بين الخضوع لمنظمة التحرير الفلسطينية أو عصيانها، ضاعت لقمة عيش عائلات الشهداء «الخوارج» على المنظمة، وارتفعت أرصدة أخرى مؤيّدة للنهج. فمن كان على نهج الرئيس كان شهيداً واستحقت أسرته راتباً، ومن لم يكن، ماتت أسرته من الجوع. لكن، ما هو معيار المنظّمة في تحديد الشهيد؟ وفي حال إثبات عدم «أهليته»، من يعيل أسرته؟
راجانا حمية
تبدأ القصة من حقوق الشهداء أنفسهم. لأسر هؤلاء الحق بمقطوعة شهرية هي عبارة عن راتب تقاعد تتكفل صرفه مؤسسة الشؤون الاجتماعية في منظمة التحرير الفلسطينية بناءً على توصية صندوقها القومي المركزي المموّل من الدول المانحة، على أن تستكمل هذا الراتب الفصائل التي كان الشهيد ينتمي إليها. هذا في المبدأ، لكن، ماذا على أرض الواقع؟
«أرض الواقع لا تمت إلى الواقع بصلة، ففي ظل عجز الفصائل، تأتي المنظمة لتزيد الطين بلة». هذا ما يقوله المسؤول الإعلامي في الجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة حمزة بشتاوي. فعوائل الشهداء المعتمدون في المؤسسة، وهم شهداء الفصائل المسجلون في المنظّمة حتى تاريخ خروج «الفدائيين» من لبنان عام 1982، تتقاضى رواتب. أما بعد عام 1982، فتشتّت الشهداء بين تونس ودمشق وتشتّت معها الراتب، وبقيت هذه الحال حتى التسعينيات، وتحديداً حتى توقيع اتفاق أوسلو عام 1993.
هنا، بدأت التجاوزات. ولأن حركة فتح هي رأس الهرم في اللجنة التنفيذية للمنظمة، باتت المعادلة هي الآتية: الفتحاوي، أو المقرّب منه، له الحق في كل شيء، والمعارض «له الله». لذلك عمدت فتح، منذ عام 1982 حتى اليوم، إلى درس ملفات اعتماد الشهداء بحسب ميولهم السياسية. وبحسب هذا المعيار، حرمت عائلات شهداء كثيرين من حصتها من المؤسسة، كما حرمت الفصائل التي ينتمي إليها الشهيد من حصتها من الصندوق القومي. وفي هذا الإطار، يشير مسؤول بيروت في فتح الانتفاضة، أبو عصام الجشي، إلى أن «الحركة قدمت أكثر من 4 كشوفات بأسماء شهدائها إلى المنظمة التي لم تتبنّ شهيداً واحداً بسبب الخلاف بين رئيس اللجنة التنفيذية في ذلك الوقت، ياسر عرفات، والأمين العام أبو موسى». وبسبب هذا الخلاف، تأخذ عائلات شهداء الحركة «حصة رمزية تراوح بين 60 و120 ألف ليرة لبنانية تصرفها الحركة لمن لا يستطيعون تأمين لقمة العيش. على أن هذه القيمة تتوقف في حالين: بلوغ أبناء الشهيد سن الرشد إذا كان متزوجاً، أو وفاة والديه إن كان عازباً». لكن، حتى هذه الدفعات قد تأتي أو لا تأتي، بسبب «شح» مصادر موازنة الحركة بعد حرمانها من حصتها من الصندوق القومي بسبب خروجها «عن طاعة المنظمة».
ما يحصل مع فتح الانتفاضة، هو نفسه ما يحصل مع فتح ـــــ المجلس الثوري والجبهة الشعبية ـــــ القيادة العامة. فهذان الفصيلان لم يحظيا بحقوقهما بسبب الخلاف السياسي بين القيادات، الذي أدى إلى توقيف عضويتهما من المنظمة. ويقول بشتاوي: «عائلاتنا تتقاضى ما نستطيع تقديمه لها فقط، أما حصتها من المؤسسة فهو لمحمود عباس ومن لف لفه».
وللفصائل المنشقة قصتها أيضاً. فمثلاً جبهة التحرير الفلسطينية المنشقة بين جبهتين، أولى في المنظمة وثانية خارجها، تنحصر مخصصاتها بالجبهة الأولى. حيث تتحول الموازنة إلى الجبهة الملتزمة بالمنظمة. فمثل هؤلاء لن يحظوا بحصصهم في ظل خلافاتهم مع المنظمة. هذه الـ«لن» تلعب دورها في تحويل تلك الحصص إلى بعض الفصائل المنتسبة إلى المنظمة. ففي المنظمة فصائل «مخالفة» لبعض القرارات، إلا أن ذلك لم يحرم شهداءها من رواتبهم الضئيلة أصلاً، لكنه أسهم بتقليصها وتقليص موازنة الفصيل المخصصة من الصندوق القومي. هذه هي حال معظم الفصائل من الجبهة الشعبية مروراً بالجبهة الديموقراطية وصولاً إلى جبهة التحرير.. باستثناء حركة فتح.
هي الوحيدة التي يتقاضى شهداؤها كامل مستحقاتهم، إضافة إلى «bonus». وهو ما يستغربه مسؤولو جميع الفصائل المعارضة والموالية. وفي هذا الإطار، يستغرب عضو قيادة فرع الجبهة الشعبية حسين باسم «المبالغ الإضافية الدائمة التي يحظى بها الفتحاويون على حساب الباقين». وهو ما يرفضه مسؤول بيروت في حركة فتح ومنظمة التحرير خالد عارف، مشيراً إلى أن «عائلات الشهداء تأخذ ما يناسب وضعها، ولا ميزة لشهيد على آخر».
إذاً، قال عارف إن لا ميزة لشهيد على آخر، وهو ما لم يقله مدير الشؤون الاجتماعية في لبنان شريف أبو أيمن. فعند سؤاله عن مستحقات شهداء فتح ـــــ المجلس الثوري وفتح الانتفاضة مثلا، أجاب «لدينا فتح واحدة وهي تأخذ مستحقاتها». ونحن هنا، نكرر السؤال: ما مصير عائلات هؤلاء؟ ربما العمل خدماً في البيوت، كما يحصل مع زوجة أحد الشهداء وبناتها الثلاث في مخيم برج البراجنة.


شهيد فلسطين بعهدة حزب الله

فيما تنشغل الفصائل الفلسطينية بخلافاتها السياسية، يبحث أهالي شهدائهم عمن يسد رمقهم. وأمام هذا الواقع الذي بات مفضوحاً، استحدثت مؤسسة الشهيد في حزب الله مؤسسة شهيد فلسطين لمساعدة عائلات الشهداء الذين قضوا في عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي. وتساعد هذه المؤسسة حالياً 500 عائلة، فتقدّم لهم «مساعدة شهرية تراوح بين 75 و150 ألف ليرة لبنانية، وتأمين علاج مجاني في الحالات التي لا تغطيها الأونروا، إضافة إلى منح مدرسية سنوية تصل إلى حدود 500 ألف ليرة لبنانية»، بحسب ما يشير مدير المؤسسة بلال سعد.