أنجز مفتشو وزارة العمل منذ أسبوع تقريباً تقريرهم الأولي حول مخالفات شركة «سبينس» لقانوني العمل والضمان الاجتماعي ومرسوم تصحيح الأجور الصادر عن مجلس الوزراء... وقد تضمّن هذا التقرير أدلّة واضحة على مخالفات كبيرة وكثيرة ترتكبها هذه الشركة بهدف حرمان مستخدميها من حقوقهم القانونية، إذ تبيّن أن إدارة الشركة لا تزال تمتنع عن تسديد زيادة الأجور المقررة منذ شباط الماضي على الرغم من تعهدها خطّياً مرّتين بتنفيذ مرسوم تصحيح الأجور اعتباراً من أول تموز الجاري وبمفعول رجعي من شباط الماضي
، كما تبيّن أن إدارة الشركة تمتنع عن إعادة النقابي سمير طوق إلى عمله على الرغم من تعهّد وزير العمل سليم جريصاتي بذلك في بيانه الأخير، وتبيّن أيضاً للمفتشين وجود مئات من العمّال غير المصرّح عنهم والذين يعانون من ظروف عمل قاهرة، ولا سيما نحو 400 عامل يتوزّعون على جميع فروع الشركة ويعملون على توضيب مشتريات الزبائن وتوصيلها إلى سياراتهم. فقد أرغمت إدارة الشركة جميع هؤلاء على توقيع «عقود تجارية» معها تقضي بأن يسدد كل عامل منهم مبلغ 5 آلاف ليرة يومياً للسماح له بالعمل مقابل «الإكرامية» التي يحصل عليها من الزبون، إي إن هؤلاء العمّال يُحرمون من الأجر ومن الضمان الاجتماعي، فضلاً عن مشاركتهم في الإكراميات التي يحصلون عليها لقاء خدماتهم التي تحتاج إليها الشركة... وتبيّن أيضاً وأيضاً وجود عدد غير قليل من العمّال والعاملات مسجّلين في سجلات الشركة وغير مصرّح عنهم للضمان ويتقاضى بعضهم دون الحد الأدنى للأجور، فضلاً عن وجود عدد من العمّال والعاملات غير مصرّح عنهم بذريعة أنهم يعملون بدوام جزئي، علماً بأن القانون يفرض التصريح عن كل العمّال مهما كان عملهم أو دوامهم. هذه الفضيحة الكبرى التي تطاول نحو 1500 مستخدم في شركة تجارية واحدة معرّضة للفلفة، إذ بات المستخدمون يخشون من تواطؤ حاصل مع إدارة الشركة التي تحظى بالحماية السياسية من أطراف عديدين... ففي مطلع الأسبوع الجاري وضع وزير العمل سليم جريصاتي يده على الملف، طالباً من المدير العام للوزارة بالإنابة عبد الله رزوق إيداعه الملف قبل أن يستكمل موظفو التفتيش تقريرهم النهائي. كذلك وجّه جريصاتي ورزوق تعليمات شفهية إلى الإدارات المعنية في الوزارة بعدم تكليف الشركة بأي غرامات بانتظار تسوية هذا الملف.
وبالفعل، تنتشر في أرجاء الشركة أخبار تفيد بأن هناك عملاً إدارياً دؤوباً جارياً الآن لإخفاء معالم المخالفات وتسوية ما يمكن تسويته من دون أن تضطر الشركة إلى احترام حقوق مستخدميها، في حين ان مصادر مطّلعة في وزارة العمل أشارت إلى استياء واضح لدى المفتشين من جرّاء الضغوط التي يتعرّضون لها لوقف عملهم وعدم إنجاز تقريرهم النهائي بذريعة عدم الإساءة إلى سمعة هذه الشركة. وتؤكّد هذه المصادر أن جريصاتي لا يبدو متحمّساً لتغريم الشركة، ويحاول أن يعالج الإحراج الذي يصيبه عبر دفع إدارة الشركة إلى القبول بتحسين أوضاعها فقط.
