الخرطوم | مع استمرار الحرب في السودان في حصد أرواح المدنيين والعسكريين، لا يزال المجتمع الدولي يقف مكتوف اليدين أمام ما يحدث في هذا البلد منذ 13 شهراً، إذ لم يصدر عن مجلس الأمن الدولي، إلى الآن، إدانة صريحة للانتهاكات التي تقوم بها قوات «الدعم السريع»، ولا سيما في إقليم دارفور، أو أيّ إشارة إلى الدول التي تقدّم دعماً مباشراً لهذه القوات، رغم دفع السودان بشكوى رسمية إلى المجلس، في نيسان الماضي، يتّهم فيها الإمارات بتقديم دعم غير محدود لقوات «الدعم»، مكّن الأخيرة من ارتكاب انتهاكات وفظائع في حقّ المدنيين. وفيما طالب مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، الحارث إدريس، بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن، لبحث «عدوان الإمارات على الشعب السوداني»، فهو أوضح أن أبو ظبي لعبت دوراً رئيسياً في إشعال الحرب عبر حليفها الداخلي، «الدعم السريع»، ما أدى إلى مقتل وإصابة آلاف المدنيين ونزوح وتهجير الملايين.إزاء ذلك، اعتبر محلّلون أن شكوى السودان ضدّ الإمارات «أزالت الغطاء وكشفت الأيادي التي كانت حكومة أبو ظبي تظنّ أنها خفية»، فسارعت الأخيرة إلى الضغط عبر حلفائها داخل مجلس الأمن بهدف احتواء شكوى الخرطوم ومنع تداولها في جلسة علنية، وهو ما أفلحت فيه بالفعل؛ إذ حوّلت بريطانيا الاجتماع المخصّص للتداول حول شكوى السودان ضدّ الإمارات، إلى جلسة مغلقة لأعضاء المجلس، مُنِع مندوب السودان من حضورها. وقالت وزارة الخارجية السودانية، في بيان، إنها «تأسف أن تتنكّر بريطانيا لواجبها الأخلاقي والسياسي بصفتها عضواً دائماً في مجلس الأمن، وبحكم ماضيها الاستعماري في السودان، الذي لا تزال آثاره غير الحميدة مستمرّة، وذلك مقابل مصالحها التجارية مع دولة الإمارات»، مشيرة إلى أن «حماية بريطانيا لأكبر مموّلي الحرب في السودان، مقرونة مع ما كشفته الصحافة البريطانية من أن الحكومة البريطانية أجرت لقاءات سرّية مع ميليشيا الدعم السريع، تجعلها شريكة في المسؤولية عن الفظائع التي ترتكبها المليشيا الإرهابية وراعيتها». وفي هذا الوقت، لا تزال طائرات الشحن الإماراتية تحمل السلاح والعتاد إلى مطار «أم جرس» التشادي تحت غطاء العمل الإنساني، ما شكّل خطّ إمداد لا ينقطع لـ«الدعم السريع»، في انتهاك للقرار الأممي الرقم 1591 الذي يفرض حظر الأسلحة في دارفور.
يبدو أن الولايات المتحدة ستضطرّ إلى إعادة ترتيب أوراقها خاصة بعد ظهور روسيا على خطّ الأزمة


وعلى خط موازٍ، يتّضح من تعامل الولايات المتحدة مع الحرب في السودان أنها تريد لها الاستمرار، ولا تسعى إلى خلق استقرار في البلد الذي يشهد اضطرابات سياسية منذ خمسة أعوام. وفي هذا السياق، يفسّر مصدر ديبلوماسي مطلع صمت المجتمع الدولي إزاء ما يحدث في السودان، على أنه «يعكس حالة عدم الرضى عن حكومة ما بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، الذي قام به قائد الجيش، الفريق عبد الفتاح البرهان، على الحكومة المدنية الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك». ويضيف المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الغرب لا يميل إلى قائد الدعم السريع (حميدتي)، إلا أنهم يستخدمونه كورقة للقضاء على البرهان ومجموعته بأيادي السودانيين، ومن دون تدخّل مباشر من جانبهم». كذلك، ترى واشنطن والعواصم الغربية في «القوى المدنية»، الممثّلة في «قوى الحرية والتغيير»، «أداةً لتنفيذ أجندتها في السودان ومنطقة البحر الأحمر والساحل»، وفقاً للمصدر.
أيضاً، لم تلزم الولايات المتحدة، حليفتها الإستراتيجية في المنطقة، الإمارات، بوقف إمداد «الدعم» بالسلاح، كما أنها تنظر، بحسب محلّلين، إلى الحرب في السودان على أنها طويلة المدى؛ إذ بعد سيطرتها على ملفّ التفاوض، عبر إنشائها «منبر جدة»، لم توفّر واشنطن الآليات لضمان ما تمّ الاتفاق عليه ومراقبته، فضلاً عن أنها لم تمارس أيّ ضغوط على «الدعم السريع» للالتزام بما تم الاتفاق عليه. وفي مساعٍ إلى تشتيت جهود التفاوض، سمحت أميركا بوجود منابر موازية لـ«منبر جدة»، متمثّلة بمنبرَي «الاتحاد الأفريقي» و«المنامة»، وهي خطوة تدلّ، أيضاً وفقاً لمحلّلين، على «عدم جدية الوسطاء في التوصّل إلى سلام». ومع ذلك، يبدو أن الولايات المتحدة ستضطرّ إلى إعادة ترتيب أوراقها، خاصة بعد ظهور روسيا على خط الأزمة، فضلاً عن عودة العلاقات السودانية - الروسية بعدما شهدت حالة من الجمود منذ إطاحة الرئيس المعزول، عمر البشير، وحدوث تقارب بين الحكومة الانتقالية والمعسكر الغربي. وفي هذا الإطار، يرى الديبلوماسي أن «روسيا لجأت إلى إقامة علاقات جيدة مع السودان، بعدما شعرت هي الأخرى أن قوات الدعم السريع قد لا تكون البديل المناسب لتحقيق مصالحها في أفريقيا».