لا يمكن أن يكون الشغب هو الحلّ. ولا يمكن أن يكون القمع بالقوة هو الحلّ. ولا يمكن الضرب والتكسير والحرق والتدمير أن تأتي بالحلّ. لا تسجن الدولة فقط من ثبت لدى القضاء ارتكابه جريمة، بل من ينتظر محاكمته لسنين طويلة خلف القضبان أو من انتهت مدّة حكمه وبقي محتجزاً لعدم حيازته أوراقاً ثبوتية. تسجن الدولة آلاف البشر في أماكن ضيّقة لا تتناسب ظروفها مع المعايير الإنسانية والحقوقية.
تسجن الدولة في لبنان نحو 5000 إنسان، وبالتالي فإن الأمر يعني أكثر من 50 ألفاً هم ذوو السجناء وأحباؤهم. ولذلك تقتضي المسؤولية مساهمة الجميع في تصحيح الخلل، عبر البحث عن الحلول المناسبة. ويبدأ حلّ مشاكل السجون بتشخيصها بدقة.
يمكن تحديد مشاكل السجون على النحو والترتيب الآتيين:
أولاً، قانون تنظيم السجون غير صالح، إذ إنه قديم العهد (صدر عام 1949)، ولم يعد يتناسب مع تطوّر السياسة العقابية من جهة، ومع التغييرات الديموغرافية في لبنان من جهة أخرى. إن ضرورة ارتكاز الإصلاح الجدي على مرجع ثابت تبرّر تحديد هذه المشكلة قبل غيرها.
ثانياً، تباطؤ المحاكمات وتأخير بتّ الدعاوى والملفات القضائية، ما يؤدي إلى احتجاز أشخاص لمدد طويلة قبل صدور الأحكام بحقّهم. فمعظم السجناء في لبنان أبرياء حتى تثبت إدانتهم أمام المحكمة.
ثالثاً، إن قوى الأمن الداخلي ليست مؤسسة متخصصة في إدارة المرافق العقابية، ولا يحظى عناصرها وضباطها ورتباؤها بالتدريب الذي يؤهلهم مهنياً لتنظيم السجون والتعامل مع السجناء. وبالتالي، يستخدم حرّاس السجون أساليب غير قانونية وغير مناسبة. ويُظلم سجناء بسبب نظام الامتيازات الخاصة التي تُمنح للشواويش وعصاباتهم.
رابعاً، تتميّز السجون بالاكتظاظ الخانق. فالغرف التي كان يفترض أن يسجن فيها شخص واحد، يُحشر فيها أربعة أو خمسة أشخاص. ويصعّب الاكتظاظ المواجهات وتفتيش الأغراض والزوّار، ويؤدي إلى نقص حاد واستنسابية في تقديم الخدمات والحقوق الأساسية لكلّ سجين.
خامساً، مباني السجون غير مناسبة، إذ إن معظمها لم يصمّم ليكون سجناً. أما البنية التحتية للسجن المركزي في رومية، فهي مهترئة، وتعاني المباني من مشاكل في الجدران والإمدادات الصحية والكهربائية.
سادساً، تعاني السجون من نقص حاد في البرامج التربوية والإصلاحية والمشاغل. فمشاهدة التلفزيون هي «النشاط» الوحيد الذي يمارسه السجناء، إضافة إلى تعاطي أدوية الأعصاب وحبوب الهلوسة التي تهرّب إلى السجن.
سابعاً، مشكلة معاناة ذوي السجناء الذين يشكون من تعامل حراس السجن معهم بقسوة. فتُعاقب الأمّ والطفلة والوالدة والعجوز على أبواب السجون، عبر انتظارهم لساعات تحت الشمس والمطر، قبل السماح لهم بمقابلة أحبائهم.
أما الحلول، فيمكن أن تبدأ عبر لجنة وزارية لمعالجة أزمة السجون، تتألف من وزارات العدل والداخلية والدفاع والأشغال والصحة والشؤون الاجتماعية والتربية. وتنبثق عن تلك اللجنة ثلاث مجموعات عمل: تؤلّف الأولى من كبار القضاة الملحقين بوزير العدل والنيابات العامة، وتعمل على مراجعة جميع الملفات القضائية للسجناء الموقوفين في السجون، إذ إن آلاف السجناء موقوفون لمدد طويلة لا تتناسب مع الحدّ الأقصى للاحتجاز قبل المحاكمة، بحسب المعايير الحقوقية الدولية. أما باقي السجناء، فمعظمهم يشكو من فساد بعض القضاة وعدم استقلاليتهم وكفاءتهم، وكذلك بعض المدّعين العامين والموظفين في قصور العدل، ما أدى إلى صدور قرارات ظالمة بحقّهم. أما مجموعة العمل الثانية فتتألف من الضباط في مصلحة الأبنية التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، ومن مهندسين من مجلس الإنماء والإعمار، ومهمتها إصلاح البنية التحتية لمباني السجون، على نحو عاجل، وخصوصاً أنابيب مياه الشرب والمجاري الصحية والتهوئة والكهرباء وبوابات السجن الخارجية والداخلية. كذلك يفترض تركيب بوابات غير قابلة للخلع داخل ممرات المباني، تعمل بواسطة الضغط، وتستخدم أثناء حالات التمرّد لمنع توسّعه. وتتألف مجموعة العمل الثالثة من مندوبين عن وزارات الصحة والشؤون الاجتماعية والتربية، إضافة إلى قائد الدرك وآمر سرية السجون. حيث تطلق هذه المجموعة سلسلة من البرامج العلاجية (معالجة الإدمان) والصحية (تمارين رياضية) والتربوية (محو أمية) والمهنية (مشاغل)، وذلك بالتعاون مع الهيئات غير الحكومية. ويبقى السؤال: متى ينطلق الإصلاح؟