قرّر الوزير مروان شربل، يوم أمس، نزولاً عند رغبة الأب عبده أبو كسم، رئيس «المجلس الكاثوليكي للإعلام»، سحب فيلم «تنّورة ماكسي» من الصالات، بعد حصوله على تأشيرة من الأمن العام... تأشيرة كانت قد كلّفت المخرج الشاب جو بوعيد مجموعة تنازلات وتعديلات على النسخة الأصليّة للعمل الإبداعي، نزولاً عند رغبة الرقيب آنذاك. ليست المرّة الأولى التي يوجّه فيها «المركز الكاثوليكي» ضربة قاسية لحريّة التعبير في لبنان. ليست المرّة الأولى التي تتصرّف فيها مؤسسات الدولة كخادم أمين على أبواب ملوك الطوائف. خادم، أو تابع مهمّته تنفيذ تعليمات أسياده وحماية مصالحهم وأيديولوجيّاتهم.
في اللحظة التي يقف فيها لبنان كلّه على كفّ عفريت، تحديداً لأن المؤسسة الرسميّة عاجزة عن فرض منطق الدولة والقانون على الجماعات المهتاجة التي تريد أن تطبّق منطقها وقانونها ضدّ الدولة، يجد وزير الداخليّة اللبناني متسعاً من الوقت لمنع فيلم سينمائي. يفعل ذلك نزولاً عند رغبة رجل دين يدّعي الوصاية على عقول الناس، ويحتكر الكلام باسم المؤمنين. لماذا لم يذهب الأبونا إلى المحكمة، لتحصيل حقّ جماعته؟ لأنّه يعتبر أن الدولة هي في خدمته. تصوّروا أن كل فيلم ينتج ويعرض في لبنان، يجب أن يحوز رضى زعماء ١٨ طائفة، وأن يتجنّب الكلام في الجنس والسياسة والدين والحرب الأهليّة. ستقتصر الحياة الثقافيّة والحالة تلك، على مسرحيّات الأب فادي تابت، إضافة إلى «الليالي اللبنانيّة» العزيزة على قلب وزير السياحة. أما وزير الثقافة، فلعلّه لم يسمع بخبر مصادرة الفيلم، ولا بالفيلم من أساسه. لا توقظوه رجاءً، لا تزعجوه بمقولات «يساريّة»، منها أن الدفاع عن حريّة المبدعين أولى مهمّاته... لعلّه لزّم الموضوع للقطاع الخاص، بناءً على نصيحة زميله في السياحة.
نصيحة أخيرة، لا تقولوا إن «تنورة ماكسي» منع من العرض. لقد علّق عرضه ريثما تعيد مشاهدته (وتعديله) لجنة من الرهبان والعسكر... طبعاً نعرف جميعاً أن الفيلم سيكون ابتداءً من اليوم في كل محالّ الفيديو المقرصنة التي لا يستطيع وزير الداخليّة إقفالها. لكن ما هم، لقد حقّق الإكليروس، بشخص الأب أبو كسم، انتصاراً رمزياً على الدولة المدنيّة.