ويشير المتابعون لقضية عمال «سبينس» إلى أن مجريات الملف في وزارة العمل بدأت تأخذ منحى مختلفاً. فالوزارة باتت تعمل ضدّ هؤلاء العمّال ورضخت للضغوط السياسية التي مارستها إدارة الشركة، الأمر الذي يكشف عن حجم التواطؤ الذي يمكن أن يحصل بين إدارة رسمية ومؤسسة ما. فرغم أن مفتشي وزارة العمل اكتشفوا، لدى التدقيق في ملفات الشركة خلال الأسبوعين الماضيين، مخالفات جسيمة لقانوني العمل والضمان، وزع «جريصاتي ورزوق تعليمات شفهية معاكسة تقضي بعدم اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الشركة، والقاضية بتغريم الشركة بسبب ارتكابها المخالفات»، يقول المتابعون للملف.
ما جرى فعلياً هو أن الشركة كانت تبحث عن مخرج للورطة التي وقعت فيها، والتي أدّت إلى انكشاف أمر مخالفاتها علناً. فقد ظهرت هذه المخالفات من خلال الشكوى المقدّمة إلى وزارة العمل من مجموعة كبيرة من الموظفين يؤكدون فيها أن الإدارة ترفض تطبيق مرسوم تصحيح الأجور. أما ما نُشر في «الأخبار» بعنوان «Spinneys وتصحيح الأجور» (راجع العنوان الآتي: www.al-akhbar.com/node/96036)، فقد كشف ما قام به المدير الإقليمي ــ الإنكليزي في الشركة مايكل رايت، من تفسير لمرسوم تصحيح الأجور وفق رأيه الخاص، رغم أن المرسوم واضح جداً. فهذا الأخير قرّر أن يقسم زيادة الأجور إلى 3 فئات، ووضع سقفاً لزيادة الأجور ينسجم مع ما هو مصرّح به عن العمال للضمان الاجتماعي، أي إن كل راتب أقل من الحدّ الأدنى رُفع إلى مبلغ 675 ألف ليرة مهما كانت قيمة الزيادة، فحصل بعض الموظفين على 7 آلاف ليرة وبعضهم أكثر قليلاً... ثم قرّر أن يحسم من بعض الموظفين ساعات العمل لتنسجم مع الرواتب القديمة. انكشف الأمر للموظفين وتقدّم بعضهم بشكوى إلى وزارة العمل. بدأت هذه الأخيرة بالتحقيقات فتبيّن لها صحّة ادّعاء الموظفين. على هذا الأساس طلب مفتشو وزارة العمل من إدارة الشركة اتخاذ خطوات حاسمة لمعالجة الموضوع وإعطاء الموظفين زيادة أجور وفق المرسوم المذكور في نهاية الشهر الماضي، وإلا فإن الأمر سيعرضهم للتغريم وفق قانون العمل بمبالغ تصل إلى 8.3 ملايين دولار. إلا أن الشركة تعهدت بإعطاء الموظفين زيادة في نهاية شهر حزيران ليكون كل الموظفين قد حصلوا في 7 تموز على «الزودة»، لكن الإدارة لم تنفّذ تعهدها إلى اليوم، على مرأى ومسمع من وزارة العمل، ورغم أن الملف بات بيد الوزير والمدير العام.
وكانت الشركة قد حاولت التوسط سياسياً في هذا الملف، لكنها لم تفلح من الضربة الأولى، لكنها استطاعت أن تؤجل صدور تقرير المفتشين، بالتزامن مع التهويل ببعض الأمور. فعلى سبيل المثال، قالت الشركة إنها ستضطر إلى صرف حوالى 100 عامل في حال تنفيذ زيادة الأجور، لكن الواقع يؤكد أنه لا يمكن الشركة أن تستغني عن هذا العدد، وإلا فإنها كانت تدفع رواتبهم من دون فائدة، وهو أمر يستحيل أن تقوم به شركات القطاع الخاص.
(الأخبار)