لم يجد خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن قرار المشاركة في العمليات العسكرية ضد قوات القذافي، الصدى الذي كان يريده. فالأجواء السلبية سبقت الخطاب، في الداخل، بسبب اعتراض على الأحادية في شنّ حرب ثالثة. ولم يُرضِ تعهده بعدم تكرار تجربة العراق بإرسال قوات برية أميركية إلى ليبيا، ناشطي السلام، رغم قوله إنّ حكومته لن توسع مهمتها لتشمل تغيير النظام، فهذا سيكون خطأً، ولن تسمح واشنطن لنفسها بتكرار أخطاء العراق.وقال أوباما، في خطابه أمام جامعة الدفاع الوطني بواشنطن، إن «الولايات المتحدة فعلت ما قالت إنّها ستفعله». وتوقع استمرار القذافي في السلطة لبعض الوقت؛ لأنّ قرار مجلس الأمن لا يدعو إلى تغيير النظام أو إطاحته، بل يرى أنّ هناك وسائل أخرى مثل العقوبات وتجميد أرصدته في الخارج يمكن أن تسهم برحيله. ولخفض الأصوات التي ارتفعت معترضة على الكلفة المالية للتدخل، قال أوباما إنّ دور واشنطن سيكون مسانداً يتضمن الاستخبارات والدعم اللوجيستي والبحث والإنقاذ والتشويش على اتصالات القذافي، ما سيخفض التكاليف التي يتحملها دافع الضرائب والمخاطر التي يواجهها الجيش.
وكما يحصل بعد كل خطاب رئاسي، انتقد الجمهوريون كلام أوباما، وخاصة تعهده بعدم إرسال قوات غزو برية إلى ليبيا. ورأى رئيس مجلس النواب جون باينر أنّ خطاب الرئيس «فشل في توضيح مشاركتنا في ليبيا للأميركيين». وأعربت المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس الأميركي سارا بايلن عن خيبة أملها من خطاب أوباما الذي وصفته بـالمراوغ والمريب، فيما قال مندوب الولايات المتحدة السابق في مجلس الأمن جون بولتون إنّ الخطاب كان مثيراً للشفقة.
الصحافيون كانوا أكثر رأفة بأوباما، لكنّهم لم يوفروه من انتقاداتهم. فافتتاحية صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، حيّت قرار أوباما المتأخر بالانضمام إلى العلميات العسكرية، وكذلك خطابه الذي «عرض قضية قوية». ورغم اعتبار الصحيفة أنّ الرئيس قام بالخيار الصحيح بالتدخل العسكري، إلا أنّها رأت أنّ «هذه الحرب (ليبيا) هي حرب اختيارية وليست ضرورية»، منتقدة قرار المشاركة قبل استشارة الكونغرس وتفسير ما يحصل للشعب الأميركي.
من جانبه، رأى مارك آمبايندر في «ناشيونال جورنال» أنّ أمله خاب؛ إذ لم يبذل أوباما جهداً ليجيب عن السؤال الذي يؤرق الأميركيين: «متى ينتهي كل ذلك؟». أما جوناثان كايبهارت من «واشنطن بوست»، فقال إنّ «خطاب ليبيا» كان مقنعاً، رغم أنّه لم يجب عن كل الأسئلة المطروحة من السياسيين والشعب. في المقابل، رأى زميله في الصحيفة ستيفن سترومبرغ أنّ الخطاب قدم تبريرات مقنعة وقوية، لكنّه افتقر إلى استراتيجيات مستقبلية واضحة، متسائلاً عن معنى عبارة «مساعدة المعارضة»، فهل هي تسليحها أم تدريبها أم منحها المال؟ من جهته، استنتج توم ريكس، الاختصاصي في شؤون الأمن القومي في مجلة «فورين بوليسي»، أنّ أوباما يهدد السعودية من خلال الخطاب، محيلاً إلى نهاية الخطاب حين قال الرئيس إنّ العملية العسكرية تأتي في سياق الانتفاضات العربية؛ «فالتاريخ إلى جانب قوى التغيير، لا إلى جانب المستبدين». لكن زميله في المجلة بيتر فيفر، وجد الخطاب مُرضياً، لكن غير مقنع. فهو تطرق إلى المعطيات الحالية دون الحديث عن النتائج، فيما لم يرد في خطابه أي سيناريو سلبي، وهو احتمال وارد الحصول. كذلك أسف فيفر لاقتصار الخطاب على أسباب التدخل في ليبيا دون غيرها من الدول التي تبدو فيها الأوضاع مشابهة. ويضيف فيفر أنّ الخطاب، رغم ذكائه، لم يكن واضحاً وصريحاً جداً؛ إذ تشوبه بعض النقاط الغامضة. ويقول إنّ أكثر ما فاجأه هو عبارة «كرئيس لم يكن بإمكاني انتظار صور المجازر للتحرك»، مشيراً إلى أنّها قد تكون إشارة إلى اعتناق أوباما عقيدة الاستثناء الأميركي والحروب الاستباقية الخاصة بسلفه، جورج بوش الابن. عقيدة، رأى يوجين روبنسن في «واشنطن بوست» أنها لا تناسب الضعفاء، منتقداً عدم التطرق إلى أهمية السياسة والنفط في قرار التدخل العسكري. واستنتج روبنسون أنّ خطوط عقيدة أوباما العريضة أصبحت واضحة، لكن لا يمكن معرفة تفاصيلها.