لا يمكن أن يكون الاعتداء الذي تعرض له الجنود المصريون في سيناء مجرّداً من التطورات التي تشهدها مصر في الأشهر الأخيرة، ولا سيما مع تولي الإخوان المسلمين سدّة الرئاسة، وانعكاس ذلك مباشرة على الفلسطينيين في قطاع غزة، وتحديداً حركة «حماس» الحاكمة هناك بعد الانفتاح الذي ابداه الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي على الحركة الإسلامية، واستقبال قياداتها في القصر الرئاسي للمرة الأولى في تاريخ الحركة.
مشهد لا شك لم يعجب الكثيرين في الداخل المصري والخارج الإسرائيلي والأميركي، وكان لا بد من عمل ما لإعادة رسم الخطوط الحمراء في علاقة الجمهورية المصرية مع حركة «حماس»، المصنّفة إرهابية في عرف الولايات المتحدة. اعتداء سيناء لا شك يصب في إطار تحقيق هذه الغاية. وبغض النظر عن المنفذين المباشرين، هناك منفذون من خلف الستار أرادوا إيصال مجموعة من الرسائل إلى الحاكم الجديد في مصر، والحكام القدماء في قطاع غزّة.
رسائل ما كان من الممكن أن تصل من دون حدث من هذا النوع يؤلّب الرأي العام المصري على الاستراتيجيا التي يعتمدها حكم الإخوان في التعاطي مع تخفيف الحصار على قطاع غزة. تأليب للرأي العام عبر إهدار دماء عشرات الجنود المصريين وإعادة كرة الحدود إلى ملعب المجلس العسكري المصري، باعتبار أنه اليوم بات «وليّ الدم» وصاحب الحق في الاقتصاص من القتلة.
القتلة في هذه الحال، وكما بدأ يعلن غالبية المسؤولين والإعلام المصريين، هم «الفلسطينيون المتسللون من قطاع غزّة إلى سيناء»، وهو ما بدأ ينعكس في بعض التعليقات الشعبية المصرية، تحمل في طياتها مصطلحات عنصرية ضد «الفلسطينيين الإرهابيّين»، رغم الكثير من الأصوات العاقلة التي تدفع نحو تصويب أصابع الاتهام بناء على حسابات الربح والخسارة. والرابحان في هذه الحال هما إسرائيل والمجلس العسكري المصري، والخاسران هما «حماس» والإخوان المسلمون في مصر.
من خطّط ونفّذ وسهّل العملية تمكن من اصطياد «عصفورين بحجر واحد»، فها هو قطاع غزّة يعود إلى الإغلاق الذي كان عليه إبان حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، مع تصعيد مرتقب للحصار، ولا سيما مع إغلاق السلطات المصرية لمعبري رفح وكرم أبو سالم إلى أجل غير مسمّى. واللافت أن الاعتداء جاء بعد ساعات من التحذير الإسرائيلي للسياح في سيناء من «اعتداء إرهابي مرتقب». التحذير لا بد وصل إلى مساعي الأمن المصري، الذي لم يتعاط مع التحذير بمنطق الجدية، او أبقاه طي الاستخدام لأهداف سياسية داخلية ستتضح أكثر وأكثر في الأيام القليلة المقبلة.
فالحجر الأول للعمليّة أصاب الرئاسة المصرية ومساعيها لأخذ دور في السياسة الخارجية، التي يبدو ستبقى في عهدة المجلس العسكري، بداية من البوابة الفلسطينية قبل أن تنتقل إلى ملفات أخرى، وما على الرئيس إلا الانكفاء إلى الملفات الداخلية، ومراعاة الخطوط الحمراء التي يحددها العسكر وعدم الخروج عن الخط المرسوم للسياسات العامة، الذي لا يبدله، على الأقل مؤقتاً، تغيير رئيس والإتيان بآخر.
أما الحجر الثاني فأصاب حركة «حماس»، التي جاء توقيت الاعتداء مناسباً جداً ليكون الاتهام على مقاسها، بعد قرارها المريب وغير المفهوم بإطلاق أحد قادة الجهادية السلفية الذي كان معتقلاً في قطاع غزة لعامين. إطلاق جاء ضمن صفقة، لم تحدد معالمها، أعطت الحركة الإسلامية صفة المتعاون الضمني مع مثل هذه الحركات، وهو ما سهّل إلى حد كبير اتهامها بالمشاركة في اعتداء سيناء، لإعادة قبض الروح التي أخذتها من فوز الإخوان المسلمين في مصر.
«اسرائيل طبختها ومصر أكلتها وغزه عليها جلي الصحون»، نكتة يجري تداولها حالياً في قطاع غزة لعلها تكون الأكثر تعبيراً عن المشهد الذي سيتأتّى عن اعتداء سيناء.