بيار أبي صعبمنذ ربع قرن ورجاء بن عمّار تسعى إلى جمع عناصر مختلفة في عمل واحد، بحثاً عن احتفاليّة أخرى. وعملها الجديد يمثّل بهذا المعنى لحظة ذروة. كان الجمهور مدعواً إلى التجوّل في أنحاء العرض ـــ الفضاء، بحثاً عن أضغاث الحكاية. كأن المسرح اهتدى فجأة إلى بعده الرابع. شخصيات ميكانيكيّة، ومشاهد منتزعة من الحياة. مع الدمية العملاقة التي تستقبلنا بالغناء الأوبرالي عند المدخل سيبدأ «زيّاحنا» procession. طريق من الضوء يقودنا إلى رجاء بن عمّار، أمام الميكروفون تستأنف مونولوغها الذي لم يتوقّف منذ مونودراما «هوى وطني» (2005). «الدمقرطة مثل مكافحة الفئران». أميركا الدولة الغازية. بعد قليل سنلتقيها في الطابق الثاني، في نهاية رحلة بين أعمال تجهيز وفيديو ولوحات حيّة. ندخل منزلاً فيه عروس تنزف من جرحها الحميم فوق المغطس، وامرأة واقفة أمام براد فارغ، ورجل مقنّع جالس إلى طاولة عليها قطعة من اللحم. على الشرفة يظهر ملاك رأسه مضاء بالنيون يرقص ببطء، يكاد يقفز. الصرخات تمزق أحشاء الليل، أي مأساة تحاك هنا؟ امرأة بالأبيض تحتضن طفلها، على وجهها أمارات الذعر، تتأرجح في مواجهة أكداس من الصحف. هل نواصل؟ على شاشة فيديو طفلة تكتب على دفترها المدرسيّ قصاصاً لانهائيّاً. نسمع صوتها يردد تلك الجملة الشهيرة لـ«هاملت»: «هناك شيء فاسد في مملكة الدنمارك». وتحت الشاشة تجلس امرأة في الظلمة مع طفل دمية، وعلى الأرض مجزرة من الدمى المكدّسة. في الدور العلوي ستكتمل عناصر الحكاية، بين ممثلين يلامسون الجدران الجرداء ويتهاتفون، وراقصة تنهض من موتها على مرتبة مخلعة، تحاول أن تحتفظ بتوازنها. رجاء مجدداً. كان بودّها لو تروي لنا حكاية. لكن السرد ينقطع كلّ مرّة. الحكايات كثيرة ومتداخلة: الحب والحرب. و«حبّة الرمان» المتمرّدة التي تفعل ما يحلو لها. بعد قليل سيتحلّق الجميع حول عازف البيانو ويؤدّون مع المغنية (عليا سلّيمي) مقطعاً لكورت فايل/ بريخت من «أوبرا القروش الثلاثة». قبل أن ينتهي الاحتفال بأغنية تراثيّة حزينة.