سؤال وُجِّه إلى راﺋﺪ فضاء، عن أجمل مشهد رآه في كوكب الأرض، أجاب: «لبنان». سألوا باستغراب: ليش؟، ردّ رائد الفضاء: «ﻟﺒﻨﺎن من الفضا ﻣﺘﻞ ﺷﺠﺮة اﻟﻤﯿﻼد ٥ دﻗﺎﺋﻖ ﺑﯿﻀﻮي و ٥ دﻗﺎﺋﻖ ﺑﯿﻄﻔﻲ». (عن صفحة فرح جمال الدين على الفايسبوك)
وزارة الطاقة والمياه في لبنان ظالمة. تظلم 4 ملايين لبناني منذ عشرات السنوات، بتقنين كهربائي امتصّ مليارات الدولارات من جيوب الناس، بلا أي جدوى. تظلم 2500 مياوم لم تعمل على تثبيتهم منذ عشرين عاماً، تحرمهم الضمان الاجتماعي، الراتب الشهري، الاستقرار الوظيفي، وتهددهم بالصرف بعد أشهر من الآن لمصلحة الشركات الخاصة. يلتفت وزير الطاقة والمياه جبران باسيل يمنة ويسرى. يحاول إيجاد من يسانده في «ثورته» على مياومي الكهرباء، من يسانده في صرفهم «على السكيت».

لا يجد أحداً، سوى بعض السياسيين الذين ربّتوا أكتاف من سبق باسيل إلى هذه الوزارة، مُثنين على جهودهم في قهر المياومين.
يوم أمس، كان الدخان الأسود يتصاعد من داخل مؤسسة كهرباء لبنان في كورنيش النهر. كلا، لا يوجد إحراق للدواليب. فهنا، يوجد بعض القمامة، قابلة للاحتراق أيضاً. باسيل، الذي رفض حتى الاجتماع بلجنة ألّفها المياومون أمس، لم يجد أي رادع لوصم المياومين بالمشاغبين والخارجين عن القانون. استفاض ليدعو العمال إلى شكره؛ فهو _ بحسب تعبيره _ أول من فكر بتسوية أوضاعهم. علماً بأن ما يطرحه هو إدخال 700 مياوم من أصل 2500 إلى الملاك، من خلال مباراة لمجلس الخدمة المدنية. مباراة تضع المياوم الذي مضى على خدمته مؤسسة الكهرباء 20 عاماً وترك الجامعة منذ عشرات السنوات، في مواجهة متخرجين جدد وأصحاب «الواسطات». استفاض وزير الطاقة والمياه كثيراً، ليعتبر أن انتفاضة المياومين لحقوقهم «تلحق ضرراً بمؤسسة الكهرباء»، لا بخططه وبواخره التي لم تعرف حتى اليوم أن تصل إلى مرفأ لبناني. واستفاض أكثر، ليدعو المياومين إلى أن «يشكروا من كذب عليهم ووعدهم بالتثبيت»؛ فهو «الصادق» الذي وعدهم بالصرف. استفاض ليعتبر أن تحرك المياومين «يهزّ الأمن» بعد أن صرح بأن خيمهم شبيهة بـ«خيم طرابلس»، وكأن الأمن الاجتماعي لهؤلاء لا مكان له في نظريات الإصلاح والتغيير التي يتغنى بها.
أمس، في باحة مؤسسة الكهرباء التي يلفها الدخان الأسود، كان المياومون الذين «يهزون الأمن» متكاتفين والمطلب واحداً: التثبيت. وكان قرار لجنة متابعة مطالب المياومين حاسماً: نحو التصعيد السلمي. كانوا أمس من شتى الأطياف السياسية والمذهبية والطائفية. كانت النساء أقرب إلى الدخان من الرجال. صوتهن يرتفع مع الأصوات الداعية إلى فك الظلم. باختصار، كان المشهد النسائي لافتاً. فاطمة رضا، عمرها 37 عاماً، عضو في مفوضية جبل لبنان في التيار الوطني الحر، «نريد التثبيت» ترفع صوتها بالمطلب الشهير. توجه رضا تحية إلى «رفيقها» في التيار جبران باسيل: «تأملنا بك خيراً، وبدلاً من أن تنصفنا، فإذا بك تتحول سكّيناً». رضا تعمل منذ 9 سنوات مياومة في مؤسسة الكهرباء: «نحن أبناء عائلات. نحن لدينا كرامات، ولدينا خبرات لسنوات في عملنا. إن ما يقوم به الوزير باسيل هو ظلم، ومطالبنا محقة». رضا تخرجت من الجامعة منذ نحو 15 عاماً، وتصر على إدخال جميع المياومين إلى الملاك كأجراء موقتين، «وبعدها، فلنخضع لمباراة محصورة، لكي نتطور في عملنا ونتقدم في الفئة والدرجة، لا أن نُرمى خارج المؤسسة بلا أية تعويضات أو بدائل وظيفية».
مضى على إضراب المياومين 29 يوماً، أي إن المضربين لن يحصلوا على راتب خلال هذا الشهر، «وعلى الرغم من ذلك سنستمر إلى أن تتحقق مطالبنا»، تقول أمل أمهز. تصر أمهز على أن ننقل عنها العبارة الآتية: «نحن ننتخب في سن الفيل، عائلتنا مكونة من 450 صوتاً، انتخبنا مرشحي الجنرال، وهذه الدورة الانتخابية لن نفعل». تقول أمهز إنها تعمل مياومة إدارية في أمانة السر منذ 3 سنوات، وبدلاً من أن يسعى وزير الطاقة لتحصين حقوق من قدم الكثير لهذه المؤسسة وحمايتها، يهددهم بلقمة عيشهم. تؤكد أنها لن تتوانى عن المشاركة بأي تحرك، مهما بلغت درجة التصعيد، لا من أجل حقها فقط، بل من أجل جميع زملائها. نسرين الحلبي، أمضت عشر سنوات من عمرها الذي لا يتجاوز 28 عاماً في العمل في مؤسسة الكهرباء كمياومة. «لا ضمان، ولا استقرار ووعود دائمة بالتثبيت»، هذا هو حال عملها. تتقاضى نسرين 700 ألف ليرة، وترى أنه لا إمكان في الحصول على المطالب إلا من خلال تصعيد التحركات «سنقفل الأبواب، كما تقفل وزارة الطاقة أبواب العمل في المؤسسة في وجهنا». الوضع المسيء ذاته تتعرض له لينا سرور (36 عاماً)، التي تعمل منذ 10 سنوات في المؤسسة من دون أية ضمانات أو تثبيت. تلفت إلى أنها بدأت العمل في عمر صغير، وكبرت في المؤسسة، «أين سأجد عملاً في بلد البطالة الآن؟ وهل توجد وظائف فائضة لكي يكون وزير الطاقة بهذه الحماسة لطردنا؟». أما سميرة فحص، فهي تعمل منذ 14 عاماً في مؤسسة الكهرباء مياومة في قسم الفواتير. تشدد على أن مطلبها الأساسي هو الدخول إلى ملاك المؤسسة، مع جميع زملائها المعتصمين، وتعتبر أن ما يتعرض له المياومون هو فعل غير إنساني، «أين الوطنية وأين الإنسانية في رد جميل عمال يضحون بحياتهم بكل ما للكلمة من معنى، عبر رميهم خارج عملهم بدلاً من تثبيتهم؟». تشدد على أن المحسوبيات والنقاط الحمراء التي سيضعها باسيل على المياومين لن تسمح لهم بالنجاح في أية مباراة، وتؤكد أن مصير الجميع هو الصرف. تستغرب إنصاف بدير أن يكون الإصرار على صرف المياومين من وزارة الطاقة والمياه، «نحن عماد هذه المؤسسة، نعمل في كل شيء، من الإدارة إلى الجباية إلى كنس الأرض، هذه المؤسسة تقوم على المياومين، والآن يريدون صرفنا؟». تشير بدير إلى أنها تعمل منذ 10 سنوات في المؤسسة، أي منذ أن كان عمرها 24 عاماً، «نتقاضى 800 ألف ليرة، فيما كل واحد منا يقوم بعمل موظفين اثنين، نتيجة سياسة عدم التوظيف، هل هذا هو جزاؤنا؟».



