تتناقل ألسنة السياسيين السؤال عمّا يحصل في سجن رومية المركزي. لا يدري هؤلاء حقيقة ما يجري وحجمه. يرصدون وسائل الإعلام المرئيّة لمشاهدة صور الاحتجاجات، ويتلقّى كلّ واحد منهم تقريراً شفهياً من المقرّبين منه في القوى الأمنيّة الموجودة في السجن. بعض هؤلاء الساسة بات يتلقّى اتصالات مباشرة من السجن. ليس المقصود وصف حالة السياسيين وهم يتلقّون معلومات عمّا يحصل في رومية. فبعد هذا الوصف، ينتقل الحديث إلى الأسباب التي أدّت إلى ما حدث. يُدرك معظم الساسة أن واقع سجن رومية الحالي بعيدٌ جداً عن تأمين إقامة لسجناء تضمن لهم حقوقهم وكرامتهم، ويُدرك هؤلاء أن تصحيح الأمور لا يُمكن أن يحصل في لحظة توتّر، أو أن يجري ارتجالاً.
في قراءة هادئة وباردة، يمكن الخروج بخلاصات عدّة.
أولى هذه الخلاصات، هي أنّ الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي هو من يتحمّل مسؤوليّة ما يحصل في السجن، فتأخير تأليف الحكومة أوصل البلاد إلى حالة فراغ، بحيث لا أحد يجد نفسه قادراً على المبادرة إلى حلول جذريّة وسريعة. وتتحمّل الأكثريّة النيابيّة المسؤوليّة إلى جانب ميقاتي، لكنّها لا تتقاسمها معه، خصوصاً أنّ التنازلات التي قُدّمت لميقاتي حتى اليوم، كفيلة بالسماح له بإعلان ولادة هذه الحكومة فيما لو رغب.
ففي الأسبوعين الأخيرين شهدت البلاد خضّتيْن أمنيتين وثالثة خارجيّة، لا يُمكن حكومة تصريف الأعمال تحمّل مسؤوليّتها كاملة. البداية كانت بخطف الأستونيين السبعة، العملية التي لم تصل التحقيقات فيها إلى نتيجة حتى اليوم، والثانية انتفاضة السجون التي بدأت في سجن رومية، ويُرجّح أن تنتقل إلى سجون أخرى، والثالثة أزمة المغتربين اللبنانيين في ساحل العاج، وعدم تدخّل الحكومة لحماية رعاياها، مع عدم معرفة مدى تأثير مشاركة سفير لبنان في ساحل العاج علي عجمي في تنصيب الرئيس لوران غباغبو على الوضع.
الفراغ السياسي الذي تشهده البلاد، إضافةً إلى المعركة المحتدمة حول وزارة الداخليّة، وعدم إجراء التعيينات الإداريّة في الفئتين الأولى والثانية، وهو ما يترك مئات الوظائف شاغرة، عوامل تُساهم في تعقيد الوضع الأمني، خصوصاً أن من المتوافق عليه أن الأمن هو قرار سياسي قبل أن يكون عملاً أمنيّاً. علماً أن المطلوب من الحكومة المقبلة، بناءً على تصريحات الكتل النيابيّة التي تُؤلّف هذه الوزارة، هو إجراء إصلاحات واسعة في الجهازين الأمني والقضائي، وهما الجهازان المسؤولان مباشرةً عن الأزمة القائمة في سجن رومية.
لكن، حتى لا تُحمّل المسؤوليّة الكاملة إلى ميقاتي وحلفائه في الأكثريّة النيابيّة الجديدة، يقول سياسيّون كانوا فاعلين في مرحلة الوجود السوري في لبنان، إن موضوع بناء سجون جديدة طُرح مراراً على طاولة البحث، «لكن القابضين على القرار السياسي حينها، فضّلوا أن تقتصر عمليّة الإعمار على الأتوسترادات ووسط بيروت التجاري».
إذاً، العقليّة الاقتصاديّة التي أرساها الرئيس المغدور رفيق الحريري، رأت في عمليّة إعمار الأرياف والمناطق النائية أمراً غير ضروري فكيف بالسجون، «لأنهم أرادوا «إنجازات» سريعة ليُفاخروا بها أمام الناس» كما يقول سياسي عتيق. فبقي سجن رومية سجناً مركزياً وحيداً، تتراكم فيه المشاكل يوماً بعد آخر، ويحمل أعباء السياسة الاقتصاديّة التي زادت عدد المهمّشين بين العباد، وعدد من سجناء رومية هم من المهمّشين الذين نبذتهم الدورة الاقتصاديّة ودخلوا إلى السجن نتيجة لهذا التهميش.
لا يُمكن أن يكون نقاش ما يجري في سجن رومية أمنياً في أي يوم، ولا بدّ من إجراءات سياسيّة واقتصاديّة دائمة، لا مجرّد ردود فعل.