«إنها بداية الفصل العنصري، وقريباً قد يبدأ إنشاء الجدران العازلة بين الطوائف». بهذه الكلمات، علّق قانوني بارز على مشروع القانون الذي تقدّم به وزير العمل بطرس حرب أمس، والذي ينصّ على منع بيع الأراضي بين أبناء الطوائف المختلفة (منع مسيحي من بيع أرضه لمسلمين ومنع مسلم من بيع أرضه لمسيحيين). أما رئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط، فلم يجد كلمة سوى «الجنون» لوصف المشروع. وبرأي جنبلاط، فإن «مشروع حرب يمثل نهاية الأفق المسدود للمارونيّة السياسيّة. وبعدما فشلت في السياسة، وحققت بعض النجاحات في الاقتصاد على حساب التقاليد والتراث، وصلنا إلى ما طمح له البعض وهو الفينقة الاجتماعيّة».
أضاف جنبلاط في اتصال مع «الأخبار»: «بعدما وصلت المارونيّة السياسيّة إلى أفق مسدود بالتحالفات من 1958 إلى 17 أيّار، حولوا فكرة الوزير ميشال إده الرامية إلى إنشاء صندوق لشراء الأراضي إلى مشروع القانون هذا، وخصوصاً بعدما جاء كارلوس سليم وأبلغهم أنه لا يملك الأموال، بل يُدير 50 مليار دولار، وانتهت إقامته بأن دفعت رئاسة الجمهوريّة فاتورة إقامته في فندق الحبتور».
بدوره، رأى أحد نواب تكتل التغيير والإصلاح أن مشروعاً مماثلاً يناقض روح الدستور اللبناني. وإذا كان ثمة مشكلات جدية في مناطق تعرضت للتهجير خلال الحرب الأهلية، فما هكذا تكون معالجتها.
مشروع حرب غير مسبوق في لبنان، لناحية السعي إلى قوننة الفصل الطائفي. فما هو متّبع عرفاً منذ ما قبل عام 1943، لجهة تخصيص طوائف ومذاهب بمناصب ومواقع رسمية محددة، بقي في إطار «التقاليد»، من دون أن يجرؤ أحد على تثبيته في نصوص قانونية أو دستورية، باستثناء الحديث عن المناصفة في وظائف الفئة الأولى وتوزيع المقاعد النيابية. ورغم أن أحد الوزراء المحسوبين على رئيس الجمهورية وضع مشروع حرب في إطار المزايدة السياسية ومحاولة الحصول على بضعة أصوات إضافية في الانتخابات النيابية، فإن ذلك لا يلغي خطورة الخطوة التي أقدم عليها وزير العمل، والتي تضع حدوداً مخالفة للدستور والقوانين على المواطنين اللبنانيين، بذريعة مخاوف ديموغرافية وطائفية. وفي الأسباب «الموجبة» لمشروعه، يرى حرب أن إصدار القانون يسعى إلى الحفاظ على العيش المشترك القائم على اختلاط اللبنانيين الجغرافي والثقافي! ولم يوضح نائب البترون كيف يتمكن اللبنانيون من الاختلاط جغرافياً، فيما لو قرر أبناء كل طائفة أن «يتقوقعوا» في الـ«غيتو» الخاص بهم، وأن يبدأوا بوضع القيود على أبسط حقوق المواطنين، أي المعاملات التجارية الحرة. ورأى قانونيون اطلعوا على مشروع القانون أنه «بداية لمشاريع خطيرة، قد تصل إلى دعوة المواطنين لمقاطعة التجار الذين لا ينتمون إلى طوائفهم، بذريعة تحسين الأوضاع الاقتصادية في «مناطقنا»».
وزير العمل وضع سقفاً زمنياً لمشروعه، وهو 15 عاماً، وضمّنه عقوبة تصل إلى السجن مدة 10 سنوات للمخالف، مع غرامة مالية قدرها ضعفا ثمن العقار المبيع. والغريب فيه أن أسبابه الموجبة تتضمن صراحة المواد القانونية والدستورية التي يخالفها هذا المشروع، كالمادة 15 من الدستور التي تصون حق الملكية الفردية، «باعتبار أن النظام اللبناني مبني على مبادئ الاقتصاد الحر وحتى التملك والتصرف بالملك». كذلك أدرج النائب المحامي عدداً من فقرات مقدمة الدستور، وخاصة منها تلك التي تنص على أن «لبنان جمهورية ديموقراطية تقوم على احترام الحريات» (فقرة ج)، «وأن أرض لبنان أرض واحدة لكل اللبنانيين، فلكل لبناني الحق في الإقامة على أي جزء منها والتمتع به في ظل سيادة القانون، فلا فرز للشعب على أساس أي انتماء كان» (فقرة ط).
رغم ذللك، فإن حرب يقدّم على الدستور مخاوفه الناتجة من كون «عمليات بيع العقارات وشرائها الحاصلة هذه الفترة، والتي تنقل ملكية عقارات كبيرة من أفراد ذوي لون طائفي، إلى أفراد من لون طائفي آخر». وبرأي المشرّع المخضرم، فإن هذا الأمر «يستدعي التدخل السريع من المشترع للحؤول دون ضرب صيغة العيش المشترك والوحدة الوطنية، أو تسهيل هجرة اليد العاملة اللبنانية، ولا سيما المنتجة منها، نتيجة فك ارتباط قسم من اللبنانيين بأرضهم وجذورهم. كذلك تستدعي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمراعاة المبادئ الدستورية أعلاه، والمحافظة على حق جميع اللبنانيين بالإقامة في ظل سيادة القانون، وفي مناخ عيش مشترك، ومنع التهجير والهجرة».
لم يكن ينقص مشروع القائد السابق لـ«لواء تنورين» سوى منع تجوّل اللبنانيين في مناطق «الطوائف الأخرى». تجاهل المادة السابعة من الدستور التي تنص على أن «كل اللبنانيين سواء لدى القانون وهم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دونما فرق بينهم». واللافت فيه هو منع البيع بين أبناء الأديان المختلفة، لا بين أبناء المذاهب. وعندما حاولت «الأخبار» الاتصال به للاستفسار منه عن مشروعه، لم يتسنّ لها ذلك بسبب وجوده خارج البلاد. لكن أحد المقربين منه يتولّى توضيح الأمر وفق الآتي: بإمكان شخص ماروني أن يبيع أرضه للبناني أرثوذوكسي أو كاثوليكي، لكن المحظّر هو أن يبيع أملاكه لشخص مسلم! يكمل المقرّب من حرب «دردشته غير الرسمية»: إذا باع المسيحي أرضه إلى مسلم، ثم اكتشف بعد فوات الأوان خطأه وأراد التراجع عنه، فإن بإمكان المسلم أن يقول له: ليس لك عندي شيء. أما إذا باع أرضه لمسيحي وأراد التراجع، يصبح بإمكانه اللجوء إلى مطرانيته أو ما شابه!
هل تصل الطائفية السياسية بهذه البلاد إلى وضع أكثر سوءاً مما هي عليه الآن؟ من يدري؟ ثمة من قد يفاجئنا بلافتة كُتِب عليها: ممنوع دخول أبناء الطوائف الأخرى... والكلاب.