12 شهيداً

هو عدد المياومين في مؤسسة الكهرباء الذين استشهدوا احتراقاً أو صعقاً بالكهرباء، إضافة إلى 45 مياوماً تعرضوا للتشويه، بينهم 4 حالات من التشوه الشديد. كذلك تعرض 3 مياومين لإعاقات دائمة، وكل هؤلاء لم يحصلوا على أي تعويضات أو طبابة على حساب مؤسسة الكهرباء.



تكرار لأحداث «معمل غندور»!


في عام 1972، قام 1200 عامل من معامل غندور للحلويات بتحركات هزت الشارع اللبناني. مطلبهم كان مشابهاً لمطالب مياومي مؤسسة الكهرباء، وعددهم أقل. حينها سقط 3 شهداء، وجرح 14 آخرون برصاص الأمن. حينها نظمت تظاهرات تحت شعار «99 لص و17 حرامي» (على عدد نواب المجلس وأعضاء الحكومة). تتشابه الأحداث، يقول أحد المياومين، ويده على رأسه. يهددنا الوزير جبران باسيل، ويتوعدنا، ونحن لسنا سوى طالبي حق. نسرين الحلبي (الصورة) تقول إن الوضع لم يعد يطاق. فقر وإهانة وتهديد بالصرف. تسأل: «هل يريد المسؤولون أن نصعّد؟ إلى أين يريدون إيصالنا؟».