنى.