اكتُشفت الجريمة صدفة منذ عشرة أيام في مدرسة مار يوسف ــ عينطورة. يومها قررت التلميذة في الصف الثالث الابتدائي إخبار والدها ما حاول أستاذ مادة الفنون التشكيلية فعله. شرحت تفاصيل مداعبة الأستاذ لها ولزميلاتها رغماً عنهن. الطفلة تحدّثت عن رؤية دماء على ملابس إحدى زميلاتها التي بكت بكاءً شديداً، مؤكدة أن المدرِّس كان يُجبرُ الفتياتِ الصغيراتِ على خلعِ ملابسهن أمامه، ثم يُلصق جسده بأجسادهن ويصوّر فعلته. المعلومات من داخل المدرسة تنفي وقوع فعل الاغتصاب، مستندة إلى تقرير طبيب شرعي. أما المدرّس فلم يوقف بعد، بل يقبع في أحد المستشفيات، بعدما تردد أنه حاول الانتحار.
وأشارت المعلومات إلى أن المدرسة واجهت الأستاذ الذي قدم استقالته، مكذّباً «ادّعاءات» الأهالي. في المقابل، تقدم أربعة أولياء أمور بشكوى ضد الأستاذ، في موازاة بدء الفتيات بعلاجٍ نفسي قدّمته المدرسة.
وفي التفاصيل، فقد بقي المتّهم متوارياً عن الأنظار بعدما أغلق حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي وأقفل مدوّنته، قبل أن تجده القوى الأمنية بعد يومين. أُدخل المشتبه فيه ب. ش.، أستاذ مادة الفنون التشكيلية، البالغ من العمر 22 سنة، إلى مستشفى سيدة لبنان في جونية بعد تعرضه لحادث سير، لا تزال أسبابه مجهولة. والجدير ذكره أن غرفته في المستشفى المذكور تخضع لحراسة قضائية وأمنية مشددة. أما السيارة فوجدت محطّمة بالكامل. وقد توجّه عناصر من مخفر ذوق مصبح إلى المكان بعد وقوع الحادث في منطقة جعيتا، وإثر التحقيقات والتحريات تمكّنوا من الربط بين خبر التحرش الجنسي وحادث السير، لينقل الشاب إلى المستشفى. وتقدّمت النيابة العامة بادّعاء ضدّه، تلاه ادّعاء آخر من لجنة الأهل في المدرسة المذكورة الاثنين الفائت، وأربعة من عائلات الفتيات، بوكالة المحامية وفاء أبي طايع من مكتب المحامي مارون أبو شرف. الادّعاء وُجّه ضد الشاب وضد كل متدخل أو شريك أو محرّض أو جهة مقصّرة. وفي وقت لاحق، ادّعى وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للطفولة على المشتبه فيه.
منذ اكتشاف الحادثة، يعيش أهالي المنطقة عموماً وأهالي تلامذة المدرسة حالة غضب وذعر شديدين. منهم من يتّهم المدرسة بالتلكّؤ ومحاولة إخفاء الحقيقة، ويؤكدون أن إحدى قاعات المدرسة شهدت اجتماعاً بين الأهالي وإدارة المدرسة التي تحاول لفلفة القضية منعاً للفضيحة. أما البعض الآخر فيرفض تداول القضية في وسائل الإعلام، انطلاقاً من مبدأ سلامة الأطفال وسرية التحقيق. والدة إحدى الطالبات في المدرسة أكدت أن «لا كاميرات في الصفوف في المدرسة»، مشيرة إلى أن «القيّمين على المدرسة قالوا للتلاميذ إن الأستاذ يخضع لامتحان لذا لم يحضر إلى المدرسة، بينما كانت المدرسة على دراية بالموضوع منذ 3 أسابيع».
أحد أهالي الضحايا أعرب عن رغبته في إثارة الموضوع في وسائل الإعلام «كي يكون الأستاذ عبرة لغيره»، لكنه ارتأى عدم الكشف عن اسمه بسبب الضغوط التي مورست عليه من بعض الجهات الرسمية. فـ«المسألة أصبحت بيد القضاء الذي سيعيد حق الأهالي بعد معاقبة المجرم». وأكّد أن النيابة العامة ادّعت على الأستاذ وستوقفه فور خروجه من المستشفى، علماً بأنه تردّد أنه سيجري نقل المشتبه فيه إلى مركز بحنس للعلاج النفسي فور خروجه من المستشفى. وهذا، إن صحّ، يطرح علامة استفهام جديدة حول محاولة التستّر على جرم ارتكبه والتخفيف من العقوبة تحت غطاء المرض النفسي.
من جهتها، نفت المدرسة وقوع جرم الاغتصاب استناداً إلى تقرير الطبيب الشرعي، مؤكدة أن هناك تضخيماً في الوقائع والأرقام. وذكرت أن الحادثة اكتشفت منذ 10 أيام. ورأت في بيان وزّعته أمس أن «بعض وسائل الإعلام، في معرض طرحها للموضوع، حوّرت وقائعه وتناولته بخفة متناهية بطريقة بعيدة عن الاحتراف، وكأن الغاية الوحيدة هي التشهير، وتجييش المشاعر، من دون الأخذ في الاعتبار دقة المسألة وحساسيتها، ووجوب متابعتها بشكل علمي».
ورغم اعتبار البعض أن إثارة الموضوع في الإعلام من شأنه أن يمثّل رادعاً لآخرين قد تُسوّل لهم أنفسهم اقتراف الفعل نفسه، رأى طوني الشدياق، رئيس لجنة الأهل في المدرسة، أن «قناة المؤسسة اللبنانية للإرسال أصدرت أحكاماً مسبقة بعدما اتهمت المدرسة بمحاولة إخفاء القضية». وأكد أن «المدرسة اتخذت التدابير على كل الأصعدة، والوثائق تقدم أمام المحكمة، متمنياً ألا تقوم وسائل الإعلام بمهمات القضاء». واستنكر تحميل الكادر التعليمي المسؤولية عمّا فعله أستاذ واحد.
أما في ما يتعلق بحالة الأطفال النفسية، فقد علمت «الأخبار» أن الفتيات الأربع في صحة جيدة، وحالهن النفسية سليمة 100%، بحسب ما أظهرته تقارير الطبيبة النفسية التي وضعتها المدرسة من خارج الملاك، وذلك بعد إخضاعهن لجلستين. ومن المتوقع ألا يخضعن لجلسة ثالثة. كذلك فإن المدرسة في صدد استجواب تلامذة من صفوف الرابع والخامس الابتدائي للتأكد من عدم حدوث أي عمل مشابه مع فتيات أخريات.
وقد أصدر اتحاد لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية في كسروان الفتوح ومنسّقو اللجان في المناطق بياناً تمنوا فيه على وسائل الإعلام عدم التسرّع في نقل الخبر كسبق صحافي والتريث في انتظار ما ستؤول إليه التحقيقات القضائية، علماً بأن أي خطأ أو تصرف غير لائق من قبل أحد أفراد الهيئة التعليمية لا ينسحب على الجسم التعليمي ككل، إضافة إلى الضرر المعنوي الذي قد يصيب المؤسسة وأفراد الهيئة التعليمية عامة.