تظهر أرقام الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية، أن معدّل البطالة العام في لبنان سجّل في عام 2022 نحو 29.6% مقارنة مع 11.4% قبل الأزمة (2018 - 2019). أما بطالة الشباب فقد ارتفعت من 23.3% إلى 47.8% وتركّزت الزيادة الكبرى في بعلبك - الهرمل التي زادت فيها بطالة الشباب بنحو 30 نقطة مئوية من 11% إلى 40.7%، وفي منطقة الجنوب من 12.3% إلى 36.5%. حالياً، ليست هناك تقديرات من الإحصاء المركزي ومنظمة العمل الدولية عن معدّلات البطالة لعام 2023، إلا أن البنك الدولي الذي قد يتّبع منهجية مختلفة لاحتساب معدّلات البطالة يشير إلى أن البطالة العامة ارتفعت في بداية الأزمة ثم انخفضت في عام 2022 إلى 18% لتعود وترتفع في عام 2023 مسجّلة 23.3% وأنها ستعود إلى الانخفاض في عام 2024 لتبلغ 22.8%.بمعزل عن طرق الاحتساب المختلفة، إلا أن المؤشرات واضحة وهي تشير بوضوح إلى أن المعدلات بلغت مستويات مرتفعة. وما يعقّد عملية الاحتساب أن البطالة يصعب احتسابها في القطاع غير المنظّم أو غير المصرّح عنه المسمّى الاقتصاد الموازي الذي بات يمثّل نسبة كبيرة من النشاط الاقتصادي تفوق النصف. وبالتالي فإن هذه المعدّلات خاضعة للتقدير.
على أي حال، تزامن انفجار الأزمة مع إقفال البلد بسبب جائحة كورونا، ما أسهم في انكماش أعمال المؤسسات الصغيرة التي تمثّل الثقل الأساسي في القطاع الخاص، بشكل غير مسبوق. وأدّت هذه العوامل إلى إقفال نهائي لعدد لا يستهان به من المؤسسات وخسارة أعداد كبيرة من الوظائف. أدّت هذه الصدمات إلى انخفاض هائلٍ في الأجور ضرب القدرة الشرائية للعمّال والموظفين بسبب تراجع قيمة العملة المحليّة وانهيار النظام الاقتصادي الذي كان مبنياً على نفخ قيمة الليرة. كما أدّت إلى خسارة كبيرة في الوظائف وفي عدد الناشطين اقتصادياً ودفعت أعداداً كبيرة من الشباب نحو الهجرة، ولا سيما هجرة العمال المهرة والكفاءات أو ما يسمّى «هجرة العقول» التي كان من بين أهدافها الأساسية الاستقرار العائلي والبحث عن عمل.
في عام 2022 انخفض حجم الاستثمار في الاقتصاد بشكل كبير مسجّلاً 1.1% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 5.4% في عام 2021. بديهياً، كان لهذا الأمر انعكاس على معدّلات البطالة، لأن الاستثمارات بشكل عام، تسهم في خلق وظائف جديدة في الاقتصاد، وغيابها يعني عدم خلق وظائف جديدة من جهة، في الوقت الذي ينمو فيه حجم القوى العاملة، ما يعني معدّلات بطالة عليا. وقد استمرّ هذا الانخفاض في الاستثمارات في عام 2023، ما أبقى معدّل البطالة مرتفعاً في عام 2023 وفي عام 2024 كما يتوقّع البنك الدولي.
ما حدث بعد الأزمة يشير إلى تركّز أكبر للاقتصاد الريعي، إذ إن زيادة معدّلات البطالة لحقها اعتماد أكبر على التحويلات المالية التي أصبحت تشكّل عصب الاقتصاد اليوم بنسبة 27.5% من الناتج المحلّي اللبناني. كما ارتفع حجم العمالة غير المنظمة، ما يعني ظروف عمل أسوأ للعمّال، يُحرمون فيها من حقوقهم كاملة. هذا النوع من التكيّف مع الأزمة، خلق وهماً عند أصحاب القرار عن تعافي الاقتصاد، إلا أن هذا التعافي لا أساس له من الصحّة. فالاقتصاد لا يخلق وظائف كافية للقوى العاملة، ما يعني أنه لا يستغلّ القدرات البشرية الموجودة فيه بشكل فعّال، كما يعني أنه لا تحسّن في الإنتاجية وبالتالي لا وجود لنمو اقتصادي.