غزة | ما إن شاهد أياد ثابت أحد الباعة المتجولين يمسك بيده علبة سجائر وينادي بأعلى صوته «سجائر الرويال، والكينج، والكاريلا، سجائر عالمية!» حتى اتسعت عيناه فرحاً. هبّ نحوه مسرعاً لشرائها بعد انقطاع دام أسابيع، لكن صدمة الأسعار كانت أقوى بكثير من لهفته.سأل ثابت عن سعر «الرويال» فأجابه البائع بكل ثقة: «السيجارة الواحدة بـ 120 شيكلاً» (الدولار الواحد يعال 3٫7). توقف برهة من الوقت لشدة الصدمة، ثم أعاد تكرار السؤال، لم تختلف الإجابة، فسأله عن سيجارة «الكينج» فأشار إلى أن سعرها «100 شيكل»، فسأله عن سيجارة «الكاريلا» فأجابه: «110 شيكل».
آخر سيجارة استمتعَ بها ثابت كانت تباع بـ«30 شيكلاً»، ومنذ تلك اللحظة قرّر ترك السجائر العالمية واستبدلها بالمحلية «الرديئة الجودة»، لكن ذلك لم يدم طويلاً.
وبحسب المسح المتدرّج للأمراض المزمنة الذي أجرته وزارة الصحة الفلسطينية عام 2022، فإنّ نسبة المدخنين في فلسطين هي الأعلى في منطقة الشرق الأوسط، إذ بلغت نحو 34%.
وتشير نتائج المسح إلى أن 55.1% من الذكور و12.1% من الإناث مدخنون، وأكثر من ثلث المدخنين من فئة الشباب، الذين تراوح أعمارهم بين 18و29 عاماً، والتي بلغت 40% من إجمالي المدخنين.
يظن ثابت أن الغالبية العظمى من سكان قطاع غزة تدخن، ولا سيما في ظل استمرار الحرب الإسرائيلية، ويقول لـ«الأخبار»: «الدخان يساهم في خفض التوتر والقلق للأشخاص المدخنين، لذلك نسبة المدخنين في الحرب زادت أضعاف ما كانت عليه سابقاً». ثم يستدرك بأن الارتفاع المجنون للأسعار دفعه للإقلاع عن تدخين السجائر العالمية بسبب أنه بسعر السيجارة الواحدة يستطيع شراء ثلاث «أكلات» لأسرته.
أثناء اللقاء مع ثابت، دار حوار ساخن بينه وبين صديق له اشترى سيجارة بـ «110 شيكل»: «انت أهبل، مجنون، مش إنسان، أولادك أبدى بكل شيكل». برّر صديقه ذلك براحة البال والكيف، فيما انتهى الحوار بعد دقائق بالتأكيد على كلام ثابت!
بائع السجائر الشاب ياسر جرادة، دفعه سوء الأوضاع الاقتصادية للعمل في مهنة ليست من اختصاصه: «الحياة صعبة جداً في ظل الحرب والمهنة الأكثر مبيعاً هي بيع السجائر بأنواعها كافة خاصة المحلية».
ويرجع البائع جرادة ارتفاع الأسعار المجنون إلى التجار المستوردين، واحتكار السلعة، وتلاعبهم في الأسعار مستغلين الوضع الأمني. واستذكر حادثة للاستدلال على فحش الغلاء: «قبل أيام من موافقة حماس على الورقة المصرية التي رفضها نتنياهو، كان سعر السيجارة بـ 30 شيكلاً، وبعد دقائق من موافقة حماس هبط سعرها إلى 20 شيكلاً، وبعد تعنت إسرائيل ونتنياهو برفض الهدنة ارتفع سعرها إلى 100 شيكل»، هنا تساءل جرادة: «من صاحب فكرة الارتفاع المجنون؟ أليسوا تجار الحرب!».
وعن تأثير ارتفاع الأسعار على البيع، يشير جرادة إلى أنه تضرر بشكل كبير: «كنت أبيع أكثر من 40 علبة في اليوم، ومع الارتفاع المجنون أصبحت أبيع علبتين فقط». أمّا الأرباح، فباتت ضئيلة جداً في العلبة الواحدة وقد تصل إلى «10 شيكل» فقط. حادثة أخرى عجيبة جرت مع جرادة، فقد جاءه شخص ليشتري سيجارة «كاريلا» واحدة بـ «120 شيكلاً» وتفاجأ حينها بدفع الرجل «100 شيكل، وأكمل باقي المبلغ بعرض 3 علب فيتا بدلاً من الـ20 شيكلاً» فقبل جرادة العرض!
مدخنون آخرون لجأوا إلى شراء الدخان المحلي، كبديل للعالمي، بحسب البائع بزهات الشاعر، الذي أوضح أن الأنواع المحلية هي: «الشامي والعربي وورق الشاي». يبرر الشاعر توجهه لبيع الدخان المحلي بالخشية على حياته، إذ إن أحد أصدقائه الباعة تعرّض لهجوم من مجهولين وسُرقت منه علبة دخان «كاريلا» بنحو «2000 شيكل»! ويتوقع مزيداً من الارتفاع في الأيام المقبلة لأنواع السجائر كافة، حتى المحلي منها، فورق السجائر كان يباع بـ«2 شيكل، وفي ظل الحرب يباع بـ 100 شيكل، والفلتر كان يباع بـ 3 شيكل، أمّا اليوم فبـ 130 شيكلاً».
يصاب خالد عمر طوال الليل بالكحة والسعال الشديد لتدخين السجائر المحلية «الشامي» أو «ورق الشاي»: «بقتل صحتي، ولا أحرم أطفالي من الأكل والشراب، بسعر السيجارة الواحدة، بشتري أكل لأولادي لمدة 3 أيام». يصف حال قطاع غزة بـ«كوكب آخر»، إذ إن علبة بعض السجائر تصل إلى 600 دولار وهذا ما لم تصل إليه أي دولة في العالم: «أنا بدخن من 50 سنة علبتين يومياً، لكن ما بذكر إنه سعر السيجارة الوحدة وصل لهذا السعر مطلقاً، والآن بدخن شامي، وعشان يزبط معاي، بشتري قطرة نيكوتين بـ 50 شيكل». يتهم عمر تجار السجائر بشن حرب على الناس بالتزامن مع الحرب الإسرائيلية مستحضراً المثل الشعبي: «مال المي للمي ومال اللبن للبن»!