«تقاسيم ما بعد العراك» هي تمارين عراك، وفعل ممتد حتى الإدمان. ذاكرة الحرب الأهلية ستكون الأكثر حضوراً في هذا العرض، كأنّها وقعت الآن، أو بالأمس فقط. لم نتطهر من الحرب على رغم مرور كل هذه السنوات. على خشبة «مسرح المدينة» (بيروت)، انطلقت المسرحية التي تحمل توقيع المسرحي اللبناني ناجي صوراتي.
ممثلون هواة، يحملون أوشاماً أشبه بخانات التصويب، كأنّهم في انتظار الرصاصة القاتلة. أجساد الشبان شبه عارية، وطقوس العرض أشبه باحتفالات قديمة قبل الأديان السماوية. تقف المرأة في مركز العرض، تخرج من فستانها الأجساد كما الأم، تلد الأبناء واحداً تلو الآخر. هؤلاء سيصيرون كقابيل وهابيل. اقتتال الإخوة ــــ وفق ما أراد صوراتي أن يقول ــــ ليس اختراعاً لبنانياً جديداً ... إنه قديم قدم الإنسانية. اللعب يتحول عراكاً في غمضة. نتابعه برقصات، بخطوات، بأنصاف الطبول التي تقرع إيذاناً بالحرب.
لناجي صوراتي لغته الخاصة. مسرحيته «تقاسيم ما بعد العراك» المقتبسة عن نصوص لنصري الصايغ، ترتكز في جزء كبير منها على القسوة. لا حوار ولا شخصيات بالمعنى الكلاسيكي، بل جمل، وشهادات وإفادات يقولها الممثلون. يحكون عن القتلى الذين «راحوا»، وعن القتلة الذين ما زالوا في لبنان.
إذاً، غاب الحوار الكلاسيكي، فصاغ صوراتي مسرحية تكثر فيها عناصر «البطولة». الموسيقى التي تمتزج بين أنغام تراتيل، ومقطوعات شرقية، وقرع طبول ... من ثمّ هناك الرقص والمواجهة بالعنف الجسدي. القتال هو العنصر الأهم. تُتلى شهادات ثم يقوم صراع، نتابع مشهداً أقرب إلى الكوريغرافيا ثم يقفل بمواجهة المصارعين، بالممثلين يحومون حول الحلبة ويصرخون تشجيعاً. أما القتلى، فلا يعرفون لماذا ماتوا، ولماذا لا يزال حضور الحرب قوياً. يحملون قبورهم، يطلقون الأصوات، ويرمون ذاكرتهم أمام المشاهدين.
السينوغرافيا، والإضاءة، والموسيقى والأدوات البسيطة التي استخدمت للديكور، كلها عناصر جاءت في خدمة رؤية صوراتي. وكانت تحية الختام تتويجاً جميلاً حيث أدى الممثلون تحيات مصارعين أو مقاتلين.
لكن ثمة ما أضعف من عفوية العمل وصدقيته. ونقصد هنا أداء شهادات باللغتين الإنكليزية والفرنسية، إلى جانب العربية، ما جعل بعض ما يُقال في غربة عن هوية العمل وروحه.

«تقاسيم ما بعد العراك»: 8:30 مساءً حتى 13 نيسان (أبريل) الجاري ــــ «مسرح المدينة» (بيروت). للاستعلام: 01/753010