الكويت | في حدث غير مسبوق في تاريخ الدولة الكويتية، قضت المحكمة الدستورية، أمس، بإبطال عضوية جميع أعضاء مجلس الأمة لعام 2012، برئاسة النائب المعارض أحمد السعدون، وعودة المجلس المنحل برئاسة جاسم الخرافي إلى العمل، الأمر الذي خلط الأوراق السياسية بشكل معقد جداً، وفتح البلاد على مرحلة جديدة غير واضحة المعالم بعد. لكن على ما يبدو فإن انتخابات تشريعية جديدة تلوح في الأفق.
ونصّ حكم المحكمة الدستورية، التي تُعد أحكامها نهائية، على «إبطال عملية الانتخاب برمتها، التي أُجريت بتاريخ 2 شباط 2012 في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أعلن فوزهم فيها، لبطلان حلّ مجلس الأمة وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، والتي تمت على أساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، أخصّها أن يستعيد المجلس المنحل بقوة الدستور سلطته الدستورية كأن الحلّ لم يكن».
وأتى هذا الحكم بعد قبول الطعون المقدّمة من النائب السابق روضان الروضان والمرشحة السابقة صفاء الهاشم في صحة المرسوم الأميري بحلّ مجلس الأمة السابق. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد قبول أمير البلاد صباح الأحمد الصباح استقالة رئيس الحكومة ناصر المحمد الصباح في تشرين الثاني الماضي، كلّف الأمير جابر المبارك الصباح بتأليف حكومة جديدة. لكن قبل أن يؤلف الأخير حكومته، ترأس اجتماعاً لمجلس الوزراء المستقيل، حيث تقرر رفع كتاب إلى الأمير بحلّ مجلس الأمة، وهو ما حدث، لتجري انتخابات نيابية في الثاني من شباط الماضي.
وما إن صدر حكم المحكمة الدستورية، الذي أتى بعد يوم واحد من إصدار أمير البلاد مرسوماً بتعطيل عمل البرلمان لشهر واحد سعياً للتهدئة، حتى صدرت عاصفة من المواقف، وخصوصاً من قبل المعارضة التي يطغى عليها الإسلاميون، وكانت قد فازت بالغالبية في الانتخابات الأخيرة، ونالت منصب رئيس البرلمان، وأصبح لها القدرة على إمالة الدفة لمصلحتها داخل
المجلس.
ورأى نائب رئيس مجلس الأمة المنحلّ، السلفي خالد السلطان، أن «ما حصل مدبّر والأمر أكبر من حكم المحكمة الدستورية»، محذراً من أن هذا التطور «سيقود البلاد إلى نفق مظلم»، فيما طلب زميله النائب الإسلامي المعارض وليد الطبطبائي مجدداً بتأليف حكومة شعبية، أي حكومة يرأسها مواطن من خارج الأسرة الحاكمة، لتكون «قادرة ولا تحركها أياد خفية».
في موازاة ذلك، أعلن عدد من نواب كتلة الغالبية، فور صدور الحكم الذي أعاد البرلمان السابق، استقالاتهم من هذا الأخير، إذ اعتبروه «مجلس القبيضة الساقط»، في إشارة إلى فضيحة الرشى المليونية التي اتهم رئيس الوزراء السابق بدفعها إلى بعض النواب. ووصف النائب المعارض مسلم البراك حكم المحكمة الدستورية بـ«قمة المهزلة وبالانقلاب على الدستور»، معتبراً أن «ما جرى في مصر يتكرر في الكويت»، مؤكداً أنه لا تشرّفه «العودة إلى مجلس أسقطه الشعب الكويتي»، في إشارة إلى قيام آلاف المتظاهرين الكويتيين باقتحام مبنى البرلمان وتنظيم تظاهرات معارضة في تشرين الثاني الماضي.
وأكّد النائب الإسلامي المعارض، جمعان الحربش، خيار الاستقالة، فيما وصف النائب المعارض عبد الرحمن العنجري مجلس ٢٠٠٩، الذي أعادته المحكمة الدستورية بـ«الساقط سياسياً وأخلاقياً وشعبياً». واعتبره «وصمة عار» على البلاد، مؤكّداً أن استقالته منه حتمية وهو «براء منه».
وإذا لم يتعدّ عدد المستقيلين النصف زائداً واحداً من البرلمان، فإنه سيتمّ إجراء انتخابات تكميلية، وإلا فستجري انتخابات تشريعية جديدة. لكن التوقعات تشير إلى أن السلطة ستتجنّب الدخول في تعقيدات، وستلجأ إلى حلّ البرلمان مجدداً، لتجري انتخابات تشريعية جديدة، علماً بأن من غير المتوقع أن تأتي هذه الانتخابات بنتائج مختلفة كثيراً عن نتائج انتخابات شباط الماضي.
في غضون ذلك، بارك أحد أبرز أصوات الأقلية البرلمانية الموالية للحكومة، النائب علي الراشد، للشعب الكويتي «انزياح الغمة بحلّ البرلمان»، معتبراً أن «الحكم جاء في الوقت المناسب»، فيما قال زميله النائب عدنان المطوع «أنصح من يهدد بالنزول إلى الشارع باحترام القضاء ومن لا يرضى يبلط البحر أو يطق رأسه بالطوفة».
بدوره، قال النائب صالح عاشور إن «حكم المحكمة الدستورية كان كالصاعقة شل العقول، وعلينا أن نحافظ على أمن البلد واستقراره والوحدة الوطنية. وفي حالة عودة المجلس السابق، على أعضائه تقديم استقالاتهم تمهيداً لإجراء انتخابات جديدة وبنظام انتخابي جديد لفشل النظام الانتخابي الحالي في الحفاظ على الاستقرار السياسي والتعاون الإيجابي بين السلطتين».
وخاطب النائب الموالي للحكومة عبد الحميد دشتي زميله النائب السلفي خالد السلطان، قائلاً «عظم الله أجركم»، فردّ عليه الأخير «عظم الله أجر الكويت وإنتو السبب»، فيما داعبه عدنان عبد الحميد دشتي بقوله «يلا سلّم سيارتك خليني أوصلك»، في إشارة إلى إعادة النواب سياراتهم الرسمية إلى مقرّ البرلمان.
إلى ذلك، بدأت منظمات المجتمع المدني وعدد من الجمعيات الأهلية بتوجيه دعوات إلى تنظيم تحركات شعبية، بينها دعوة «الحركة الديموقراطية المدنية» الشعب الكويتي إلى التحرك للمطالبة بحكومة برلمانية منتخبة وإمارة دستورية، مع المطالبة بتعديل المادة 174 من الدستور لاستحداث آلية للاستفتاء العام ليكون للشعب وحده الكلمة الحاسمة في أي تعديلات دستورية مقبلة.