وفي هذا السياق أيضاً، يأتي إعلان أمير المنطقة الشرقية، سعود بن نايف، تقسيم القطيف إلى شرقية وغربية، مطلِقاً على الجزء الغربي منها اسم «المحافظة البيضاء»، بينما بقِي القسم الشرقي محتفِظاً باسم «محافظة القطيف»، علماً أن المنطقة اكتسبت تسميتها الأولى (أي الشرقية) من خلال إجراء «سلطوي» جبّ تسميتها الأصلية، أي القطيف والأحساء. ويرى مصدر أهلي، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الغرض من تقسيم القطيف، تحجيم هذه المنطقة التي تعاني الإهمال والحرمان منذ عقود من الزمن، وتؤخذ ثروات أرضها لصالح الحكومة من دون أن يستفيد منها أهلها»، مضيفاً أن «هذا الإجراء سينعكس على الموازنة الهشّة أصلاً المخصَّصة لها، ما يعني أن الخدمات ستشحّ أكثر مما هي عليه». ويجيء ذلك في وقت بدأت فيه شركة «أرامكو» النفطية مباحثات مع بلدية القطيف، من أجل استكشاف إمكانية اقتطاع 26% من مساحة المنطقة لصالح الشركة بدعوى «مشاريع التنمية والتطوير»، وهو ما لا يَستبعد المصدر تَحقّقه، مشيراً إلى أن «البلدية، بأمر من الحكومة، تمنح أرامكو كلّ الصلاحيات، على رغم ما تتسبّب به مشاريعها من انعكاسات سلبية على الأهالي، خصوصاً لناحية تعميق الأزمة السكنية عبر منْع التوسّع العمراني».
يستهدف «مشروع شارع الملك عبد العزيز» ما تبقّى من قلعة القطيف الأثرية
هذا «التغوّل» لم تسلم منه أيضاً جزيرة تاروت التاريخية، التي أُعلن عن ولادة مؤسّسة جديدة لـ«تنميتها» باسم «مؤسّسة تطوير دارين وتاروت»، مع تخصيص ميزانية تقديرية لهذه الأخيرة بقيمة مليارين و644 مليون ريال. ويعود عمر تلك الجزيرة، الممتدّة على مساحة 32 كلم مربعاً، إلى أكثر من 5 آلاف عام قبل الميلاد، وهي تضمّ أكثر من 11 موقعاً تراثياً، أبرزها قلعة تاروت التي مرّ عليها الفينيقيون والساسانيون والبرتغاليون والعيونيون وغيرهم، كما أن اسمها مشتقّ من «عشتار»، إلهة الحبّ عند الفينيقيين. وُوضعت للمؤسّسة الوليدة جملة أهداف من بينها إقامة عدّة مهرجانات ثقافية وتراثية، وإنشاء عدد من الفنادق والنُّزُل البيئية في المناطق الطبيعية، والارتقاء بجودة الحياة عن طريق إنشاء الطُّرق والبنى التحتية والحدائق العامة، فضلاً عن إنشاء أكبر غابة مانجروف على ضفاف الخليج، علماً أن «تاروت» تكتنز غابات شاسعة من الفواكه المذكورة. وفي أولى الخطوات العملية، قرّر نائب أمير المنطقة الشرقية، أحمد بن فهد، نقْل الأنشطة الصناعية إلى خارج الجزيرة، من دون الاكتراث بالأضرار التي ستَلحق بأصحاب المصانع هناك، أو السعي للتعويض عليهم أو إيجاد مكان عمل بديل لهم. وأثار البدء بتجريف «تاروت» غضباً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، باعتباره مخطَّطاً لطمس تاريخ الجزيرة، وطرْد أهلها منها، وتمليكها لمستثمرين أجانب لا صِلة لهم بماضيها وحاضرها.