عندما يقرّر رأسمال معيّن الاستثمار في مجال الإنتاج الدرامي، لا بدّ أن يكون لديه الحدّ الأدنى من الوعي وخطة يتقيّد بها. هذا الأمر يعرفه القائمون على «ميتافورا»، الذراع الإنتاجية لـ «تلفزيون العربي» القطري. الشركة التي بدّدت أموالاً كان من الممكن أن تصنع نهضة حقيقية في الدراما السورية، لم تحقق حتى الآن أيّ نجاح يذكر، بل أسهمت في تقديم صورة مهلهلة لأسماء مكرّسة على غرار المخرج هيثم حقي، والكاتب ممدوح حمادة، وغيرهما. وذلك بسبب الخطة التي وضعتها الشركة وكانت مقتلاً حقيقياً بالنسبة إليها، والمتمثّلة في التورّط في السياسة وخلق فرص للممثلين المعارضين للنظام في سوريا.في البداية، أوليت إدارة الشركة للمراسل أنس أزرق، ففشلت في سلسلة «وجوه وأماكن» (مجموعة كتاب، وإخراج هيثم حقي)، وربما قدمت صيغة مهزوزة لمخرج يعتبر من شيوخ الكار في بلاده. ثم جرّبت لاحقاً في الكوميديا، فاستقدمت أحد أبرز كتاب سوريا في هذا المجال، وهو ممدوح حمادة («ضيعة ضايعة» و«الخربة»...). كما استعانت بمحمد خير العمري كمخرج للمرّة الأولى لإنجاز مسلسل صوّرت مجموعة من مشاهده ثم رمتها في سلّة المهملات. بعدها، أتت بسيف الشيخ نجيب الذي صوّر جزءاً واحداً من المسلسل رغم الاتفاق على ثلاثة، ليعود ويتوقّف. هنا، اتجهت الشركة صوب السياسة وتصفية الحسابات، فسجّلت سقطة إضافية في «ابتسم أيّها الجنرال» (كتابة سامر رضوان، وإخراج عروة محمد) الذي عُرض العام الماضي. ورغم ما يُعرف عن براعة كاتب العمل، إلا أنّ العمل يعتبر الأضعف في تاريخه.
وحين تولّى المدير السابق في قناة «الجديد»، ديمتري خضر، إدارة الشركة المنتجة استند إلى تجربته السابقة مع المخرج السوري أسامة الحمد والتي ولّدت مسلسلات لبنانية رديئة.
هكذا، قرّرت «ميتافورا» استنساخ تجربتَيْ «بقعة ضوء» و«مرايا» لتأتي النتيجة صيغة مشوهّة عنهما، تمثّلت في رمضان الماضي بـ «ما اختلفنا» (كتابة زياد ساري وممدوح حمادة ورنا الحريري وآخرين، وإخراج وائل أبو شعر) الذي عُرض على «التلفزيون العربي».
بما أنّ الشركة لا يمكنها دخول سوريا، اختارت التصوير في لبنان. كان يمكن التغاضي النقدي عن هذا الخيار في سنوات الحرب الطاحنة، من باب تقدير حجم الكوارث في الشام وصعوبة التصوير بأريحية في البلاد المنكوبة. لكن في عمل منفصل يصوّر قرابة الـ90 لوحة تدور حكاياتها في مدن وقرى سورية مختلفة، سيصبح من المستحيل إقناع المشاهد بصدقية المكان وانسجام الحكاية معه. فمن سيقتنع بلهجة أهل سرغايا (ريف دمشق على مقربة من الزبداني) في لوحة تصوَّر في قرية لبنانية تشبه ضيع السويداء؟
هذا عدا عن تكرار فكرة لوحات قُدّمت سابقاً في «مرايا» و «بقعة ضوء» بتصرّف بسيط، على غرار لوحة لعب الورق التي تؤديها ريم علي وباسم ياخور والتي لعبها سابقاً ياسر العظمة بشراكة بشار إسماعيل وعصام عبه جي. أما لوحة المغني الرديء الذي يتحوّل إلى مدائحي في بلاط المرشحين للانتخابات، فسبق تقديم الفكرة مراراً بأشكال مختلفة. ثم نتابع محاولات تقليد لوحات «أمل ما في» التي سبق أن قدّمها بسام كوسا وأندريه سكاف في موسم من «بقعة ضوء»، وشارك فيها فايز قزق في موسم آخر.
يُضاف إلى ما سبق، التطويل الواضح في السرد في «ما اختلفنا» وإمكانية معرفة مآلات كل قصة منذ بداياتها والحلول التي ستذهب إليها. عدا عن ضعف الماكياج، ومحاولة تصغير أعمار بعض الممثلين أو تغيير أشكالهم.
عُرض العمل الدرامي في رمضان من دون أن يتوقّف عنده أحد نقدياً. لكن إتاحة عرضه على قناة «العربي» على يوتيوب ستضع المشاهد أمام كوميديا ضعيفة ومكرورة وأداء أقل من متواضع. بالتالي، فإنّ مصيرها لن يختلف عن معظم إنتاجات «ميتافورا» منذ نشأتها حتى اليوم.